بما أن المغاربة ذوو أنفة وعزة النفس، يحبون وطنهم ويعتزون بالانتماء إليه مهما كانت الظروف قاسية أحيان، لكنهم لا يكفون عن التطلع إلى المستقبل والتغيير نحو الأفضل، في اتجاه النهوض بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، تحسين ظروف العيش وتجويد الخدمات في سائر القطاعات، الحد من معدلات الفقر والبطالة، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، ومكافحة الفساد بمختلف أشكاله، فإنهم استبشروا خيرا بقدوم حكومة عزيز أخنوش، التي تم تنصيب أعضائها من قبل الملك محمد السادس في أكتوبر 2021، لاسيما أنه تم الترويج لها على أنها حكومة كفاءات.
فكيف لا يعلق المغاربة آمالهم على حكومة يقودها رجل أعمال الذي يرأس في نفس الوقت حزبا كبيرا بحجم حزب “الأحرار”، وهي التي جاءت بعد عشر سنوات عجاف، تجرعوا خلالها المرارة وجميع ألوان القهر والظلم، جراء القرارات العشوائية والجائرة، الإجهاز على أهم المكتسبات الاجتماعية وإنهاك القدرة الشرائية، إثر رفع الدعم عن المحروقات وانعكاس ذلك على أسعار باقي المواد الأساسية والغذائية، في عهد الحكومتين السابقتين بقيادة حزب العدالة والتنمية، قبل أن يتلقى الحزب ذي المرجعية الإسلامية هزيمة مدوية في انتخابات شتنبر 2021، التي تقهقر فيها من المرتبة الأولى إلى المرتبة الثامنة ولم يحصل عدا على 13 مقعدا من أصل 395 في مجلس النواب، بعد أن كان يتوفر على 125 مقعد في الولاية السابقة.
غير أنهم لم يلبثوا أن اكتشفوا فجأة أنهم وقعوا مرة أخرى ضحية خدعة كبرى، وتبين لهم بأن الحكومة التي راهنوا على كفاءة أعضائها في إخراجهم من النفق المظلم، لم تعمل سوى على إغراقهم في المزيد من الظلام الدامس وتعميق جراحهم، ليس فقط بسبب إخفاقها في تحقيق النتائج الرقمية المرجوة وإنجاز بعض المشاريع المعلنة، بل كذلك في تخبطها وعدم قدرتها على ترجمة وعودها إلى حقائق ملموسة على أرض الواقع. وبدا واضحا أن أخنوش يفتقر إلى الحنكة السياسية، حيث يتعامل مع حكومته مثلما يتعامل مع واحدة من شركاته، ويدير قرارتها بمنطق المقاولة وليس بالمنطق السياسي، إضافة إلى أن أغلب الوزراء وخاصة أعضاء النسخة الثانية من حكومته جيء بهم من فضاءات المال والأعمال، دون أي رصيد سياسي أو تجربة حزبية، مما جعلهم يظهرون في صورة مديرين تنفيذيين…
فالحصيلة الحكومية خلال السنوات الأربع المنقضية من عمرها لم تكن إيجابية كما يدعي رئيس الحكومة وباقي أعضاء حكومته، بل هي على العكس من ذلك لا ترقى إلى مستوى طموحات المواطنات والمواطنين، حيث أنها لم تستطع مواجهة مسلسل غلاء الأسعار الذي أنهك القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، وفشلت في تنزيل الإصلاحات الكبرى ومكافحة الفساد المالي والإداري الذي تفاقم بشكل لافت، وفي بلوغ معدل النمو إلى 4 في المائة سنويا كما سبق لها أن تعهدت بذلك، بعد أن ظل يتراوح بين 2,2 في المائة سنة 2022 و3,8 في المائة سنة 2024. فيما بلغت البطالة مستويات قياسية، إذ سجلت سنة 2024 نسبة 13,3 في المائة وهو ما لم يشهده المغرب على مدى ربع قرن، علما أن الحكومة وعدت بتوفير مليون منصب شغل جديد، وأن تقريرا للمندوبية السامية للتخطيط كشف عن أرقام صادمة، حيث تم فقدان قرابة مائة ألف منصب شغل في الفترة الممتدة ما بين سنة 2022 ونهاية سنة 2024.
ثم إنه وبصرف النظر عن الأداء السياسي المتذبذب حتى لا نقول الكارثي، فمن غير المقبول استمرار الحكومة في تبرير هزالة نتائجها بمعضلة الجفاف، لاسيما أن شح السماء لم يحدث بغتة مع قدوم هذه الحكومة، بل إن الجفاف مشكلة هيكلية تعاني منها بلادنا منذ عدة سنوات، ومع ذلك كان القطاع الفلاحي في عهد عزيز أخنوش قبل أن يصبح رئيسا للحكومة الحالية، يتمكن من تعويض مئات الآلاف من مناصب الشغل التي يفقدها، وذلك من خلال تضامن باقي القطاعات، فضلا عن أن الحكومة لم تكن تهتم كثيرا بملف البطالة، ولم تضطر إلى وضع خطة لمعالجته إلا خلال شهر فبراير 2025 وخاصة بعد انفجار معدلاتها…
والأفظع من ذلك كله أنه في ظل الاحتقان الشعبي القائم وتفاقم آفة الفساد، أبى رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية عبد الله بوانو إلا أن يفجر فضيحة من العيار الثقيل، خلال مداخلته في الجلسة العامة التي انعقدت يوم الخميس 13 نونبر 2025 بمجلس النواب أثناء مناقشة الجزء الأول من مشروع قانون المالية برسم سنة 2026، مؤكدا أن الحكومة وقعت مرة أخرى في المحظور، إذ بدل أن تنشغل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بصحة المغاربة، تحولت دون سابق إشعار إلى “وزارة الصفقات”.
فهل من الكفاءة أن يقوم وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي بتمرير صفقة دواء إلى زميله محمد سعد برادة وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الذي يمتلك شركة للأدوية، وأن تستفيد إحدى المصحات الخاصة من شراء دواء لعلاج السرطان بسعر يتراوح بين 600 و800 درهم، وتعيد بيعه بمبلغ 4000 درهم في واضحة النهار، مما يعود عليها بهامش ربح يقدر بحوالي 40 مليون درهم في بضعة أسابيع معدودة؟
وفي انتظار أن يتم الكشف عن الحقيقة سواء عبر تدخل النيابة العامة أو تشكيل لجنة تقصي الحقيق، نتمنى صادقين أن تتحرك الضمائر في الاتجاه الصحيح…
المصدر: العمق المغربي
