أمد/ بعد 7 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023 برز في إسرائيل مشروع القبة الحديدية الرقمية الإلكترونية،والتي تشير الى منظومة دفاعية إسرائيلية متطورة طورتها دوائر امنية وسياسية وشركات تكنولوجية متخصصة بالذكاء الاصطناعي ضد السردية الفلسطينية خصصت لاصطياد المحتوى الرقمي وحجب ما يصدر من حقائق وجرائم تنقل للعالم، فإذا كانت القبّة العسكرية تعترض الصواريخ، فهذه منظومة متطورة تعترض الروايات والمحتوى الذي تعتبره إسرائيل مضراً لها في العالم الرقمي. 
حرب جديدة صامتة تُدار بالخوارزميات والتقنيات المطورة لا بالصواريخ اعتبرتها اسرائيل جبهة حرب ثامنة تعمل على مواجهتها تهدف بالدرجة الاساسية تحقيق استراتيجية مزدوجة تتمثل في حجب الرواية والسردية الفلسطينية من جهة واحلال الرواية الاسرائيلية مكانها وتعزيزها بالوعي العام من جهة اخرى، كما تهدف الى قمع المحتوى عبر عمليات الحجب والرقابة الدقيقة (الرقابة الرقمية) باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي اضافة الى استخدام الخورزميات وعمليات الفرز والتحليل الدقيق.
وتهدف المنظومة الجديدة الى الاحلال والاستبدال بضخ روايات مصنعة تبرر افعالها كالحرب على غزة وتجمل صورتها امام العالم وفق سياسة جديدة للحد من تنامي غضب الرأي العام العالمي وللحد من التعاطف مع القضية الفلسطينية (التعاطف الرقمي) وتحسين صورتها الذهنية في وعي العالم.

تعتمد المنظومة الجديدة على تطوير الخوارزميات المعززة بمنظومة الذكاء الاصطناعي لاصطياد الجمل والعبارات والمصطلحات والكلمات والالفاظ والصور والفيديوهات وغيرها من انواع واشكال المحتوى والتغريدات بهدف غسل سردية الإبادة التي سببت اضرار فادحة لسمعتها .
وتعمل منظومة القبة الحديدية الرقمية في ثلاث مراحل أساسية باعتبارها درع رقمي متكامل يعتمد على منظومة تشغيل تبدأ بعملية المسح الواسع لاكثر من 200 الف موقع على الويب ومنصات التواصل الاجتماعي يومياً وهي مرحلة الرقابة الدقيقة (الرقابة الإلكترونية الصارمة) لعناوين المواقع والمصطلحات على المنصات وتحليل اثرها على الرواية والسردية الاسرائيلية لتتخذ الحملة (منظومة الدفاع الرقمية) قرارات بشأنها ومن ثم تقوم بانتاج محتوي مضاد ومصنع واستجابة موجهة وسريعة عبر كتابة المقالات والتغريدات والفيديوهات والمحتوى المضاد للسردية التي التقطتها منظومة القبة الرقمية.

تعمل منظومة القبة الرقمية على اطلاق محتوى ممول واعلانات مكثفة وبشكل متزامن مع عمل الطواقم الاخرى كسلاح الناطقين والمؤثرين ورواد المنصات الاعلامية والمشاهير والاعلاميين تستهدف نفس الجمهور الذي شاهد المنشورات المنشورة ومحتوي السردية الفلسطينية ضمن استراتيجية تغير اتجاهات الجمهور.

ترتكز فكرة القبة الرقمية على منظومة الذكاء الاصطناعي بالدرجة الاولى ترصد خلالها كيف تنتشر الافكار على شبكات الانترنت ( تحليل الاتجاهات) وتستجيب لها بشكل آني بالزمن والسرعة المطلوبة بمحتوي مضاد وممول وتستخدم لذلك لغة تحليل متطورة لرصد الاتجاهات وقياس التفاعل والاستجابة مع المحتوي ومدى انتشاره العام ومن ثم تتحرك الفرق المتخصصة لوضع استراتيجيات وخطط للرد والهجوم الالكتروني على المحتوى ومن ثم اطلاق سردية مضادة (اعدام المحتوي) تستهدف الجمهور وتغير اتجاهاتهم.

‏تعتمد منظومة القبة الرقمية على جيش المتطوعين الذين يعملون تحت غطاء الحملة الوطنية للتطوع ويطلق عليهم جيش الابلاغات وهي عبارة عن فرق الكترونية منظمة يتم تجنيدهم وتدريبهم بالدرجة الاولى على تقديم الآف البلاغات والشكاوي على مواقع ومنصات شركة ميتا واكس وتيك توك وغيرها من شركات الاعلام والتواصل الاجتماعى بعد ان يتم فرز المحتوى وفحصه وتدقيقه بالذكاء الاصطناعي والخورزميات بحيث يعملون على بناء التدخلات وعمليات التبليغ الجماعي ويغرقون المنصات بالآف الشكاوي عل المحتوي والسردية الفلسطينية باعتباره محتوى مسيئاً لاسرائيل وتتهمه بالتحريض واشاعة الكراهية بهدف اصطياد وحذف المحتوى قبل انتشاره.

وتجدر الاشارة الى ان استراتيجية عمل منظومة المتطوعيين ( جيش البلاغات) ترتكز على الاسراع في تقديم الشكاوي والتبليغ باسم الحملة المنظمة وغالباً ما تقوم شركات ومنصات التواصل بالاستجابة لهذه الشكاوي كونها حملة مرخصة وصادرة عن جماعة منظمة لكثافة البلاغات المتزامنة (الاغراق) وكذلك بحجة وجود سياسات ومعايير النشر (معايير المجتمع) اضافة لحجم التنسيق والتعاون والعلاقة بين ادارة الشركاء واسرائيل (الدبلوماسية الرقمية) والتي يقودها مسؤلين كبار في هذا المضمار.

وفي 26 أيلول 2025، التقى بنيامين نتنياهو حوالى 18من المؤثرين الأميركيين المشاركين في تلميع صورة إسرائيل على مواقع التواصل (الاجتماعي)، وتحدث عن أن السلاح الأهم في المرحلة الحالية هو “سلاح مواقع التواصل الاجتماعي”، (الاعلام الجديد) وخاصة تطبيق “تيك توك”، ومنصة إكس، بخلاف يوتيوب وبودكاست.

الجدير ذكره ان الحكومة الاسرائيلية كثفت جهودها في تطوير منظومة القبة الحديدية الرقمية باستراتيجية تسليح وسائل التواصل الاجتماعي (التسليح الرقمي) وعرف بمشروع 545 والتي تستهدف تشكيل الرأي العام العالمي مع تركيزها على التأثير بالرأي العام الأميركي عبر توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي مثلChatGPT، ووضعت اهدافاً لتحقيقها فعلى سبيل المثال شمل تسليح القبة الرقمية ضمان ظهور 50 مليون ظهور شهري للمحتوى، مع تخصيص 80% من المحتوى لجيل Z على منصّات تيك توك وإنستغرام ويوتيوب حيث خصصت في نوفمبر 2025 أكثر من نصف مليار شيكل (نحو 145 مليون دولار) في موازنة عام 2025 لتمويل أوسع حملة رقمية منذ بدء العدوان على قطاع غزة.

وكشفت وثائق قانون تسجيل الوكالات الأجانب (FARA) في الولايات المتحدة إلى قيام اسرائيل بإطلاق مشروع (استر ) لدعم المؤثّرين الأميركيين بعقود قد تصل إلى 900 ألف دولار للفرد، بميزانية تشغيلية شهرية تقارب 250 ألف دولار.
وبحسب الوثائق يبدأ التنفيذ بالتعاون مع 56 مؤثّرين يُطلب منهم نشر 2530 منشوراً شهرياً، على أن يتوسّع لاحقاً ليشمل وكالات أميركية وصنّاع محتوى إسرائيليين كما بينت وجود فواتير تجاوزت قيمتها 900 ألف دولار، جرى دفعها، ما بين حزيران وتشرين الثاني 2024، لـ 14 إلى 18 مؤثراً على مواقع التواصل، تشمل أجورهم وتكاليف الإنتاج تثبت هذه الوثائق أن حكومة الاحتلال تدفع لقرابة 1418 من المؤثرين الأميركيين على مواقع التواصل، الداعمين لسردية الاحتلال، ما بين 6100 دولار، إلى 7300 دولار لكل تغريدة أو بوست أو منشور ينشره أحدهم، كما وثق السجل تعاقد وزارة الخارجية الاسرائلية مع شركة Clock Tower الأميركية لتوجيه الخطاب الإسرائيلي على الإنترنت والتأثير في استجابات أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT وGrok وGemini، بشأن إسرائيل.
بينما كشفت هيئة الإذاعة الإسبانية RTVE، واستنادًا إلى تحقيق أجرته Eurovision News Spotlight، أن إسرائيل خصصت 167 مليون شيكل (50 مليون دولار) لصفقات إعلانية مع غوغل، ومنصة X، والشبكتين الفرنسية والإسرائيلية Outbrain وTeads لمواجهة تقارير المجاعة في غزة.
وبحسب التحقيق إن لجنة الإعفاءات الإسرائيلية وافقت على طلب مقدم في حزيران 2025 من وكالة الإعلانات الحكومية “لابام” لإدارة حملات “معلومات عامة” حتى 31 كانون الأول 2025، وتوجيه 150 مليون شيكل (45 مليون دولار) إلى YouTubeوDisplay لنشر حوالي Video 360 ودفع 10 ملايين شيكل (3.03 مليون دولار إلى X، و7 ملايين شيكل (2.12 مليون دولار لغوغل) وأن شركة لابام رعت حوالي 2000 إعلان في عام 2024 (حوالي 900 إعلان محلي و1100 إعلان دولي).
وفي الفترة من 1 كانون الثاني إلى 5 أيلول 2025، نشرت أكثر من 4000 إعلان، استهدف نصفها تقريبًا جمهوراً خارجياً وذكر التحقيق ان أحد الأهداف الرئيسية لتسليح منظومة القبة الحديدية الرقمية في هذا التوقيت هو دحض وجود المجاعة من خلال إظهار صورة زائفة (التزيف الرقمي) عن الحياة الطبيعية داخل قطاع غزة المحاصر.
كما كشف التحقيق عن تأسيس شركة جديدة باسم Show Faith by Works في /يوليو 2025 لدعم الدعاية الإسرائيلية إذ تلقّت خلال شهرين فقط 325 ألف دولار من إسرائيل لتسويق سرديّتها وتبرير الإبادة في غزة بين المسيحيين في الغرب الأميركي.

الي جانب حملات المؤثرين ووسائل التواصل، وفقًا لما نشرته صحف إسرائيلية في 14 أيلول 2025، كانت وزارة الخارجية الإسرائيلية قد خصّصت 520 مليون شيكل (نحو 137 مليون دولار) صرفت على برامج استقدام الوفود الاجنبية والتبادل لتعزيز صورتها على الساحة الدولية وبموازاة ذلك، ذكر موقع نيويورك تايمز أن جهة حكومية اسرائيلية استهدفت ما لا يقل عن 128 نائباً أميركياً عبر نحو 600 حساب وهمي لنشر أكثر من 2000 تعليقٍ منسّق أسبوعياً (محتوى) يدعم روايات الحكومة الإسرائيلية ويهاجم الأونروا ومنظمات حقوقية فلسطينية وصحفيين.

هذه بعض الاستراتيجيات و الأساليب التي تعمل عليها اسرائيل في منظومة القبة الحديدية الرقمية واليات تسليحها الهائلة للتأثير على خفض عرض السرديات المناوئة لها، ثم إغراق الفضاء نفسه بسردية بديلة (الاحلال) في اللحظة ذاتها، بما يعيد تعريف وتغيير الحقائق قبل أن تستقر في وعي الجمهور وصنّاع القرار حيث تكمن الخطورة اذا ما تحولت هذه الاستراتيجيات والأساليب إلى وصفة جاهزة تُستعمل في كل مكان وعلى وجه الخصوص عندما تمتلكها دولة متهمة بارتكاب جرائم حرب وتستخدم ادوات واساليبب التسليح الرقمي وتوظفه في المراقبة الرقمية والإعلانات الضخمة والتأثير في الرأي العام عبر تعزيز التعاون مع المؤثرين ورصد ميزانيات إعلانية كبيرة تشتري فيها الكلمات المفتاحية في محركات البحث لتحقيق النتائج الأولية في الحذف والاستبدال مع امتلاك أدوات الذكاء الاصطناعي تُعيد صياغة الإجابات لصالح رواية محدّدة لحرف الحقيقة واعدام المحتوي الرقمي وتزيف الروايات ولإسكات الاصوات المخالفة لها ويتحول فضاء الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي من مساحة مفتوحة للتعارف وتبادل الافكار والثقافات والانفتاح على الحضارات وحرية الرأي والتعبير وتداول المعلومات والحق في الحصول عليها وتعزيز صحافة المواطن يتحوّل كل ذلك تدريجياً إلى ساحة اشتباك وحرب سيجد فيها المستخدميين لمنصات التواصل الاجتماعي انفسهم أمام الصفحات المدفوعة والمعلومات المضللة بينما تُدفَع الحقائق والمعلومات الحقيقية ( السرديات) الناقدة إلى الاسفل وتصبح من الماضي دون وصولها للجمهور يشتري فيها الجاني المساحات والواجهات الأولى في محركات البحث ويحجب الأصوات التي تنشر الحقيقة قبل أن يسمعها ويشاهدها المتابعين والمهتمين.
تعميم هذا النموذج من الهيمنة (السيطرة الرقمية) والخداع والحجب والتضليل حتماً سيؤثر على مسار العدالة وسيواجه الجمهور ومنظمات حقوق الإنسان وصحافيون وباحثون العالم صعوبةً أكبر في الوصول إلى الحقيقة.
منظومة القبة الحديدية الرقمية سابقة خطِرة في عالم الاعلام والفضاء الازرق تتطلب تصنيفها ضمن الجرائم المنظمة دولياً( الجرائم الإلكترونية) تستوجب العقاب فبدل أن تُحاسَب الأطراف المشاركة على توظيف الدعاية لإخفاء الجرائم والانتهاكات، تُكافَأ الشركات والأشخاص بقدرتها على تشكيل الرأي العالمي بأدواتٍ تقنية رخيصة وسريعة.

وبهذا المعنى أصبح التحكّم بالمعلومة جزءًا طبيعيًا من إدارة الحروب والأزمات ولعل أوّل من يجب أن يحتج أمام الشركات المُتعاونة مع إسرائيل هم مستخدمي المنصّات نفسهم، التي تحاول إسرائيل التحكّم بتوجّهاتهم (التضليل الرقمي) خاصة أن الأدلّة على تعاون مجموعة كبيرة من الشركات، مثل ميتا، مع إسرائيل للحد من انتشار الرواية الفلسطينية لما يحدث في غزة باتت كثيرة وخطيرة كونها تجمد حرّية التعبير، ويُضعف قدرة الناس على الوصول إلى معلوماتٍ موثوقة، ويمنح اسرائيل حقاً عملياً ولو خفياً في تحريف الوقائع داخل الخوارزميات.

الخلاصة:

يعتبر الاعلام الجديد والمرتبط بالذكاء الاصطناعي احد اهم التحديات الكبري امام القضية الفلسطينية وسرديتها في قادم الايام فكان ولازال احد اهم الادوات بل اهم الاستراتيجيات في الصراع العربي الاسرائيلي الذي ساهم بشكل كبير في استعادة القضية الفلسطينية مكانتها على المستوى العالمي شكل خلالها وعياً عاماً وحراكاً جماهيرياً واسعاً في الساحات والميادين والمحافل الدولية وعزز من حقوق الشعب الفلسطيني ومكانته ما جعله ساحة مفتوحة من ساحات الصراع والاشتباك آخذ بالتطور والاتساع في معركة التحرر الوطني وتعزيز الرواية الفلسطيني يستوجب الاسراع في امتلاك منظومة اعلامية متطورة ضمن رؤية اعلامية مستدامة (التنمية الاعلامية) بمفهومها المهني والتقني يتشكل لها كياناً اعلامياً فلسطينياً موحداً موثوقاً يعتمد علي تقنيات واساليب وبرمجيات حديثة واخراج الاعلام الفلسطيني من قوالبه واطره الرسمية التقليدية الجامدة بمعزل عن الخطاب الحزبي والفصائلي لجهة توحيد جبهة العمل الاعلامي يسخر لها كافة المقومات والامكانات والطاقات وات والتقنيات تتجمع في كينونة موحدة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي (التسليح التقني) وتفعيل (الدبلوماسية الرقمية) وامتلاك قدرات التسليح الرقمي يشارك في صناعتها ودعمها وتطويرها كافة التشكيلات الاعلامية وقطاعات متعددة من الشركات المتخصصة والرواد والمؤثرين والدبلوماسيين والكتاب والاعلاميين والتقنيين والمطورين وطلبة الجامعات وكليات الاعلام وتكنولوجيا المعلومات وقطاعات شعبية وجماهيرية واسعة يسخر لها الامكانات والقدرات والمساحات لتحقيق اهداف التنمية الاعلامية الرقمية التي تكفل نجاحها وظيفتها حماية السردية الفلسطينية والدفاع عنها وتوثيقها وتعميمه وضمان انتشارها وحضورها وتناقلها في وعي الاجيال المتعاقبة وبناء جسور من العلاقات والشبكات مع التشكيلات والاطر والمنصات الاعلامية العربية والدولية (الشبكات الرقمية) لتصبح ساحة متقدمة في ساحات الاشتباك وتعزيز السردية الفلسطينية وسبل انتزاع الحقوق الفلسطينية لجهة اقامة الدولة الفلسطينية ومواجهة منظومة القبة الحديدية الرقميم الإلكترونية..

شاركها.