أمد/ في كل سنة يعلن المحتلون عن نيتهم استيطان الخليل، وهي المدينة الثانية المرشحة للاستيطان بعد القدس، بخاصة في احتفالهم الجديد باسم (سبت حياة سارة) هذا الاحتفال هو الأكبر في الخليل، مع العلم أن السيدة، سارة هي زوجة النبي إبراهيم، هم يقولون: إن سيدنا إبراهيم اشترى لها قبرا في (المكفيلة) بأربعمائة شيكل فضة، تقع المقبرة في الحرم الإبراهيمي، وأنهم المشترون الحصريون والمستوطنون لهذا الصرح الديني، وهم في إطار هذا الاحتفال الصاخب يُلقون الحجارة على بيوت الفلسطينيين ويحظرون تحركهم!
سأظل أردد مقولة الصحفي الإسرائيلي يائير شيلغ، عندما قال: “ها هم المستوطنون من عصابات الهاغاناه يجوبون الشوارع مسلحين وهم يحملون أعلام مستوطنة بيت إيل، لم يعد الحديث يدور عن دولة تملك المستوطنات، بل عن مستوطنات تملك الدولة”!
لم يكن(الاستيطان) في فلسطين سياسة كولونيالية فقط لا علاقة لها بالدين، كما ادعى العلمانيون من مؤسسي إسرائيل، وعلى رأسهم العَلمانيان، هرتسل، وبن غريون، بل إن الاستيطان فريضة دينية يهودية، لا يكتمل الدين اليهودي إلا بفريضة الاستيطان!
كان هرتسل وبن غريون تلميذينِ للحاخام، موشيه بن نحمان المتوفى في آواخر القرن الثالث عشر الميلادي، عام 1270م، هذا الحاخام هو أستاذ هذين العلمانيين، قال: “يجوز لليهودي أن يُطلِّق زوجتَه إذا رفضت الهجرة إلى فلسطين، لأن الهجرة والاستيطان واجب شرعي ديني” كذلك فإن مؤسسيْ إسرائيل الأولينِ كانا ينفذان تعاليم الحاخام، يهودا هاليفي المتوفى قبل تأسيس إسرائيل عام 1878م، وهو أيضا قال: “إن وجود اليهود في أرض الميعاد مقدمٌ على تطبيق الشريعة اليهودية، إذا يجوز للمهاجرين اليهود ألا يمارسوا شعائر الدين اليهودي وهم في أرض الميعاد، فهم أفضل ممن يمارسون شعار الدين وهم في المنفى”!
إن طوائف (الحاسيديم) وهم من أكثر طوائف الحارديم عددا، جعلوا لليهودي ثلاث توبات واجبة شرعا؛ التوبة الأولى هي توبة الخوف من الأعداء في المنفى، أما التوبة الثانية فهي توبة الأرض حين يعودون إلى أرض فلسطين أي (الاستيطان)، أما التوبة الثالثة هي توبة الحُب، حب الأرض وإعمارها كمقدمة لعودة الماشيح المنتظر بعد المعركة الكبرى في (هرمجدون) وبها يكتمل الإيمان!
قدم نتنياهو لسموترتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية ولشريكه، بن غفير رشوة، وهي تولي ملف (سلطة الأراضي)، وهي السلطة المسؤولة عن تسجيل أراضي فلسطين والاستيطان، نظير الموافقة على تشكيل الحكومة الحالية!
سوف أظل أقتبس بعض الأسطر من مقالٍ للكاتب الإسرائيلي، كوبي نيف في صحيفة، هآرتس يوم 3122016م جاء فيه: “شرَّعتْ إسرائيلُ سرقةَ أراضي الفلسطينيين منذ تأسيسها عام 1948 بادِّعاءات كاذبة، فقريتا، إقرت، وكفر برعم الفلسطينيتان مثالٌ على هذه السرقة، بلغتْ مساحةُ القريتين 28 ألف دونم عام 1948م، أعلن سكانُ القريتين الاستسلام للجيش الإسرائيلي، ورفع سكان القريتين من المسيحيين الفلسطينيين الرايات البيضاء عام 1948، غير أن جيشَ إسرائيل أمر سكان القريتين بإخلائهما مدةَ أسبوعين فقط لغايات أمنية! غير أن الجيش لم يَسمح لسكان القريتين بالعودة بعد انقضاء الأسبوعين، لجأ سكانُ القريتين لمحكمة العدل العليا، أصدرتْ المحكمة قرارا يُجيز لهم العودة، ثم سحبتْ المحكمة الأمرَ القضائي، وبعد خمس سنوات، أي في عام 1953 قصفتْ طائراتُ إسرائيل مباني القريتين، ثم صودرتْ الأراضي، ووزعت على الإسرائيليين، وخُصصتْ مزارع القريتين محمية طبيعية، بعد تسع عشرة سنة، عام 1972 قررت حكومة إسرائيل، برئاسة، غولدا مائير طي ملف القريتين، وعدم السماح لهم بالعودة، لم ييأس مَن بقي حيا من سكان القريتين، فتقدموا عام 1981م بدعوى إلى المحكمة العليا، رفضت المحكمة العليا الدعوى بسبب، التقادم الزمني، وفي عهد حكومة رابين، عام 1993م لم ييأس بقايا سكان القريتين من اللجوء للقضاء، فصدر قرارٌ بتشكيل لجنة لدراسة الحالة، وأصدرت توصياتها بضرورة إعادة سكان القريتين إلى بيوتهم، غير أن المحكمة العليا رفضت قرار اللجنة، هذه هي سياسة إسرائيل، التواطؤ والخداع بين الحكومة والمحكمة العليا هو أساسُ العمل في إسرائيل”!
النص السابق لم يكتبه فلسطيني أو أحد الباحثين المنصفين، أو جمعية غير حكومية، بل كتبه صحفي إسرائيلي في صحيفة هآرتس الإسرائيلية!
كان بن غريون المؤسس الأول لدولة إسرائيل يرى في صحراء النقب الفلسطينية أنها هي المدخر الاستراتيجي لإسكان اليهود المهاجرين من العالم لذلك قرر أن يسكنها ويدفن فيها عام 1972م! ستظل صحراء النقب مدخرا استراتيجيا للاستيطان، فمشروع، برافر صدر عام 2013 مثالٌ على ذلك، لأنه ينص على تهجير خمسين ألف فلسطيني بحجة أنهم يسكنون في قرى غير معترف بها، ليسكنوا في مدنٍ كبيرة، وهذا يقتضي تدمير عشرات قرى الفلسطينيين، كما أن تدمير قرية العراقيب بالجرافات الإسرائيلية أبرز مثال على ذلك، فقد دمرتها إسرائيل أكثر من مائتين وأربعين مرة حتى شهر يونيو 2025م، على الرغم من أن سكانها هم الفلسطينيون مالكو أرضها الأصليون!
أما، نفتالي بينت رئيس مجلس الاستيطان عام 2010م ورئيس وزراء إسرائيل السابق، ورئيس حزب البيت الجديد هو ليكودي سابق، وهو اليوم مرشحٌ ليتولى منصب رئيس وزراء إسرائيل بدلا من نتنياهو، هو أيضا يماثل بالضبط، بن غفير وسموترتش، يرفض الدولة الفلسطينية، ويعتبر الاستيطان فريضة شرعية مقدسة، قال: “الاستيطان هو ثروة إسرائيل الكبرى، لذا يجب تحويل كل أراضي الفلسطينيين لإسرائيل”!
لن أغفل ما يقوم به أصحاب رؤوس الأموال أمثال الملياردير الراحل، أرفين مسكوفتش الذي اعتاد دعم الاستيطان في القدس، ودعم جمعية الاستيطان الكبرى، غوش إيمونيم، ويشع، وبخاصة جمعية عير داود الاستيطانية.
أما الداعم الأكبر لحركة الاستيطان، فهو التيار المسيحاني الصهيوني، هؤلاء يؤمنون بأن عودة الماسيح المنتظر لن تكون إلا بعد استيلاء إسرائيل على أرض الميعاد، لذلك فإن حكومة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الحالية هي بالتأكيد الممثل الشرعي لهذا التيار، وعلى رأس هؤلاء، سفير ترامب في إسرائيل، مايك هوكابي، خليفة، السفير الأمريكي السابق لدونالد ترامب، وهو ديفيد فردمان، فقد أسهم فريدمان في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وضم الجولان، أما هذا السفير الحالي فهو سينفذ ضم غور الأردن ومنطقة سي كذلك!
