وجه الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، هشام البلاوي، منشورا للمسؤولين القضائيين بالنيابات العامة لدى محاكم المملكة حول مستجدات عمل النيابة العامة بموجب القانون رقم 03.23 المغير والمتمم لقانون المسطرة الجنائية.

وأبرز رئيس النيابة العامة أن القانون رقم 03.23 المغير والمتمم للقانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية تضمن مستجدات هامة تتصل بعمل النيابة العامة في مختلف مناحي تدخلها في الخصومة الجنائية، انطلاقا من تلقي ومعالجة الشكايات والوشايات وتدبير الأبحاث مروراً بمرحلتي التحقيق الإعدادي والمحاكمة إلى غاية تنفيذ المقرر القضائي الصادر في الدعوى العمومية.

وأشار إلى أن ” المشرع المغربي استهل هذه التعديلات بديباجة بين فيها المرتكزات والمرجعيات المعتمدة لتعديل قانون المسطرة الجنائية، والتي تتصل بتنزيل أحكام دستور المملكة وبملاءمة التشريع الوطني مع التزامات بلادنا الدولية، ولا سيما تلك المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، والتصدي للجريمة ومنع الإفلات من العقاب، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وتوسيع مجال العدالة التصالحية وتحديث السياسة الجنائية وأنسنتها، وذلك في إطار مواصلة الإصلاح الشامل والعميق لمنظومة العدالة عملا بالتوجيهات الملكية السامية في هذا الإطار”.

ودعت رئاسة النيابة العامة المسؤولين القضائيين إلى تدارس مضامين هذه التعديلات واستشراف آثارها العملية، مع رفع تقارير عن الإجراءات المتخذة والصعوبات المحتملة، مؤكدة التزامها بمواكبة تنزيل القانون من خلال توجيهات دورية واجتماعات تأطيرية لضمان حسن تنفيذ المقتضيات الجديدة.

وحسب رئيس النيابة العامة، فيتعين على قاضي النيابة العامة وهو يتولى تطبيق المستجدات التشريعية التي تضمنها قانون المسطرة الجنائية بموجب القانون رقم 03.23 أن يستحضر مجموعة من المبادئ الدستورية والكونية، كمساواة الجميع أمام القانون، والسهر على ضمان حقوق جميع أطراف الدعوى العمومية، بما في ذلك الضحايا والمشتبه فيهم والشهود والمبلغين، وتعزيز احترام قرينة البراءة والسهر على حقوق الدفاع وقواعد المحاكمة العادلة.

ويهدف هذا المنشور إلى تقديم توضيحات مختصرة لأهم المستجدات التي طرأت على الصلاحيات الموكولة إلى قضاة النيابة العامة بموجب القانون رقم 03.23 في مختلف المراحل التي تمر منها الدعوى العمومية، مع التأكيد على أن العديد من المستجدات ستكون محل رسائل دورية موضوعاتية، ستوجه إليكم لتأطير طرق تنزيلها بما يضمن التطبيق السليم للقانون وتوحيد الممارسة القضائية في هذا الشأن.

الاختصاص ومعالجة الوشايات والأبحاث الجنائية

وفي ما يتعلق بالاختصاص، أبرزت المستجدات اعتماد المؤسسة السجنية التي يوجد بها المشتبه فيه كعنصر جديد لتحديد الاختصاص المحلي، إلى جانب مكان ارتكاب الجريمة أو الإقامة أو إلقاء القبض، كما شملت التعديلات توسيع فئات الأشخاص الخاضعين للاختصاص الاستثنائي، من بينهم ضباط عسكريون من رتبة عميد فما فوق، وقضاة المحكمة العسكرية، والكتاب العامون للعمالات، ورؤساء المناطق الحضرية.

وتضمنت المذكرة تغييرات مهمة في معالجة الوشايات مجهولة المصدر، إذ أصبح لزاماً إجراء تحريات أولية قبل فتح أي بحث، سواء وردت الوشاية إلى النيابة العامة أو مباشرة إلى الشرطة القضائية، كما أكدت أن الأبحاث في الجرائم الماسة بالمال العام لا تُفتح إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بناء على الإحالات القانونية المعتمدة، باستثناء حالات التلبس.

كما وسّع القانون نطاق الإشعارات التي توجهها النيابة العامة للمحامين والمشتكين والضحايا، حيث حُدد أجل 15 يوماً لإخبارهم بمآل الشكايات، سواء تعلق الأمر بالحفظ أو المتابعة أو الإحالة، وأصبح بإمكان المتضررين التظلم من قرارات الحفظ أمام الوكلاء العامين للملك أو أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، مع إلزام قضاة النيابة العامة بتعليل قراراتهم.

وفي ما يخص تدبير الأبحاث الجنائية، خوّل القانون للنيابة العامة فرض المراقبة القضائية خلال مرحلة البحث، مع وضع قواعد واضحة لتدبير برقيات البحث من حيث إصدارها وإلغائها، كما وسّع نطاق ردّ الأشياء والأدوات ووسائل النقل المضبوطة، وأدخل تعديلات جديدة على تدابير سحب جواز السفر وإغلاق الحدود، خصوصاً في الجرائم المنصوص عليها في المادة 108.

وأصبح بإمكان النيابة العامة الأمر بإجراء أبحاث مالية موازية في الجرائم التي تدر عائدات، مع إمكانية حجز الأموال والممتلكات المشبوهة مع احترام حقوق الغير حسن النية، كما حدّد القانون الجهة المختصة بالإشراف على الأبحاث المتعلقة بالأشخاص الخاضعين للاختصاص الاستثنائي، مع اشتراط موافقة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض على اتخاذ تدابير مقيدة للحرية في حق بعض الفئات.

ومن بين أبرز المستجدات أيضاً تمكين قضاة النيابة العامة من استنطاق المشتبه فيهم داخل مقرات الشرطة القضائية للتخفيف من الضغط على مكاتب النيابات العامة، وذلك بالنسبة للجنح فقط ودون أن يشمل الأحداث أو الجنايات.

وبشأن التفتيش الرقمي، وضع القانون إطاراً قانونياً جديداً يمكن بموجبه للشرطة القضائية إجراء تفتيش رقمي وحجز البيانات الإلكترونية بعد إذن النيابة العامة، مع إمكانية حذف المعطيات غير المشروعة أو الخطيرة، كما بات الحصول على معطيات مخزنة لدى إدارات أو مؤسسات خاصة أو لدى شركات الاتصالات مشروطاً بإذن كتابي من النيابة العامة، فيما أشار المنشور إلى أن هذه المستجدات ستستكمل برسائل دورية موضوعاتية لتوحيد الممارسة القضائية وضمان التطبيق السليم للمقتضيات الجديدة.

الحراسة النظرية والتحقق والمتابعة

تضمّنت مستجدات قانون المسطرة الجنائية تعديلات واسعة تهم تنظيم الوضع تحت الحراسة النظرية، وحقوق الدفاع، وتقنيات البحث، إضافة إلى الصلاحيات الجديدة الممنوحة للنيابة العامة في مجال إقامة الدعوى العمومية وتدبير وضعية الأشخاص المقدمين أمامها.

وألزمت المادة 661 قضاة النيابة العامة بالتأكد من وجود أسباب قانونية لوضع المشتبه فيه تحت الحراسة النظرية، تشمل الحفاظ على الأدلة، وإنجاز الأبحاث التي تستلزم حضور المعني بالأمر، وضمان مثوله أمام العدالة ومنع فراره، ومنع ممارسة الضغط على الشهود أو الضحايا، وتفادي التواطؤ بين المشتبه فيهم، ووضع حد للاضطراب الناتج عن خطورة الفعل.

وأقرّ القانون مقتضيات جديدة تهم الحق في الاتصال بالمحامي، إذ أصبح هذا الاتصال ممكناً ابتداءً من الساعة الأولى للوضع تحت الحراسة النظرية، مع إمكانية تأجيله استثناءً في الجرائم الإرهابية والجرائم الواردة في المادة 108، لمدة لا تتجاوز نصف المدة الأصلية للحراسة، كما أجاز اعتماد تقنيات الاتصال عن بعد عند تمديد الحراسة النظرية، وفق الشروط الواردة في المادة 59511، لاعتبارات تتصل بضرورة البحث أو البعد الجغرافي أو الوضع الصحي للمشتبه فيه.

ومكّنت المادة 664 محامي المشتبه فيه من حضور عملية الاستماع، شريطة حصوله على إذن من النيابة العامة، وذلك في حال كان المشتبه فيه حدثاً أو من ذوي العاهات المحددة قانونا، وألزمت النصوص ضباط الشرطة القضائية بإشعار المشتبه فيه بهذا الحق قبل الاستماع إليه.

كما نظم القانون تقنية الاختراق باعتبارها وسيلة للبحث في الجرائم المنصوص عليها في المادة 108، واشترط إذناً مكتوباً ومعللاً يحدد ضابط الشرطة القضائية المسؤول ومدتها التي لا تتجاوز أربعة أشهر قابلة للتمديد مرة واحدة، مع إمكانية تعديلها أو إيقافها بقرار معلل.

وتضمنت المستجدات أيضاً مسطرة التحقق من الهوية، التي تتيح اقتياد الشخص إلى مقر الشرطة القضائية عند تعذر تحديد هويته، مع إشعار النيابة العامة وعائلته أو محاميه، وعدم تجاوز مدة أربع ساعات قابلة للتمديد مرة واحدة بإذن قضائي، وتحرير محضر مفصل يتضمن جميع الإجراءات والبيانات القانونية، مع إتلافه بعد سنة في حال عدم فتح متابعة، كما تم تأطير عمليات التقاط وتسجيل الأصوات والصور والمعطيات الإلكترونية وتحديد المواقع، بإلزام الوكلاء العامين للملك بالحصول على مقرر قضائي مكتوب ومعلل يحدد أماكن أو وسائل النقل أو الأشخاص المعنيين، مع إمكانية الإذن لضباط الشرطة بالدخول إلى الأماكن الخاصة غير المعدة للسكنى لتنفيذ هذه التدابير دون علم صاحب المكان.

وفي مجال بدائل المتابعة، عزز القانون مسطرة الصلح، إذ أصبح بديلاً للدعوى العمومية، ويمكن اقتراحه من النيابة العامة تلقائياً أو بطلب الأطراف، بما في ذلك الصلح بالوساطة، مع توسيع دائرة الجنح المشمولة به. كما مُنحت النيابة العامة سلطة تقديرية في تحديد الغرامة التصالحية في غياب المشتكي، دون تجاوز نصف الحد الأقصى للغرامة. وأصبح الصلح نافذاً بمجرد تحرير محضر دون الحاجة للمصادقة بغرفة المشورة، مع إمكانية إقامة الدعوى العمومية عند الإخلال بالالتزامات أو ظهور عناصر جديدة.

وأدخل القانون آلية السند الإداري التصالحي في المخالفات والجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط، حيث تقترح الإدارة غرامة لا تتجاوز نصف الحد الأقصى، وتسقط المتابعة عند الأداء، وتباشر النيابة العامة الإجراءات عند عدم الأداء داخل أجل شهر، كما تم تعديل مسطرة الأمر القضائي في الجنح بحذف الحد الأقصى السابق للغرامة، مما يتيح تطبيقه في جميع الجنح التي لا يكون فيها متضرر.

ونصت المستجدات المتعلقة بتقديم الأشخاص أمام النيابة العامة على إمكانية المتابعة في حالة سراح في الجنايات، وإخضاع المشتبه فيه للمراقبة القضائية، وضمان حقوق الدفاع أثناء الاستنطاق، كما شددت على الطبيعة الاستثنائية للاعتقال الاحتياطي وضرورة تعليل قرار الاعتقال وفق حالة التلبس أو الشروط المحددة في القانون، مع قابلية القرار للطعن. وألزم القانون بإجراء الفحص الطبي عند الطلب أو عند وجود مؤشرات تبرره، مع عدم الاعتداد بالاعتراف في حال رفض الفحص من طرف النيابة العامة دون مبرر.

وتوسعت حالات تبليغ الوكيل القضائي للمملكة لتشمل الاعتداء على الممتلكات العمومية والاعتداء على الموظفين أثناء أداء مهامهم، كما ألزمت النيابات العامة بتبليغ الوكيل القضائي للجماعات الترابية عند متابعة موظفيها أو عند المساس بممتلكاتها، كما أضاف المشرع قيداً جديداً على المتابعة في الجرائم الماسة بالمال العام، بحيث لا تقام الدعوى العمومية إلا بطلب من الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، باستثناء حالة التلبس وتم التنصيص على أن إجراءات البحث لا تقطع التقادم، وحذف وصف “الشامل” من العفو المنصوص عليه في المادة 4، بما يجعل أثار العفو تشمل جميع أنواعه ما دامت الدعوى العمومية جارية.

التحقيق والأحداث والطعون والتنفيذ

أما بخصوص التحقيق الإعدادي، فقد ألغت المادة 83 إلزاميته في الجنايات، ليصبح إجراء اختيارياً حتى في الجرائم التي كانت تتطلب تحقيقاً وجوبياً، بينما يصبح ممكناً في الجنح فقط بوجود نص خاص أو في الجرائم المشار إليها في المادة 108.

وشملت المستجدات الموجهة لقضاة النيابة العامة وضباط الشرطة القضائية تعديلات جوهرية في مسطرة الأحداث، أبرزها منع الاحتفاظ بالأحداث في مخافر الشرطة لمدة تتجاوز الفترة الأصلية للحراسة النظرية دون إمكانية تمديدها، باستثناء الجرائم الواردة في المادة 108، كما تم إخضاع إجراء الاحتفاظ بموافقة النيابة العامة في جميع الحالات، مع التنصيص على عدم متابعة الأطفال أقل من 12 سنة وإحالتهم على أوليائهم لعدم توفر المسؤولية الجنائية.

ورفع القانون السن الأدنى للإيداع في السجن، بحيث أصبح غير ممكن وضع الحدث في المؤسسة السجنية إذا كان دون 14 سنة في الجنايات ودون 16 سنة في الجنح، إلى جانب رفع سن اعتبار الطفل في وضعية صعبة من 16 إلى 18 سنة، وألزم المشرع وكلاء الملك ونوابهم بزيارة شهرية للأحداث المودعين بالسجون ومراكز الملاحظة، وتوجيه تقارير منتظمة لرئاسة النيابة العامة.

وفي باب الطعون، عدّل القانون الشروط المتعلقة بالطعن في قرارات السراح المؤقت، حيث لم يعد استئناف النيابة العامة يؤدي تلقائياً إلى استمرار الاعتقال إلا في حال تعلق الأمر بجرائم الإرهاب أو أمن الدولة، كما وسّع آثار الطعن المقدم من الطرف المدني الذي أقام الدعوى العمومية، ليشمل نظر الغرف الاستئنافية أو محكمة النقض في الدعويين المدنية والعمومية معاً.

وعلى مستوى التنفيذ الزجري، منح النص الجديد النيابة العامة صلاحية البت في طلبات إدماج العقوبات السالبة للحرية عند تعدد الجرائم، محدداً أولويات التنفيذ لضمان عدم تجاوز المحكوم عليه مجموع المدد الصادرة في حقه، كما نص على منع الإكراه البدني في الديون التي تقل عن 8000 درهم، مع دعوة النيابات العامة إلى مراجعة استثنائية للملفات التي سيستحيل تنفيذها ابتداء من 8 دجنبر 2025.

وشملت الإصلاحات أيضاً تبسيط مسطرة رد الاعتبار، من خلال تكليف رئيس كتابة الضبط بتنفيذ رد الاعتبار القانوني بعد استشارة النيابة العامة، وإسناد البت في رد الاعتبار القضائي لقاضي تطبيق العقوبات عوض الغرفة الجنحية.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.