
صباح محمد الحسن
طيف أول:
لله هذه المواقيت التي تدرك يقين أرواحنا!!
ولأنها صفقات، فزيارة محمد بن سلمان إلى أمريكا كانت بمثابة إشارة السبابة لإزاحة الأذى عن الطريق، وتنبيهًا لقضية مهمة وسط مجموعة قضايا على طاولة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. فاهتمام البيت الأبيض بالقضية السودانية ليس معدومًا، فأمريكا مدركة أن أهمية الأمن القومي بالبحر الأحمر تتصدر قائمة اهتماماتها، وملف محاربة الإرهاب والعمل على بسط الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. وقد صرّح البيت الأبيض من قبل أن الحرب السودانية تهدد الأمن القومي الأمريكي، بالإضافة إلى أن أمريكا هي أول من وضعت لبنة الحل السياسي للأزمة السودانية عندما طرحت منبر جدة والمنامة وجنيف، حتى زيارة البرهان الأخيرة للقاء بولس، واجتماع وفدي التفاوض بواشنطن.
ولكن حديث ترامب أنه لم يكن مهتمًا بالقضية، لكنه استجاب لطلب بن سلمان، وبعد 30 دقيقة بدأ العمل بالفعل من أجل حل أزمة السودان. فهذا التصريح يأتي فقط تكريمًا لمحمد بن سلمان وتقديمه كقائد عربي مستقبلي ستعتمد عليه أمريكا في كل ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. فأن يخص ترامب بن سلمان بالاستجابة للنظر في قضية السودان هو بلا شك يمنحه مقعده في الإقليم بدعمه . فتحقيق السلام في السودان شرف يسعى له العديد من القادة العرب، وترامب يدرك ذلك.
وثلاثون دقيقة أكدت لمجلس السيادة السوداني أن عقارب الساعة لن تبلغ تمامها طمأنينة إلا أن يكون أول المرحّبين بتصريحات ترامب، فالأمر لعنايته. فالسلطة الانقلابية قبلت الحل المطروح حتى لا يحتاج ترامب لإصدار قرارات أخرى عاجلة قد لا تكون بردًا وسلامًا.
ومخطئ من يظن أن صفقات بن سلمان مع ترامب ستغير في بنود الحل المطروح، فوثيقة الاتفاق لن يطرأ عليها تعديل حتى يظن البعض أنها سترجح مصالح المحاور على بعضها أو ربما توافق خدمة أمنيات سياسية داخلية. لكن اهتمام ترامب سيساهم في سرعة تنفيذ الحل.
وثلاثون دقيقة برهنت لفلول النظام البائد أن الزمن لن يعود إلى الوراء، سيما أنها ظنت واهمة أن زيارة بن سلمان يمكن أن تقطع يد الإمارات عن الرباعية وتجعل الاتفاق ثنائيًا “أمريكيسعودي”. فبين السعودية والإمارات، وبين الإمارات وأمريكا وإسرائيل، مشروع واضح ينص على القضاء على الإرهاب وأمن البحر الأحمر. هذه القضايا الجوهرية تنفيذها من أهم الأولويات. وبن سلمان الذي لاحقته لعنة أسامة بن لادن وأفسدت عليه الإطلالة أمام الكاميرات الأمريكية، هو أكثر المتربصين بوضع نهاية لمستقبل الإرهاب الداعشي. لذلك فإن أول الخاسرين من صفقة الحل للقضية السودانية بين بن سلمان وترامب هم نظام الإخوان المسلمين في السودان.
وثلاثون دقيقة ميلاد عمر جديد لعشم البرهان في الخروج عبر بوابة آمنة كقائد جيش يريد أن يغادر منصبه كقائد، لا كمجرم تلاحقه العدالة. فقضية فض الاعتصام وجرائم الحرب قادرة أن تحجز له مقعدًا بجانب كوشيب وقيادات الدعم السريع المتورطة معه في جرائم الماضي والحاضر. لذلك اطمأن قلبه أن بن سلمان سيلعب دورًا في فتح ممرات آمنة له. إذن الصفقة الأمريكيةالسعودية هي فقط طوق نجاة يخرجه من بحر الضياع إلى اليابسة، ولكن ليس لها مكاسب مستقبلية له.
وثلاثون دقيقة نصف ساعة ضخت الأمل في جسد الشعب المنهك بالوجع في انتظار تمام ساعة السلام. وقد لا تضيف الزيارة سطرًا جديدًا، فوثيقة الرباعية هي التي تأخذ طرفي الصراع إلى الحل. لكن انتباهة ترامب أخطر على المعرقلين للحل، لأن الرجل الذي طلب التحرك في الملف بعد ثلاثين دقيقة لن يسمح أبدًا بوجود عقبة أمام اندفاعه. إذن لا خيار للسلطة العسكرية سوى القبول بورقة الرباعية والانخراط في التفاوض، ولا مجال للمراوغة لأن ردة الفعل لن تكون ناعمة.
ومن قبل تحدثنا أن السعودية هي مهندسة الحل، وأن منبر جدة هو أساس الاتفاق، وأن كل ما تقوم به الدول الأخرى سيكون بمثابة التسويق لهذا الحل (مسودة واحدة). وبهذا تكون السعودية ضمنت مقعدها المريح على طاولة الرباعية كفاعل أول. فالمتحدثة باسم البيت الأبيض خرجت بعد تصريحات ترامب لتطمئن شركاء الرباعية أن الحل القادم الذي أعلن على خشبة الزيارة بين الزعيمين ليس حلًا ثنائيًا، وإنما هو ذاته ما وضعته الرباعية.
واتفق معها مسعد بوليس الذي قال: (كما أعلن الرئيس اليوم، فإن الولايات المتحدة ملتزمة بإنهاء الصراع المروع في السودان لإحلال السلام والاستقرار، ويمكن للشعب السوداني أن يعود إلى حكم مدني)
وحكم مدني يشغل حكومة ترامب الذي لا يعلم بوجود حكومة كامل إدريس، ومحمد بن سلمان الذي رفض استقبال إدريس في السعودية يعلم أن أمريكا لا تعلم شيئًا عن حكومة كامل.
لذلك فإن إنهاء الحرب والعنف وإحلال السلام وعودة الحكم المدني هي وجهة الرحلة القادمة التي لا مقاعد فيها لفلول النظام البائد. ألم نقل إن الحروب تُحسم بالصفقات!!
صفقة الترليونات التي تخدم المصالح مع الحفاظ على عزة وكرامة القادة، وليست صفقة وزير الخارجية السوداني الذي يعرض فيها بلاده وكرامتها للبيع. ومع ذلك تأتي النتائج لتلفظ نظامه المعزول، وتستثناه.
طيف أخير:
ترحيب الحكومة الكيزانية بالسلام بعد زيارة بن سلمان لترامب، هل هو ترحيب بالرباعية!!؟
فلا سلام بلا رباعية، ولا رباعية بلا هدنة، ولا هدنة إلا بالتفاوض، ولا تفاوض إلا مع الدعم السريع. “والا كيف”!!.
نقلاً عن صحيفة الجريدة السودانية
المصدر: صحيفة التغيير
