لا يزال الدكتور مجدى يعقوب يلهم الملايين حول العالم بعطائه الإنسانى غير المحدود ومسيرته العلمية الاستثنائية، التى تجاوزت حدود الطب لتصبح قصة إلهام عن الإصرار والتفانى والإيمان العميق بقدرته على تسخير علمه ومعرفته لإنقاذ حياة الإنسان. لقد جعل الدكتور مجدى يعقوب من الطب وسيلة لخدمة البشر، ومن كل عملية جراحية رسالة أمل تعيد النبض إلى القلوب التى أوشكت أن تتوقف.

لم تكن مفاجأة أن أعرف اختياره أن يكون فلاحًا يزرع البرتقال لو لم يكن جراحًا شهيرًا.. فالرجل عبقرى وبسيط ومتواضع تواضع المصرى من قديم الأزل.. يُقدم للحضارة معجزات لا نزال نكتشفها فيما هو يعيش حياته بهدوء.. صبور كما فلاح «بالشرقية»عاش آلاف السنين.. يرمى الحب، ويعتنى بالأرض فى صبر ومودة شهور وشهور حتى تُخرج له خيرها.

الدكتور مجدى يعقوب ليس مجرد طبيب، وإنما هو عبقرى، مُغامر، مُلهِم، جرَّاح قلب رائد، عالم صاحب ريادة فى الطب الحيوى، صديق رؤساء وملوك ووزراء وفقراء وبائسين.. فمازال بداخله الفلاح المصرى.. الجندى المجهول الذى يكافح ويشق الصخر ويهب حياته للأرض والمرعى من أجل الآخرين، يتسلح بالصبر ليتحمل مشقة العمل القاسية فى حراثة الأرض وريها وزراعتها وتخصيبها وحصاد الزرع ليُنتج لنا الخيرات التى نحتاجها.

 

 

 

حاصل على قلادة النيل، وزميل للجمعية الملكية، وحاصل على وسام الاستحقاق، وهو على رأس ذلك كله صاحب أعمال إنسانية عظيمة.. رجل متواضع عظيم عاش يُراكِم المعرفة.. كما فلاح مصرى أصيل.

الدكتور مجدى يعقوب هو من بعض الأوجه مثل كل المصريين.. فهو محب لأسرته، يطيب له أن يجتمع هو وأصدقاؤه على طعام، وكثيرًا ما يستمع إلى الموسيقى، وبخاصَّة الكلاسيكية، ويزرع الورد فى قطعة أرض لديه .

لكن من أوجه أخرى ليس مثلك أو مثلى فى كثير أو قليل.. فهو لا يلزمه من الراحة إلا النزر اليسير، ويقرأ بسرعة، وحياته مكرَّسة لعمله، وها هو بعد أن بلغ من العمر 90 عامًا لا يزال ظمؤه إلى التعلُّم وهو المحرك الرئيسى لحياته.

الظمأ للعلم والمعرفة وتقديم المساعدة للناس هو ما جعل من الدكتور مجدى يعقوب قوة ناعمة ضاربة لمصر فى أفريقيا؛ فسعى لتعزيز الحضور المصرى بالقارة السمراء وتم افتتاح مركز إقليمى لجراحات القلب فى العاصمة الرواندية «كيجلى». 

والذى يأتى ضمن أنشطة الجراح العالمى فى أفريقيا إذ سبق أن افتتح فى يوليو 2014 وحدة للعناية المركزة لجراحات القلب فى مستشفى بلاك ليون بأديس أبابا، التى تم تجهيزها بتمويل من الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، وزار يعقوب إثيوبيا عام 2017 لإجراء عدد من الجراحات لمصابين إثيوبيين.. وهناك فى أفريقيا كما فى أسوان بثت أنامله الساحرة الأمل فى قلوب لا حصر لها، ومنحتهم فرصة البقاء على قيد الحياة.

 

afd5ff1251.jpg

 

 

الدكتور مجدى يعقوب رغم مسيرته الحافلة والمكانة الرفيعة التى تبوأها على الصعيد العالمى إلا أن الوطن لم يغب للحظة عن دائرة تفكيره.. قرر عودته إلى أرض الوطن فى عام 2009، وأنشأ مركزًا متطورًا للقلب بأسوان.. كما أسس لإنشاء مركز القلب الجديد بمدينة 6 أكتوبر.. تاريخه الحافل.. وعبقريته غير المسبوقة.. وتواضعه الجم.. كلها مقومات مهدت له الطريق ليحظى بمكانة علمية خاصة.

فى سيرته الذاتية التى وافق على نشرها من عامين، وصدرت عن دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة باللغة الإنجليزية تحت عنوان «جراح ومتمرد: حياة مجدى يعقوب وأعماله الرائدة».. وثق الصحفيان البريطانيان «سايمون بيرسون وفيونا جورمان» حياة الدكتور «يعقوب» منذ سنواته الأولى فى مصر، مرورًا بالنجاح الباهر الذى حققه فى جامعة القاهرة، وصولًا إلى مسيرته المتميزة والطويلة فى بريطانيا حتى تنصيبه فارسًا عام 1992، ومنحه أعلى وسام تمنحه ملكة بريطانيا عام 2014، وهو وسام الاستحقاق. 

تحتوى هذه السيرة الذاتية على قصص مفعمة بالحيوية وحكايات من وراء الكواليس تقص التحديات والانتصارات التى واجهتها هذه الأسطورة الحية.

لم تكن النجاحات فى قصة الدكتور سهلة المنال خصوصًا أنه كان غريبًا عن المجتمع البريطانى.. فقد اصطدم أحيانًا بالمؤسسة الطبية فى لندن، وأثارت تقنياته الطبية المبتكرة الجدل فى المجتمعات الطبية، وأحدث يعقوب ثورة فى علاج أمراض القلب الخلقية لدى الأطفال منذ أربعين عامًا من خلال الابتكار والتفانى فى مواجهة التحديات. 

أجرى عام 1982 أول عملية زراعة قلب ورئتين فى المملكة المتحدة فى مستشفى هارفيلد، وما زال يتمتع العديد من مرضاه من الرجال والنساء بصحة جيدة ومزدهرة بعد أكثر من خمسة وثلاثين عامًا منذ أن منحهم أملًا جديدًا فى الحياة.

«الدكتور مجدى يعقوب» هو واحد من أصحاب الجينات الأصلية ممن ينشرون الأمل والتفاؤل فى المجتمع وواحد ممن عانوا كثيرًا من المحبطين وناشرى اليأس.. وسيظل أكثر المصريين شهرة، وأحد رواد عمليات زراعة القلب على المستوى العالمى وأحد أبرز الجراحين فى بريطانيا حيث كان يلقب بملك القلوب.

 اصطدم فى البداية بواحد من المحبطين، ناشرى اليأس، فبعد أن تخرج من كلية الطب قدم رسالته فى الماجستير إلى الدكتور المشرف لمنحه الصلاحية للمناقشة فى موضوع جراحة القلب.

وكان تقرير المشرف «هذا الطالب لا يصلح جراحًا !!.. ترك «مجدى يعقوب» مصر «ومشى مكسور الخاطر».. فيما دفعته جيناته الأصلية لعدم اليأس، وذهب إلى انجلترا حاملًا نفس رسالة الماجستير دون تغيير وحصل بها على الماجستير بامتياز ثم حصل على الدكتوراه !!

هل كان من المفترض أن يحمل مجدى يعقوب فى قلبه الضغينة لأستاذه؟ الحقيقة قلبه لم يعرف إلا الأمل والتفاؤل.. فبعد سنوات مرضت ابنة أستاذه وذهب بها إلى انجلترا لكى يجرى لها الدكتور «مجدى يعقوب» عملية القلب المفتوح ولم يكن يعرف أنه الطالب الذى رفض رسالته.

«جينات الدكتور يعقوب الأصلية» دفعته لإكرام أستاذه، ويسر لابنته كل الإجراءات ودفع من جيبه الخاص مصاريف العملية والإقامة.. وتعامل معه باحترام شديد.. احترام دفع الأستاذ لسؤاله عن السر فهو لا يعرفه من قبل. 

أجاب مجدى يعقوب: حضرتك أستاذى وصاحب فضل كبير، واحتضنه وهم بتقبيل يده، لم يخبره بشىء، لم يجدها فرصة لينتقم، ولكنه رآها فرصة ليُعبر عن أصالته، قاومه المشرف وضمه إلى صدره ولم يتمالك نفسه من البكاء.

«الدكتور مجدى يعقوب» اختار دراسة جراحة القلب بعد مأساة وفاة شقيقة والده «عمته» التى توفيت فى عمر الـ23، حيث قال: إنها أصيبت بحمى روماتيزمية تسببت فى إضعاف صمامات القلب.

وقتها كان «يعقوب» فى السابعة من عمره وحكى له والده الطبيب أنه كان من الممكن إنقاذ «عمته» بإجراء عملية جراحية لإصلاح صمامات القلب، وقال له: إن هذا يدخل ضمن مجال جديد فى الطب حينها يسمى «جراحة القلب».

أهدتنا هذه المأساة عبقرى جراحة القلب الذى يتخصص فى هذا المجال الطبى وينقذ حياة الآلاف من البشر.

«الدكتور مجدى يعقوب» لم يتردد يومًا فى علاج إنسان، لدرجة أنه أجرى عملية جراحية لأحد المدانين فى جرائم إرهابية فى فترة التسعينيات، ضد الأقباط.

الإرهابى أدين بقتل أقباط وسرقة محلاتهم، وعقب صدور حكم بإعدامه اكتشفت وزارة الداخلية إصابته بمرض فى القلب، وتزامن ذلك مع زيارة مجدى يعقوب لمصر وقتها.

طلبت وزارة الداخلية من مجدى يعقوب علاج الإرهابى المدان مع توضيح التهمة المدان فيها وهى قتل أقباط وسرقة ممتلكاتهم مع تأكيدها على تحمل أتعابه وتكاليف العلاج كاملة. 

كان الجميع يتوقع أن يرفض الدكتور مجدى يعقوب أن يُعالج المريض بسبب القضية المدان بها، لكن الجراح العالمى، أصر على علاج الإرهابى، وأكد أنه يتعامل مع إنسان مريض يحتاج إلى علاج، ولا علاقة له بإدانته أو أفعاله «جيناته الأصلية» انتصرت وقدمت واجبه الإنسانى والطبى على كل شىء، ليس هذا فقط بل رفض يعقوب، تلقى أتعاب مقابل علاجه للإرهابى، وأكد تحمله الكامل لمصاريف علاجه على نفقته الشخصية».

«الدكتور مجدى يعقوب» وقتها رد على كل من سأله لماذا وافق قائلا: «أنا رجل علم.. أعالج الناس جميعًا.. لا أحاسبهم على ما فعلوا أو ما سيفعلون ؟.. مهامى فى الحياة أن أعمل على شفاء الناس.. نحن أطباء ولسنا قضاة».

الإرهابى قاتل الأقباط كُتبت له حياة جديدة على يد الدكتور مجدى يعقوب، وفى درجات التقاضى تم تخفيف الحكم على الإرهابى من الإعدام إلى السجن خمسة عشر عامًا.

أجرى يعقوب أكثر من 25 ألف عملية زرع قلب لأنه يعمل دون توقف، وبإلهام من منظمة فرنسية أنشأ «سلسلة الأمل»، وهى مؤسسة خيرية بريطانية فى عام 1995، وتعمل بها فرقة من المتطوعين الجراحين والممرضات والفنيين على علاج الأطفال المصابين بأمراض القلب فى البلدان النامية مجانًا.

وفى عام 2009 يفى يعقوب بوعده ويعود إلى الوطن ويختار أسوان لإنشاء مركز متطور للقلب، وبعدها بسنوات قليلة يجلس لوضع دستور جديد للبلاد بهدف معالجة القضايا الصحية.. والأن حان موعد حلم آخر.. مركز القلب الجديد بمدينة السادس من أكتوبر، والذى صممه نورمان فوستر ليكون أكبر بخمس مرات من أسوان. 

إخلاء مسؤولية إن موقع يعمل بطريقة آلية دون تدخل بشري،ولذلك فإن جميع المقالات والاخبار والتعليقات المنشوره في الموقع مسؤولية أصحابها وإداره الموقع لا تتحمل أي مسؤولية أدبية او قانونية عن محتوى الموقع.
“جميع الحقوق محفوظة لأصحابها”

شاركها.