في الوقت الذي لا تزال وفود الجيش والدعم السريع تنخرط في مفاوضات غير مباشرة في العاصمة الأمريكية واشنطن برزت دعوات من أعضاء بالكونغرس بتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية الأمر الذي يثير التساؤال حول مستقبل مفاوضات ترعاها واشنطن التي تمنع قوانينها التفاوض مع الإرهابيين.

التغيير: نيروبي: أمل محمد الحسن

في 28 اكتوبر الماضي طالب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونغرس، السيناتور جيم ريتش بتصنيف الدعم السريع رسميا منظمة إرهابية أجنبية. وقال في صفحته على منصة اكس “أمريكا ليست أكثر أو أمنا أو ازدهارا مع قيام قوات الدعم السريع بذبح الآلاف.”

بعدها بيومين قام ريتش رفقة أعضاء آخرين من مجلس الشيوخ يمثلون الحزبين الجمهوري والديمقراطي؛ بنشر بيانا على صفحة موقع العلاقات الخارجية بالكونغرس الأمريكي طالب بنظر بلادهم في تصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية أجنبية محتملة أو منظمة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص.

الكونغرس الأمريكي

وشارك في البيان كل من: جيم ريتش (جمهوري) وجين شاهين (ديمقراطية) وتيم سكوت (جمهوري) وكريس كونز (ديمقراطي) وتود يونغ (جمهوري)، وكوري بوكر (ديمقراطي).

وأعرب المشاركون في كتابة البيان عن فزعهم من الحرب الأهلية الدائرة في السودان والإبادة الجماعية في دارفور التي ترتكبها قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها، بحسب ما ورد في البيان.

وعقب اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في كندا، حيث نوقشت الأزمة السودانية، ذكر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أنه سيدعم “مساعي مجلس الشيوخ لتصنيف قوات الدعم السريع كمنظمة إرهابية إذا كان ذلك سيساعد في إنهاء هذه الأزمة”، لكنه قال إنه لم يطلع على المقترح.

وقال روبيو: “يجب اتخاذ إجراء لقطع الأسلحة والدعم الذي تتلقاه قوات الدعم السريع في ظل استمرار تقدمها”.

تقلب السياسات الأمريكية

يثير ظهور الشقيق الأصغر لقائد قوات الدعم السريع “القوني” ضمن وفد المفاوضات في الولايات المتحدة، وهو الذي يواجه عقوبات أمريكية منذ اكتوبر من العام 2024، تساؤلا حول جدية واشنطن وجدوى عصا عقوباتها.

من جهة ثانية؛ النظر للتعاون الأمريكي الكامل مع الرئيس السوري أحمد الشرع والذي وضعت واشنطن سابقا جائزة قيمتها 10 ملايين دولار للإدلاء بمعلومات توصل إليه بوصفه أكثر الإرهابيين المطلوبين في الشرق الأوسط يكشف أن المصالح الأمريكية يمكن أن تناقض القوانين وفق استاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا بنجامين مشار.

استاذ علوم سياسية: بسبب استثمارات أبوظبي في الولايات المتحدة سيكون صعبا على إدارة ترامب تبني موقف مناهض للإمارات

وقال مشار لـ (التغيير) إنه سيكون من الصعب جداً على حكومة الولايات المتحدة تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية وإن فعلت فستتوصل لهذا القرار فقط حال تم تهديد مصالحها من قبل تلك القوات.

وأشار استاذ العلوم السياسية إلى أن فرض عقوبات على قوات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان في السودان هي حجة ليست منطقية لجهة تغليب واشنطن لمصالحها الوطنية فوق أي اعتبار آخر، وأضاف: إدارة ترامب غير مهتمة بالشؤون الإفريقية ناهيك عن الصراع في السودان.

مصالح الإقليم

فرض عقوبات على الدعم السريع وترك القوات المسلحة هو أمر غير مقبول بحسب استاذ العلوم السياسية بنجامين مشار الذي وصف الطرفين بأنهما “من ذات قطعة القماش”.

وقال مشار في حديثه لـ (التغيير) إن الطرفين مدعومان من دول قوية، بينما تدعم الإمارات قوات الدعم السريع يحظى الجيش السوداني  بدعم كل من مصر والسعودية وتركيا.

وأضاف: “لم يعد سراً أن دول الخليج الصغيرة هذه أصبحت أكثر ثراءً مالياً. ولديهم الكثير من الاستثمارات في الولايات المتحدة وهذا من شأنه أن يجعل من الصعب على حكومة الولايات المتحدة تبني موقف مناهض للإمارات”.

وأعرب استاذ العلوم السياسية عن توقعه بأن تعمل كل من الإمارات وقطر على عرقلة أي محاولات أمريكية لحل الصراع السوداني الذي يدعم طموحات الدولتين الخليجيتين الإقليمية.

دور واشنطن كوسيط

عصا العقوبات وجزرة الوعود الأمريكية تقاس بجدوى ما يمكن أن تحققه من تغيير في السلوكيات محل الرفض، وفي هذا السياق تطرح مطالبات الكونغرس الأمريكي بتصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية تساؤلا حول تأثير هذا التصنيف على فاعلية دور واشنطن كوسيط ضمن مبادرة الرباعية للحل.

بكري الجاك: تصنيف منظمة إرهابية سيكون له أثر محدود في تغيير سلوك الدعم السريع

الاختراقات التي أحرزها كبير مستشاري ترامب للشؤون العربية والأفريقية مسعد بولس الذي التقى قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في جنيف أغسطس الماضي واستطاع أن يجمع وفدين من الجيش والدعم السريع في ذات التوقيت، اكتوبر الماضي، بواشنطن يؤكد فاعلية التدخل الأمريكي في حل الصراع السوداني الذي اقترب من إكمال عامه الثالث.

وبالنظر لمنع القوانين الأمريكية من التعامل مع المنظمات الإرهابية؛ فقد يؤثر التصنيف لقوات الدعم السريع على فاعلية الدور الأمريكي المباشر وستضطر إدارة ترامب على التعامل مع الملف السوداني عبر طرف ثالث، وهو أمر مربك مع عدم وجود طرف محايد في دول الرباعية باستثناء واشنطن، بحسب استاذ العلوم السياسية بجامعة جوبا بنجامين مشار.

من جانبه يحذر استاذ السياسة العامة والإدارة بجامعة لونق آيلاند بنيويوك، بكري الجاك من أن يكون لهذا التصنيف ردة فعل سلبية لجهة أن تصنيف الدعم السريع كمنظمة إرهابية سيمنعه من الخضوع لأي ضغوط أخرى.

وقال الجاك في حديثه لـ (التغيير) إن تأثير هذا التصنيف سيكون محدودا في تغيير سلوك الدعم السريع خاصة وأن عدد من الجهات التي تم تصنيفها كمنظمات إرهابية مازالت فاعلة مثل طالبان وحماس والحرس الثوري والحوثيين.

ووصف الجاك الضرر الذي سيقع على الدعم السريع حال تم تصنيفه منظمة إرهابية بأنه سياسي أكثر منه قانوني، لجهة عدم امتلاك الدعم السريع لشركات في الولايات المتحدة بالإضافة لأن قادته جميعا يواجهون بالفعل عقوبات أمريكية وأوروبية إلى جانب بعض شركاتهم.

بكري الجاك

بكري الجاك: تصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية سيكون له ردة فعل سلبية بمنع القوات من الخضوع لأي ضغوط أخرى

وأشار استاذ السياسة العامة إلى أن التصنيف كمنظمة إرهابية يصبح ذا جدوى في حالة محاربة منظومة والقضاء عليها عسكريا  “من الصعوبة تغيير سلوك سياسي لمنظمة فقط بالعصا دون محفزات”.

وحول تأثير التصنيف على سير المفاوضات لإنهاء الصراع السوداني؛ قطع الجاك بان جهود الرباعية لن تتأثر ولكنه سيحرم واشنطن كوسيط من استخدام عدة أدوات للضغط عبر العصا والمحفزات.

تعقيد المشهد

إلا أن رئيس دائرة الإعلام مصباح أحمد، اختلف مع الجاك مبديا تخوفه من تأثير الإجراءات الأحادية على جهود الرباعية ويعمل على تعقيد المشهد.

وقطع أحمد بأن مسار تعامل الإدارة الأمريكية مع ملف الأزمة السودانية لم يرتقِ بعد إلى مستوى المعالجة الشاملة التي تتطلب اتخاذ إجراءات متوازية تجاه جميع أطراف الحرب، بما يدفع بجدية أكبر نحو وقف القتال.

وطالب أحمد بترسيخ مبدأ التحقيق الشامل في الانتهاكات التي ارتُكبت بحق المدنيين، وضمان تقديم المسؤولين عنها للعدالة، مع ممارسة ضغوط متوازنة أكبر علي جميع الأطراف للانخراط الجاد في مسار إنهاء الحرب وتحقيق السلام المستدام.

مصباح أحمد محمد

مصباح أحمد: الإجراءات الأحادية ستؤثر على جهود الرباعية وتعقد المشهد

وقال رئيس دائرة الإعلام بحزب الأمة القومي إن مبعوث الرئيس ترامب منخرط بصورة أكبر في جهود تنفيذ مسار الرباعية بوصفه المسار الرئيسي للدفع بالحل التفاوضي لإنهاء الحرب وتفعيل المسار السياسي، فيما تظل أدوات الضغط، بما في ذلك العقوبات المحتملة وتصنيف الدعم السريع والحركة الإسلامية كمنظومات إرهابية، ضمن الخيارات المطروحة التي سبق أن لوّح بها وزير الخارجية الأمريكي.

وقف الحرب أولوية

قطع أحمد بأن ما يهم السودانيين قبل كل شيء هو وقف الحرب فوراً، وتحقيق العدالة، وجبر الضرر، واستعادة الاستقرار، والعبور نحو تحول مدني ديمقراطي عبر عملية سياسية جادة ومسؤولة، باعتبارها المخرج الوحيد من الأزمة الوطنية الراهنة.

من جانبه يرى استاذ العلوم السياسية بنجامين مشار أن أفضل طريقة لتحقيق السلام في السودان هي أن يقبل الطرفان المتحاربان المفاوضات مع بعضهما البعض دون أي شروط مسبقة على الإطلاق. “هذا هو النهج الأفضل ورقم واحد”. واصفا الحرب السودانية بأنها وصلت إلى طريق مسدود.

مصباح أحمد: على واشنطن ممارسة ضغوط متوازنة علي جميع الأطراف للانخراط الجاد في مسار إنهاء الحرب

وطالب مشار بمنح بلاده أولوية الوساطة في حل الصراع السوداني لجهة معرفة جوبا الجيدة بطرفي الصراع. وأضاف: جوبا لم تنحاز إلى أي جانب في الصراع السوداني المستمر ما يجعلها الدولة الأكثر جدارة بالثقة والحيادية للتفاوض على السلام في السودان.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.