أضحى الكشف عن الفساد ومحاربته حسب المسؤول الأول عن قطاع العدل ببلادنا من باب إرغام الشخص على وضع احمر الشفاه او كما عبّر عنه السيد الوزير: “إلى شفتي الفساد أجي عكّرْ ليا”.
اصبح التحدي بالتعكار، بفضل السيد الوزير ضمن تحديات تدبير الشأن العام وصون المال العام ببلادنا، وذلك للتعبير عن عدم القدرة علي التغلب على الفساد او الكشف عنه بعدما كان التعْكارُ محصورا في مناوشات بين الأفراد بهدف مُنازعة شخص آخر في القدرة على فعل ما ، والتلميح باستحالة ذلك . ويستحق هذا التعبير الذي استعمله السيد الوزير أن يكون بمثابة مقولة يستشهد بها الباحثون في مجال الحكامة للاستدلال على صعوبة محاربة الفساد والتبليغ عنه ، وسيكون للسيد الوزير شرف إدخاله الي قاموس الحكامة ومحاربة الفساد، وبالتالي ستصبح العوامل الأخرى زايد ناقص ، اي لا معنى لها ، كالقول مثلا على ان صعوبة محاربة الفساد تكمن في غياب إرادة سياسة حقيقية ، او لعدم تفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة ، او نظرا لحالات تضارب المصالح التي كادت ان تكون جزءا من تدبير الشأن العام ببلادنا ؛ وبالتالي فهذه الدواعي والأسباب مجتمعة ستُختصر مستقبلا في مقولة استدلالية واحدة ” إلى شفتي الفساد أجي عكّرْ ليا”.
سيُسجل التاريخ على أن السيد وزير العدل له مكْرمة اختصار استحالة الكشف عن الفساد في مقولة واحدة أزاحت الغشاوة عن عقولنا التي كادت أن تتحجّر بآمال في أن تصبح عملية محاربة الفساد ببلادنا مسؤولية مجتمعية يجب أن ينخرط فيها الجميع.
الاستدلال المقتضب للسيد الوزير ، بدون مبالغة ، يستحق أن يكون في مستوى الكوجيتو الديكارتي، غير ان الاختلاف بين كوجيتو ديكارت وكوجيتو السيد الوزير وهو ان عملية الشك لدى الفيلسوف ديكارت هي التي تؤدي للحقيقة ، اما كوجيتو الوزير فأساسه اليقين والحقيقة المطلقة مع استحالة تكذيبه وهو التحدي الذي يكْمُن في فعل التّعكار.
تستحق مقولة السيد الوزير لقب “كوجيتو التّعْكار” لكونها قلّصت المسافات ووفّرت على الباحثين و على عموم الجمعيات المهتمة بالحكامة عناء التعب وجهد القيام بدراسات لاستكشاف كنه وأسباب تفشي الفساد ببلادنا و تدنّي مراتبه في مؤشرات الحكامة ، وكل ما كُتب وقيل عن تضارب المصالح والإثراء غير المشروع والحق في الحصول على المعلومات وغرها من إشكاليات الحكامة ببلادنا.
كوجيتو التعكار بسيط ومقتضب لكنه عميق من حيث المغزى وتماسك دلالاته العميقة، وسيساهم ، ولاشك ، في رفع كل المستدلين به إلى مقام العارفين والخائضين في بحور وإشكاليات محاربة الفساد ببلادنا ، وستصبح الميزانيات الضخمة المرصودة لهيئات الحكامة طبقا لكوجيتو الوزير عبأ على ميزانية الدولة مادامت عملية محاربة الفساد او الكشف عنه من باب المستحيلات طبقا للعملية الاستدلالية التي قام ها السيد الوزير ” إلى شفتي الفساد أجي عكّر ليا” ، كعملية استنباطية على أن الفساد المتفشي في دواليب الدولة والسياسة بشكل سكّوتي لا يمكن كشفه او حتي التبليغ عنه.
مقولة السيد الوزير ستصبح، بكل تأكيد، من الأقوال المأثورة التي تحمل حكمة عميقة، وقد تغدو موضوع دراسة في مجال المنطق، باعتبار أن المنطق يهتم ايضا بدراسة المقولات كأدوات أساسية في الاستدلال والحُجّة والفكر، وقد تصبح هذه المقولة جزءا من فلسفة العلوم باعتبار ان مقولة ” إلى شفتي الفساد أجي عكّر ليا” هي نوع من الاستدلال والاستنتاج التي تُستخدم في كافة فروع العلوم تقريبا.
المصدر: العمق المغربي
