لم تكن القضية الفلسطينية يومًا بحاجة إلى عبارات طنانة أو تأكيدات إنشائية حول “المبادئ الثابتة”، ولم تكن تحتاج لمن يردد شعاراتها كما لو كانت ملكية محفوظة باسم دولة أو نظام.
كانت، وما تزال، بحاجة إلى من يتخذ مواقف لا تختبئ وراء المصطلحات، ولا تساوم على الثوابت تحت غطاء “التكتيك الدبلوماسي”.
وفي هذا السياق، يحق للفلسطينيين أن يتساءلوا: ماذا يعني أن تصوت الجزائر لصالح قرار في مجلس الأمن رفضته فصائل المقاومة، وحذرت من كونه خطوة تمهيدية لوصاية دولية تقوض وحدة غزة وتجهض مشروع المقاومة؟
وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف قال إن بلاده صوّتت “بحكمة ومسؤولية”، وإن القرار رغم نواقصه يمهّد لوقف العدوان. لكنه أغفل أن أي قرار لا يُقاس بنواياه أو “مضامينه الانتقائية”، بل بسياقه الكامل. فمنذ متى كانت قرارات تحظى بإشادة إسرائيلية، وتمرّ عبر لغة مزدوجة ومفتوحة على التأويل، جزءًا من حلّ حقيقي لقضية استعمارية اسمها الاحتلال الإسرائيلي؟
إن تبرير التصويت الجزائري بأنه “استجابة للشرعية الدولية” لا يغيّر من حقيقة أن هذه الشرعية ذاتها، بالصمت حينا والتواطؤ حينا آخر، تركت غزة تُذبح لأشهر متتالية دون قرار واحد قادر على وقف المجازر أو حتى مساءلة الجناة.
الشرعية الدولية التي يتغنى بها الوزير عطاف هي التي احتاجت عدة أشهر كي تُقرّ بضرورة وقف التقتيل. ومقابل هذا التلكؤ، كان يُفترض أن تكون الجزائر “قَدَّ الفم قَدَّ الذراع” وفي صفّ من يرفضون الخطة، لا في صفّ من يمنحون الغطاء لها.
وأسوأ من التصويت نفسه، أن تُقدَّم القضية الفلسطينية على منبر الوزير وكأنها ملف إنساني فقط: وقف إطلاق النار، تسهيل الإغاثة، إعادة الإعمار… أما جذر الصراع، أي الاحتلال والاستعمار الاستيطاني وحق المقاومة، فمرّ عليها مرور الكرام، بعبارات دبلوماسية مشفوعة بتحفظات شكلية تُغسل في ختام الخطاب بإحالة سريعة إلى “ثوابت الجزائر”.
أية ثوابت؟ تلك التي تتناقض مع مواقف فصائل المقاومة التي طلبت من الدول العربية رفض القرار؟ أية ثوابت؟ التي يتم فيها الالتفاف على ما تبقى من نبض عربي لصالح توافقات قررت نيابة عن غزة ماذا تريد، ومن تمثل، وبأي شروط تعيش؟
الجزائر، التي طالما افتخرت بأنها مع فلسطين “ظالمة أو مظلومة”، أظهرت في هذا القرار أنها مع فلسطين… لكن بشرط أن يقبل الفلسطينيون الخطة كما كُتبت في الخارج، لا كما قرر أبناؤها على الأرض.
إن القرار الذي مرّ بدعم جزائري، لا يشبه أي شيء من الرواية التحررية التي لطالما تغنت بها الدبلوماسية الجزائرية. فمن خان فلسطين؟…الجواب في الضمير، وفي السجلات.
أما في الذاكرة، فسيُسجّل هذا الموقف: الجزائر الرسمية، في 2025، اختارت أن تكون شاهد زور على لحظة تدويل لمستقبل غزة، وقالت نعم لقرار أشاد به الاحتلال الإسرائيلي ورفضته المقاومة.
المصدر: هسبريس
