أمد/ في عالم تتسابق فيه الدول لإظهار إنسانيتها أمام المظلومين واللاجئين، تقف جنوب أفريقيا مثالاً مشرفاً حين استقبلت عشرات الفلسطينيين الذين وصلوا إلى أراضيها قبل أيام قليلة، بلا أوراق شخصية، بلا جوازات سفر، بلا أي إثبات رسمي، معتبرة أن هؤلاء أبناء شعب مزقته الحروب والاحتلال، وأن إنسانيتهم وحدها تكفي لتمنحهم حق العيش بكرامة. هذا الموقف النبيل يفضح، من حيث لا يقصد، الوجه الآخر القاتم لمؤسسات يفترض أنها تمثل الفلسطينيين في الخارج، وعلى رأسها السفارات الفلسطينية المنتشرة في العالم .

فبينما دول بعيدة عن فلسطين تدرك حجم المأساة وتتعامل بإنسانية، نجد أن السفارة الفلسطينية في برلين — التي يفترض أن تكون بيتاً للجالية الفلسطينية في قلب أوروبا — قد تحولت إلى متاهة بيروقراطية خانقة، تبتدع أشكالاً جديدة من التعقيد والإذلال الإداري، وكأنها تتفنن في تحويل معاناة الفلسطينيين إلى طوابير لا تنتهي من الإجراءات العقيمة والمعاملة الفظة .

المفارقة هنا صادمة: دول أجنبية لا تربطها بالفلسطينيين سوى التضامن الأخلاقي، تفتح أبوابها وتمنحهم الثقة، بينما مؤسسات فلسطينية رسمية، ممولة من أموال الشعب، تغلق أبوابها في وجوههم وتثقل كاهلهم بالفساد والمحسوبيات وسوء المعاملة. هذه ليست مجرد أزمة إدارية، بل هي فضيحة أخلاقية وسياسية تكشف عن عمق الانفصال بين السلطة الفلسطينية ومجتمعها في الشتات .

إن السفارة الفلسطينية في برلين، بدل أن تكون منصة للدفاع عن الرواية الفلسطينية وكسب الدعم الدولي، أصبحت رمزاً للشلل والفساد، حيث يغيب عنها أي نشاط دبلوماسي مؤثر، وتغرق في تفاصيل بيروقراطية لا معنى لها سوى إذلال المواطن الفلسطيني. من يدخل أبوابها لا يشعر أنه في مؤسسة تمثله، بل في جهاز بيروقراطي متغطرس، يضاعف غربته ويعمّق شعوره بالخذلان .

هذه المقدمة ليست مجرد وصف لحالة سفارة واحدة، بل هي صرخة ضد منظومة كاملة من الفساد الإداري والمالي الذي ينخر جسد الدبلوماسية الفلسطينية، ويحوّلها من أداة للدفاع عن قضية عادلة إلى عبء ثقيل على الفلسطينيين في الخارج. إن استمرار هذا الوضع يعني أن الفلسطيني، أينما ذهب، سيظل يواجه ليس فقط ظلم الاحتلال، بل أيضاً ظلم مؤسساته الرسمية التي يفترض أن تكون سنداً له .

 

مرحلة تحرر وطني بلا دولة

الفلسطينيون حتى هذه اللحظة لا يملكون دولة حقيقية، والسلطة الفلسطينية نفسها لا سلطة لها على نفسها، فهي محاصرة سياسياً ومالياً وأمنياً وتعمل تحت سقف الاحتلال أكثر مما تعمل تحت سقف الاستقلال. نحن كفلسطينيين نعيش في مرحلة تحرر وطني، نخوض معركة وجودية من أجل الحرية والاستقلال، ونحمل على أكتافنا عبء الدفاع عن قضية عادلة أمام عالم يتقلب بين التعاطف والتجاهل. وفي هذه المرحلة الحساسة، يفترض أن تكون السفارات الفلسطينية حول العالم منارات دعم وإسناد، وأن يتحلى العاملون فيها بقدر من الخجل أمام عظمة شعبهم الذي يواجه الاحتلال بصدور عارية، وأن يظهروا له التقدير والاحترام الذي يستحقه. لكن الواقع مختلف تماماً، بل صادم ومخزٍ .

فبدل أن تكون السفارات بيتاً للجالية الفلسطينية، تحولت إلى مراكز بيروقراطية متغطرسة، حيث يواجه الفلسطينيون سوء معاملة وتعقيداً متعمداً في الإجراءات، وكأن السفارة خصم لا سند. المواطن الفلسطيني الذي يقصد سفارته يخرج منها مثقلاً بالإهانة، بعد أن يواجه موظفين يتعاملون معه باستعلاء ويطلبون أوراقاً إضافية لا معنى لها سوى إطالة الطوابير وإذلال الناس. وفي برلين، حيث يفترض أن تكون السفارة في قلب أوروبا مركزاً لنشر الرواية الفلسطينية، نجدها غارقة في الجمود الإداري والفساد الداخلي، عاجزة عن أداء دورها الحقيقي، بل متفوقة فقط في تعقيد حياة الجالية .

ولا يمكن الحديث عن أزمة السفارات دون التطرق إلى الفساد المالي والإداري الذي ينخرها، فالميزانيات تُهدر في نفقات غير شفافة بينما يعاني الفلسطينيون في الشتات من صعوبات في الحصول على أبسط الخدمات القنصلية، والتعيينات قائمة على الولاء السياسي والعائلي لا على الكفاءة وة، مما جعل السفارات تتحول إلى جزر معزولة عن شعبها، فيما غياب الرقابة والمحاسبة جعلها بيئة مثالية للفساد والمحسوبيات حيث لا أحد يحاسب ولا أحد يُسأل .

السفارات الفلسطينية اليوم لا تمثل الشعب، بل تمثل مصالح ضيقة مرتبطة بالسلطة، وقد غابت عنها أي مبادرات دبلوماسية مؤثرة وانشغلت في إدارة ملفات داخلية عقيمة، والنتيجة أن الفلسطيني في الخارج يشعر أن سفارته ليست بيتاً له بل عبئاً إضافياً على غربته. إن استمرار هذا الوضع يعني أن الدبلوماسية الفلسطينية ستظل رهينة الفساد والمحسوبيات، عاجزة عن خدمة شعبها أو الدفاع عن قضيته. المطلوب اليوم ليس إصلاحاً شكلياً، بل ثورة حقيقية في بنية العمل الدبلوماسي الفلسطيني، ثورة تعيد تعريف دور السفارات كبيوت للجالية لا كأجهزة بيروقراطية متغطرسة، وتفرض شفافية مالية صارمة ومحاسبة حقيقية للموظفين والسفراء، وتضع الكفاءة معياراً وحيداً للتعيينات .

بدون ذلك ستظل السفارات الفلسطينية شاهداً على دبلوماسية الفشل والفساد، وستظل الجالية الفلسطينية في الخارج تواجه إذلالاً مضاعفاً: إذلال الاحتلال في الداخل، وإذلال مؤسساتها الرسمية في الخارج .

 

عبء السفارات الفلسطينية: 112 بعثة بلا دولة

يبلغ عدد السفارات والممثليات الفلسطينية حول العالم 112 بعثة دبلوماسية، وهو رقم ضخم إذا ما قورن بحقيقة أن الشعب الفلسطيني لا يملك دولة ذات سيادة، ولا يملك مؤسسات مستقلة قادرة على إدارة شؤونها بعيداً عن الاحتلال. هذا الرقم الذي قد يبدو للبعض مؤشراً على حضور سياسي واسع، هو في الحقيقة عبء ثقيل على شعب محاصر وممزق، إذ تتحول هذه البعثات إلى مصدر استنزاف مالي وإداري بدل أن تكون أدوات دعم وإسناد لقضية التحرر الوطني .

إن وجود أكثر من مئة سفارة وممثلية يعني ميزانيات هائلة تُصرف على رواتب وامتيازات ونفقات تشغيلية، في وقت يعاني فيه الفلسطينيون في الداخل من الفقر والبطالة والحصار، ويعاني اللاجئون في الشتات من التهميش والحرمان. هذه الأموال التي تُهدر على مؤسسات بلا جدوى كان يمكن أن تُستثمر في دعم صمود الشعب، أو في مشاريع تعليمية وصحية، أو في تعزيز أدوات المقاومة السياسية والقانونية أمام المحافل الدولية. لكن الواقع أن السفارات الفلسطينية تحولت إلى مراكز مغلقة على نفسها، غارقة في المحسوبيات والفساد، عاجزة عن تقديم أي خدمة حقيقية للجالية أو أي إنجاز ملموس للقضية الفلسطينية .

الغالبية العظمى من هذه السفارات لم تقدم شيئاً يُذكر للقضية، ولم تُسجل أي اختراق سياسي أو دبلوماسي يُحسب لها. فهي موجودة شكلياً، ترفع العلم الفلسطيني على مبانٍ في عواصم العالم، لكنها في الجوهر بلا تأثير، بلا نشاط، بلا رؤية. المواطن الفلسطيني في الخارج لا يجد فيها بيتاً أو سنداً، بل يجد أبواباً مغلقة وإجراءات معقدة ومعاملة فظة، وكأن السفارة خصم لا ممثل .

إن وجود هذا العدد الكبير من البعثات في ظل غياب الدولة يعكس خللاً بنيوياً في التفكير السياسي الفلسطيني، حيث تُدار الدبلوماسية بمنطق الاستعراض لا بمنطق الفاعلية. فبدل أن تكون هناك بعثات قليلة وفاعلة، مدعومة بكفاءات حقيقية، نجد أنفسنا أمام شبكة مترهلة من السفارات التي لا تقدم شيئاً سوى استنزاف ميزانية الشعب .

الحقيقة المؤلمة أن هذه السفارات أصبحت رمزاً للانفصال بين السلطة الفلسطينية وشعبها، فهي لا تمثل الفلسطينيين في الخارج، ولا تدافع عنهم، ولا تساهم في معركتهم التحررية، بل تحولت إلى عبء إضافي على كاهلهم. إن استمرار هذا الوضع يعني أن الدبلوماسية الفلسطينية ستظل رهينة الفساد والمحسوبيات، وستظل عاجزة عن خدمة شعبها أو الدفاع عن قضيته .

إن مقارنة عدد السفارات الفلسطينية مع فعالية سفارات دول صغيرة أو حديثة الاستقلال مثل ليختنشتاين، وموناكو، وسان مارينو، وجنوب السودان، تكشف عن خلل بنيوي في التفكير السياسي الفلسطيني : التركيز على الكمّ لا الكيف، وعلى الاستعراض لا الفاعلية. المطلوب ليس المزيد من السفارات، بل إعادة هيكلة جذرية لهذه الشبكة، بحيث تتحول من عبء ثقيل إلى أدوات حقيقية تخدم الشعب وتدافع عن قضيته .

بينما الفلسطينيون يرفعون العلم في أكثر من مئة مبنى حول العالم، فإن هذه السفارات في معظمها رمزية شكلية، بلا نشاط دبلوماسي مؤثر، ولا خدمات حقيقية للجالية، بل تتحول إلى مراكز بيروقراطية مثقلة بالفساد والمحسوبيات. المفارقة أن دولاً صغيرة جداً، لا يتجاوز عدد سكانها مئات الآلاف، تحقق عبر سفارات قليلة نتائج ملموسة، بينما الفلسطينيون، وهم شعب بالملايين، يواجهون شبكة مترهلة من السفارات التي لا تقدم سوى الاستنزاف المالي والإداري .

 

الفساد الدبلوماسي الفلسطيني: بين المحسوبية والشللية، وغياب الرقابة وتآكل الثقة الشعبية

منذ سنوات طويلة، أخذت السفارات الفلسطينية المنتشرة في أنحاء العالم تتبدل تدريجياً من كونها واجهات مشرفة لقضية شعب يناضل من أجل الحرية والاستقلال إلى رموز للفشل والفساد الإداري والمالي. هذه البعثات، التي كان يُفترض أن تكون منصات للدفاع عن الرواية الفلسطينية وكسب الدعم الدولي، تحولت في كثير من الأحيان إلى مراكز مغلقة على نفسها، غارقة في المحسوبيات، وساحات لتعيينات قائمة على الولاء الشخصي لا على الكفاءة. الميزانيات المخصصة لهذه السفارات تُهدر في نفقات غير شفافة، بينما يعاني الفلسطينيون في الشتات من صعوبات بالغة في الحصول على أبسط الخدمات القنصلية. التعيينات تتم وفق العلاقات الشخصية، حيث يُختار السفراء والموظفون بناءً على الولاء السياسي والعائلي، لا على أساس ة أو الكفاءة، وغياب الرقابة والمحاسبة حول هذه السفارات إلى جزر معزولة لا تخضع لأي مساءلة حقيقية من وزارة الخارجية الفلسطينية .

المواطن الفلسطيني الذي يقصد سفارته في الخارج، وخاصة في أوروبا، يواجه إجراءات بيروقراطية معقدة ومهينة، وكأن السفارة خصم لا سند. في السفارة الفلسطينية ببرلين، تتكرر الشكاوى من سوء معاملة الموظفين للمراجعين، التأخير المتعمد في إنجاز المعاملات، وطلب أوراق إضافية غير ضرورية، مما يخلق شعوراً بالإذلال بدل الاحترام. كثير من الفلسطينيين في الشتات باتوا يرون أن هذه السفارات لا تمثلهم، بل تمثل مصالح ضيقة مرتبطة بالسلطة الفلسطينية، وهو ما يعمّق فجوة الثقة بين الشعب ومؤسساته الرسمية .

بدلاً من أن تكون السفارات أدوات لتقوية الموقف الفلسطيني دولياً، أصبحت رمزاً للشلل والفساد، حيث يغيب عنها أي نشاط دبلوماسي مؤثر أو مبادرات جدية لدعم القضية الفلسطينية. في برلين، حيث يفترض أن تكون السفارة في قلب أوروبا مركزاً لنشر الرواية الفلسطينية، نجدها غارقة في الجمود الإداري والفضائح الداخلية، ما جعلها عاجزة عن أداء دورها الحقيقي .

السفارات الفلسطينية، وخاصة في برلين، لم تعد مجرد مؤسسات فاشلة، بل تحولت إلى عبء على الفلسطينيين في الخارج، ومصدر إحباط وإهانة لهم. إن استمرار هذا الوضع يعني أن الدبلوماسية الفلسطينية ستظل رهينة الفساد والمحسوبيات، عاجزة عن خدمة شعبها أو الدفاع عن قضيته. المطلوب اليوم ليس إصلاحاً شكلياً، بل ثورة حقيقية في بنية العمل الدبلوماسي الفلسطيني، تقوم على شفافية مالية، محاسبة صارمة، وتعيينات قائمة على الكفاءة لا الولاء. بدون ذلك، ستظل السفارات الفلسطينية شاهداً على دبلوماسية الفشل والفساد .

نماذج فلسطينية مشرّفة للعمل الدبلوماسي

رغم الانتشار الواسع للسفارات الفلسطينية حول العالم، إلا أن الواقع يكشف أن الغالبية منها تفتقر إلى الفاعلية الحقيقية في خدمة القضية الفلسطينية. كثير من هذه البعثات تحولت إلى مواقع رمزية أو إدارية، تفتقر إلى الحضور السياسي والإعلامي المؤثر، وتغيب عنها المبادرات الدبلوماسية التي تعكس نبض الشعب الفلسطيني وتدافع عن حقوقه في المحافل الدولية. في المقابل، هناك عدد محدود من السفارات التي أثبتت جدارتها، مثل بعثة فلسطين لدى الأمم المتحدة، وسفاراتها في جنوب أفريقيا، إيرلندا، وإسبانيا، حيث لعبت هذه البعثات دورًا ملموسًا في تعزيز الاعتراف الدولي بفلسطين، فضح جرائم الاحتلال، وتفعيل التضامن الشعبي والرسمي مع القضية. هذه النماذج تؤكد أن الدبلوماسية الفلسطينية يمكن أن تكون أداة قوية إذا ما اقترنت بالكفاءة، الإرادة، والارتباط الحقيقي بقضايا الشعب . وأبرز هذه السفارات هي:

سفارة فلسطين لدى الأمم المتحدة نيويورك. السفير : رياض منصور. سفارة فلسطين لدى الفاتيكان. السفير : غير معروف لي. سفارة فلسطين في جنوب أفريقيا. السفير : هشام الدجاني. سفارة فلسطين في إيرلندا. السفير : جيلان وهبة عبد الرحمن. سفارة فلسطين في إسبانيا. السفير : كفاح عودة. سفارة فلسطين في النرويج. السفير : مروان طوباسي. سفارة فلسطين في المملكة المتحدة. السفير: الدكتور حسام زملط.

وفي العالم العربي هناك عدة سفارات فلسطينية نشطة وهي:

سفارة فلسطين في المغرب. السفير: جمال عبد اللطيف الشوبكي . سفارة فلسطين في الأردن. لسفير : عطا الله خيري. سفارة فلسطين في مصر. السفير : دياب اللوح. سفارة فلسطين في لبنان. السفير : محمد الأسعد

 

ثورة في الدبلوماسية الفلسطينية: من المحسوبية إلى الكفاءة

إن إصلاح الفساد الإداري في السفارات الفلسطينية لا يمكن أن يكون مجرد شعارات أو قرارات شكلية، بل يجب أن يكون ثورة حقيقية في بنية العمل الدبلوماسي الفلسطيني . نحن أمام مؤسسات مترهلة، غارقة في المحسوبيات والولاءات الشخصية، بعيدة كل البعد عن هموم الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. هذه السفارات، التي يفترض أن تكون واجهة لقضية التحرر الوطني، تحولت إلى عبء ثقيل على الجاليات، وإلى مراكز بيروقراطية مغلقة لا تقدم سوى الإذلال والتعقيد. رؤيتي للإصلاح تبدأ من الاعتراف بأننا شعب في مرحلة تحرر وطني، وأن كل مؤسسة فلسطينية في الخارج يجب أن تُدار بعقلية المقاومة لا بعقلية السلطة، بعقلية الخدمة لا بعقلية الامتيازات .

الإصلاح الحقيقي يعني أولاً تطهير السفارات من الفساد والمحسوبيات، عبر وضع حد للتعيينات القائمة على الولاء السياسي والعائلي، واستبدالها بكفاءات حقيقية من أبناء الشعب الذين أثبتوا قدرتهم على خدمة قضيتهم. ويعني ثانياً فرض الشفافية المالية المطلقة، بحيث تُعلن ميزانيات السفارات علناً، ويُعرف كيف تُصرف الأموال، ومن يستفيد منها، فلا تبقى ميزانيات الشعب رهينة جيوب قلة من الموظفين والسفراء. ويعني ثالثاً إعادة تعريف دور السفارات، بحيث تتحول من مراكز بيروقراطية إلى بيوت للجالية، تقدم الخدمات بكرامة واحترام، وتعمل على تعزيز حضور القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، لا على تعزيز امتيازات موظفيها .

إن الإصلاح الإداري في السفارات الفلسطينية يجب أن يكون جزءاً من مشروع وطني شامل، مشروع يعيد الثقة بين الشعب ومؤسساته، ويجعل الفلسطيني في الخارج يشعر أن سفارته سند له لا عبء عليه. بدون هذه الثورة الإدارية، ستظل السفارات الفلسطينية شاهداً على دبلوماسية الفشل، وستظل الجاليات الفلسطينية في الشتات تواجه إذلالاً مضاعفاً: إذلال الاحتلال في الداخل، وإذلال مؤسساتها الرسمية في الخارج .

أولًا: إعادة تعريف الهدف الدبلوماسي

ـ صياغة وثيقة مرجعية جديدة تحدد دور كل سفارة: الدفاع عن القضية، خدمة الجالية، بناء تحالفات دولية .

ـ ربط الأداء الدبلوماسي بمؤشرات واضحة : عدد الفعاليات، حجم التغطية الإعلامية، عدد اللقاءات الرسمية، مستوى رضا الجالية .

ثانيًا: تطهير إداري ومحاسبة

ـ تشكيل لجنة رقابة مستقلة من شخصيات قانونية وأكاديمية لمراجعة أداء السفارات .

ـ إجراء تدقيق مالي علني لكل سفارة، ونشر النتائج للرأي العام الفلسطيني .

ـ إقالة السفراء والموظفين غير المؤهلين واستبدالهم عبر لجنة اختيار شفافة تعتمد على الكفاءة لا الولاء .

ثالثًا: بناء كادر دبلوماسي جديد

ـ إطلاق برنامج تأهيل دبلوماسي فلسطيني بالتعاون مع جامعات دولية، يركز على القانون الدولي، الإعلام السياسي، واللغات .

ـ فتح باب الترشح العام للسفراء من بين الكفاءات الفلسطينية في الداخل والشتات .

ـ إدماج الشباب الفلسطيني في العمل الدبلوماسي عبر برامج تدريبية في السفارات .

رابعًا: تفعيل السفارات إعلاميًا وسياسيًا

ـ إنشاء وحدة إعلامية مركزية تنسق بين السفارات وتزوّدها بمحتوى سياسي وثقافي موحد .

ـ إلزام كل سفارة بإصدار تقرير شهري عن نشاطاتها، يُنشر على موقع رسمي موحد .

ـ تنظيم فعاليات دورية في كل سفارة: ندوات، معارض، لقاءات مع الجاليات، أيام وطنية .

خامسًا: خدمة الجالية الفلسطينية

ـ تبسيط الإجراءات القنصلية وتوفيرها إلكترونيًا .

ـ إطلاق خط ساخن موحد لخدمة الفلسطينيين في الخارج .

ـ تخصيص موظف في كل سفارة لمتابعة قضايا اللاجئين والطلبة والعمال الفلسطينيين .

سادسًا: آلية متابعة وتقييم

ـ نشر مؤشرات أداء شهرية لكل سفارة على منصة إلكترونية عامة .

ـ فتح باب الشكاوى والتقييم من الجالية، وتخصيص لجنة للرد عليها .

ـ ربط استمرار السفير بمنصبه بنتائج تقييم موضوعي كل 6 أشهر .

 

دعوة لتطهير البعثات الفلسطينية

هل آن أوان المحاسبة؟ الجواب نعم. لقد آن الأوان أن نقولها بلا مواربة : السفارات الفلسطينية حول العالم تحولت من أدوات دعم لقضية التحرر الوطني إلى عبء ثقيل على شعب لا يملك دولة . هذه المؤسسات التي يفترض أن تكون واجهة مشرفة لقضية عادلة، غرقت في الفساد الإداري والمالي، وانشغلت بالمحسوبيات والامتيازات، ونسيت أن وظيفتها الأولى هي خدمة الفلسطيني أينما كان .

إن وجود أكثر من مئة بعثة دبلوماسية بلا جدوى، في وقت يعاني فيه الشعب من الفقر والحصار والشتات، ليس سوى فضيحة أخلاقية وسياسية. فبينما دول بعيدة عن فلسطين تعامل الفلسطينيين بإنسانية وتفتح لهم أبوابها، نجد أن سفاراتنا تغلق أبوابها في وجوههم وتثقل كاهلهم بالإذلال والإجراءات العقيمة .

إذا لم تُفتح ملفات الفساد، ولم تُفرض الشفافية والمحاسبة، ولم يُستبدل الولاء بالكفاءة، فإن هذه السفارات ستظل شاهداً على دبلوماسية الفشل، وستظل الجاليات الفلسطينية في الخارج تواجه إذلالاً مضاعفاً: إذلال الاحتلال في الداخل، وإذلال مؤسساتها الرسمية في الخارج .

إصلاح السفارات الفلسطينية ليس ترفاً ولا خياراً ثانوياً، بل هو معركة تحرر بحد ذاته. فمن لا يحترم شعبه، لا يستحق أن يمثله، ومن لا يخدم قضيته، لا يحق له أن يتحدث باسمه .

شاركها.