أمد/ بيروت: بعد عام على الحرب التي خاضها مع إسرائيل، تشير معطيات ميدانية وتقارير مفتوحة إلى أن حزب الله بدأ عملية إعادة بناء واسعة لقدراته العسكرية والمالية، بدعم متواصل من إيران، وفي ظل عجز الدولة اللبنانية عن التأثير في موازين القوة الداخلية.
وبحسب مصادر متابعة، تكبّد الحزب خلال الحرب خسائر وُصفت بـ”القاسية”، شملت مقتل أمينه العام السابق حسن نصرالله وعدد من القيادات البارزة، إضافة إلى مقتل ما بين 3,000 و7,000 من مقاتليه، وفقدان جزء مهم من ترسانته من الصواريخ الدقيقة. ومع ذلك، تؤكد التقديرات أن الحزب تمكن من إعادة تنظيم صفوفه ويحتفظ بقوة قتالية وشبكات أمنية تسمح له بالاستمرار لاعبًا رئيسيًا في لبنان.
وتشير التقديرات إلى أن إيران ضخت خلال العام الحالي أكثر من مليار دولار لدعم الحزب، عبر مسارات متعددة تشمل تهريب مكوّنات عسكرية عبر مرفأ طرطوس، ونقل معدات عبر الحدود السوريةاللبنانية، واستخدام شبكات مالية في إفريقيا وأميركا الجنوبية، إلى جانب شركات صرافة وحوالات في بيروت والبقاع. كما استهدفت عقوبات أميركية أخيرة شخصيات متهمة بغسل عشرات ملايين الدولارات لصالح الحزب.
ميدانيًا، يعمل حزب الله وفق مصادر محلية على تعزيز التصنيع العسكري داخل لبنان، خصوصًا في الضاحية الجنوبية والبقاع، بما يشمل إنتاج صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، وتصنيع مسيّرات استطلاعية وهجومية شبيهة بالمسيرات الإيرانية، فضلاً عن إعادة تأهيل صواريخ مضادة للدروع من نوع “كورنيت”. كما أعاد هيكلة وحداته، مع تعزيز وحدة “بدر” شمال الليطاني ودمج مقاتلين من “قوة الرضوان” التي تعرضت لخسائر كبيرة.
وعلى مستوى التكتيكات، يعتمد الحزب حاليًا نمط مواجهة “منخفضة الوتيرة” مع إسرائيل، من خلال إطلاق مسيّرات استطلاعية وانتحارية فوق الجليل، وهجمات سيبرانية محدودة، وإعادة نشر منصات صاروخية قصيرة المدى قرب القرى الحدودية، إضافة إلى تدريب جيل جديد من العناصر في مخيمات صيفية ذات طابع عسكري وأمني. ويرى مراقبون أن الحزب يسعى إلى استعادة قوته تدريجيًا مع إبقاء الضغط قائمًا على الجبهة الشمالية لإسرائيل، دون الانجرار إلى حرب شاملة في المرحلة الراهنة.
في المقابل، تفتقر المؤسسات الأمنية اللبنانية إلى القدرة الفعلية على مراقبة نشاط الحزب العسكري أو الدخول إلى مناطق نفوذه، رغم الخطاب الرسمي الداعي إلى حصر السلاح بيد الدولة. ويعزّز حزب الله حضوره داخل بيئته عبر شبكة خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية تموَّل جزئيًا من الدعم الإيراني.
ويرجّح محللون أن خطر التصعيد على الجبهة الشمالية قد يتزايد في الأشهر المقبلة إذا واصل الحزب تعزيز قدراته في ظل انشغال دولي بملفات أخرى، لكن المؤشرات الحالية تميل إلى استمرار ما يصفه هؤلاء بـ”الكمون الاستراتيجي” وبناء القوة بهدوء مع الحفاظ على معادلة الردع.

شاركها.