تحولت صحارى جنوب شرق المغرب خلال السنوات الأخيرة إلى مركز عالمي مزدهر لاصطياد النيازك، حيث أصبحت الصخور الفضائية القادمة من أعماق المجموعة الشمسية مصدر رزق ومغامرة وجذب اقتصادي لسكان المناطق القاحلة والوافدين من مختلف الدول، وفق ما أورده تقرير مطول نشرته صحيفة Japan Times.

وأورد التقرير ذاته أن شهرة المملكة في هذا المجال تزايدت بعدما سجلت أكبر عدد من سقوط النيازك خلال العشرين سنة الماضية.

وتشير الصحيفة إلى حادث فضائي وقع في شهر شتنبر الماضي حين اخترق شهاب ناري سماء منطقة قريبة من جبال الأطلس، ما دفع العشرات من الصيادين، بين محترفين وسكان محليين، إلى الانطلاق في سباق واسع بحثا عن الشظايا، من بينهم محمد بنيتيت، وهو تاجر خمسيني من قرية إنزالة، الذي قال إن المعلومة في هذه التجارة هي الثروة الحقيقية، وإن معرفة موقع السقوط تساوي فرصة ذهبية.

وتكتسب المملكة أهميتها الاستثنائية في هذا المجال بفضل تضافر ثلاثة عناصر؛ فالمناخ الصحراوي الجاف يحافظ على سلامة النيازك لسنوات طويلة، والتضاريس المكشوفة تجعل العثور على الشظايا أمرا أسهل من المناطق الغابوية أو الرطبة، بينما راكم السكان المحليون خبرة تمتد لعقود طويلة في تتبع المسارات النارية والبحث في العمق الصحراوي. ووفقا لحسناء شنوي عودجحان، أستاذة علم النيازك بجامعة الحسن الثاني، فقد اعتمد نصف ما نشر عالميا من دراسات علمية حول النيازك خلال العقدين الأخيرين على عينات اكتُشفت في المغرب.

ويصف التقرير سوق النيازك العالمية بأنها غير منظمة وصعبة التتبع، إذ تتراوح الأسعار بين قطع صغيرة تباع بمئات الدولارات عبر منصات مثل “إيباي”، وقطع نادرة قد تصل قيمتها إلى ملايين الدولارات في المزادات الدولية مثل “سوذبيز” و”كريستيز”.

وقد شهد المغرب واحدة من أهم الصفقات في هذا المجال سنة 2011 حين اقتنى متحف التاريخ الطبيعي في لندن كتلة من نيزك “تيسينت” المريخي وزنها 1.1 كيلوغرام مقابل 330 ألف جنيه إسترليني، فيما يضم متحف “أتاريخ” بالدار البيضاء شظية صغيرة من النيزك ذاته بقيمة سبعة آلاف دولار.

وتنعكس قيمة النيازك على أصلها ومكوناتها ومدى حداثة سقوطها، إذ تحتوي بعضها على معادن ثمينة كالكوبالت والنيكل، أو مواد كربونية عضوية تسمح بفهم أعمق لأصول المجموعة الشمسية.

وتشير الصحيفة إلى أن عددا مهما من النيازك المكتشفة في المغرب يعود إلى الكويكبات أو القمر أو حتى إلى كوكب المريخ.

وشهد عام 2020 تحوّلا كبيرا في تنظيم القطاع بعدما شرعت الحكومة المغربية في الترخيص للباحثين بتصدير أو بيع 90 في المئة من مكتشفاتهم بعد تسجيلها رسميا لدى مديرية الجيولوجيا، التي تحتفظ بما تبقى لأغراض علمية.

وفتح هذا القرار الباب أمام ما وصفته الأستاذة شنوي بـ”حمى الذهب” الجديدة، إذ تدفقت عشرات الطلبات على الرخص، كما ظهرت رحلات سياحية متخصصة في تتبع الشهب والبحث الميداني عن الشظايا.

ويضع هذا الإطار التشريعي المغرب في موقع متقدم مقارنة بدول المنطقة، إذ تمنع الجزائر وليبيا وتونس ومصر تصدير النيازك بشكل كامل، في حين لا تتوفر موريتانيا على تشريع واضح.

وتبرز أهمية هذا النشاط في كونه أصبح مصدرا اقتصاديا أساسيا في مناطق فقيرة مثل ميدلت وإرفود والرشيدية، حيث يدفع تراجع الأنشطة الفلاحية بفعل التغير المناخي السكان إلى البحث عن بدائل جديدة.

ويقول سعيد جاجوج، وهو سبعيني يدير متجرا للنيازك، إن المنطقة لا توفر فرصا كثيرة، وإن الزراعة محدودة، لذلك أصبحت النيازك مصدر الدخل الأكثر استقرارا للعديد من الأسر.

وتتناقل المنطقة حكايات كثيرة عن صيادين حولوا ثرواتهم المفاجئة إلى مشاريع سياحية أو فلاحية، غير أن كثيرين ما زالوا يلاحقون “ضربة الحظ”.

فمحمد بنيتيت، الذي أمضى خمسة عشر عاما في هذا المجال، لم تتجاوز أغلى قطعة عثر عليها سنة 2018 قيمة 1500 درهم؛ ومع ذلك، يواصل الرجل التنقل بين الأسواق الأسبوعية وقصبات الصحراء أملا في العثور على قطعة نادرة.

ويستعرض بنيتيت قطعة صغيرة يلفها بعناية داخل كيس جلدي، مؤكدا أنها قادمة من القمر ويبلغ وزنها 250 غراما، ويعتقد أن قيمتها قد تصل إلى 1200 دولار.

ويضيف التقرير أن حادث الشهاب الذي شوهد في شتنبر الماضي دفع نحو مئة باحث محترف وهواة إلى تمشيط منطقة واسعة تمتد لخمسين كيلومترا حول جبل العياشي، مستخدمين سيارات رباعية الدفع وأجهزة تحديد المواقع ومغانط قوية، وكلهم على أمل العثور على شظايا طازجة ونادرة في الصحراء الهادئة الممتدة.

ويخلص المقال إلى أن المغرب أصبح واحدا من أهم المراكز العالمية في مجال البحث عن النيازك، ليس فقط بفضل موقعه الجغرافي ومناخه، بل أيضا بفضل دينامية اقتصادية واجتماعية جديدة خلقتها هذه الصخور الفضائية، التي تحولت من مجرد هواية إلى نشاط اقتصادي متكامل يغيّر حياة البعض ويغذي فضول العلماء ويجذب السائحين.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.