شارك وفد عسكري مغربي في فعاليات معرض باماكو الدولي للدفاع والأمن (BAMEX25)، الذي نظّم من 11 إلى 14 من شهر نونبر الجاري، إلى جانب دول أخرى؛ من ضمنها نيجيريا وغانا ودول تحالف الساحل، في حدث يعد الأول من نوعه في غرب إفريقيا، وأتاح للدول المشاركة فرصة الاطلاع على مجموعة واسعة من الابتكارات التكنولوجية وأنظمة الدفاع من الجيل الجديد، بما يشمل المنصات البرية والجوية والبحرية، إضافة إلى الأسلحة والذخائر وأنظمة الاتصالات العسكرية.

وتميز هذا المعرض بمشاركة نحو ثلاثين شركة دفاع من تركيا، باعتبارها ضيف شرف هذه النسخة الأولى. وأكد عبد الله مايغا، رئيس الوزراء المالي، في كلمة له خلال افتتاح المعرض، أن “تركيا تعد من أبرز مصدّري المعدات العسكرية في العالم”، مشيرا إلى أن “أنقرة تقدّم نموذجا جديدا يقوم على التعاون الصناعي والتمويل المشترك، متجاوزة النماذج التقليدية المبنية على المساعدات الخارجية والقروض العسكرية”.

دلالات استراتيجية

قال عبد السلام مايغا، الكاتب الصحافي المالي المتخصص في شؤون الساحل، إن “تنظيم معرض باماكس 25 للصناعات الدفاعية في باماكو يحمل دلالات استراتيجية كبيرة، خصوصا في ظل الوضع الأمني الحساس الذي يعيشه الساحل. فمجرد قدرة مالي على استقبال أول صالون دفاع وأمن بهذا الحجم على مستوى غرب إفريقيا يُعد رسالة واضحة على الصمود والسيادة، ويؤكد أن الدولة لا تزال قادرة على تنظيم حدث دولي رفيع المستوى، وعلى استعادة دورها كمنصة إقليمية للنقاش والابتكار والتعاون في مجالي الدفاع والأمن”.

وأضاف مايغا، في تصريح لهسبريس، أن “هذا المعرض يأتي في وقت تسعى فيه مالي، إلى جانب دول تحالف الساحل، إلى إعادة صياغة شراكاتها العسكرية وتنويع مصادر التجهيز والتسليح وتعزيز استقلالها الاستراتيجي. وبالتالي، فإن احتضان باماكو لفعالية من هذا النوع يبعث برسالة قوية مفادها أن السلطات الانتقالية لم تعزل البلاد، كما يدّعي البعض؛ بل فتحت الباب لشراكات جديدة ولفرص صناعية وتقنية ناشئة”.

وتابع الكاتب الصحافي المالي المتخصص في شؤون الساحل بأن “باماكس 25 يُظهر أن مالي تتحرك نحو إعادة تحديد موقعها في الخارطة الأمنية الإقليمية، ليس كدولة تعتمد على القوات الأجنبية؛ بل كقوة قادرة على تنظيم مبادرات كبرى، واستقطاب شركات دولية، وتوفير فضاء تُناقَش فيه حلول إفريقية لمشكلات إفريقية”.

وأبرز المتحدث ذاته أن “مشاركة أكثر من 25 دولة، إضافة إلى نحو 30 شركة تركية في هذا الحدث، تؤكد أن مالي ليست معزولة ولا ضعيفة، خلافا لما تروّجه بعض وسائل الإعلام الغربية. وتسعى الحكومة بذلك إلى إبراز دبلوماسية أمنية منفتحة، قائمة على الشراكات المتوازنة، ونقل التكنولوجيا، وتطوير قدرات قواتها الدفاعية”.

وحول دلالات المشاركة المغربية في هذا المعرض، أوضح مايغا أن “مشاركة وفد من القوات المسلحة الملكية المغربية في المعرض، إلى جانب حضور إدريس إسباعين، سفير المملكة في باماكو، تحمل دلالات سياسية واستراتيجية كبيرة؛ فالعلاقات بين الرباط وباماكو تمتد عميقا في التاريخ، وتشمل مجالات دينية وعسكرية وأمنية، إضافة إلى تعاون مستمر في التدريب وتبادل الخبرات ومحاربة التطرف”.

وشدد على أن “وجود المغرب في أول صالون دفاعي بهذا الحجم في غرب إفريقيا يؤكد دعمه للمسار الذي تتبعه مالي، ويعكس إدراكه للأهمية الاستراتيجية للساحل في أمنه القومي. كما يعكس استعداد الرباط لتعزيز حضورها في المنطقة عبر شراكات قائمة على الثقة والاحترام المتبادل”.

وفي هذا الصدد، اعتبر أن “توجيه مالي الدعوة الرسمية إلى المغرب يعكس رغبتها في توسيع تعاونها مع الدول التي تُعتبر شريكا موثوقا ومحترما لسيادتها. ويتضح أن التعاون العسكري بين البلدين ليس ظرفيا أو مناسباتيا؛ بل يشكّل جزءا من رؤية استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى بناء القدرات وتنسيق أمني يعود بالنفع على الجانبين”.

رغبة استراتيجية وتموقع مغربي

من جهته، أكد هشام معتضد، الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، أن “مشاركة المغرب في معرض باماكو الدولي للدفاع والأمن تُعد تعبيرا دقيقا عن عودة المملكة إلى الفضاء الإفريقي بمنهجية دفاعية واقتصادية متكاملة. فاختيار الرباط أن تكون ضمن أول دورة لهذا الحدث في مالي، وفي ظرف إقليمي دقيق يتسم بعدم الاستقرار، يعكس رغبة استراتيجية في تثبيت حضورها كشريك موثوق في القارة، لا كمراقب خارجي فقط”.

وأضاف معتضد، في حديث مع هسبريس، أن “دعوة المغرب رسميا من أجل المشاركة، إلى جانب دول وازنة كتركيا ونيجيريا وغانا، تعبّر عن إدراك متزايد في إفريقيا الغربية والدول الساحلية لأهمية الدور المغربي في هندسة منظومات الأمن الإقليمي؛ فالمغرب يُنظر إليه اليوم كفاعل قادر على التوفيق بين الخبرة العسكرية والتنمية البشرية، وبين الأمن الصلب والأمن الناعم”.

وسجل الباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية أن “هذه المشاركة تحمل رسالة مباشرة إلى باماكو، مفادها أنه رغم ما شهدته مالي من تحولات سياسية وانسحاب بعض الشركاء الغربيين، فإن المغرب ما زال يرى في الدولة المالية شريكا استراتيجيا لا يمكن تركه معزولا. وهي بذلك رسالة دعم رمزية لاستقرار مالي، ورسالة سياسية أيضا تؤكد أن المغرب لا يربط تعاونه الأمني بالشروط السياسية أو التوجهات الآنية للحكومات، بل بالمصلحة المشتركة وبالأمن القاري ككل”.

وذكر المتحدث عينه أن “هذه المشاركة تمنح أيضا للمغرب فرصة لترويج مسعاه لتوطين الصناعة العسكرية داخليا، وتقديم نفسه كنموذج لتجربة ناجحة في التحول من دولة مستوردة للسلاح إلى دولة تمتلك قدرة إنتاجية وتكنولوجية متنامية؛ فوجود وفد مغربي في معرض يضم شركات تركية متخصصة في الطائرات المسيرة والأنظمة الدفاعية يتيح له أيضا توسيع شبكته من الشركاء الصناعيين وتبادل الخبرات في التصنيع والتكوين العسكري”.

وخلص معتضد إلى أن “وجود الرباط في هذا الحدث ليس مجرد مشاركة في معرض دفاعي؛ بل إعلان هادئ عن تموقع جديد للمملكة في معادلات الأمن الإفريقي، فهي تجمع بين السياسة والدفاع والصناعة في إطار رؤية واحدة.. وبالتالي، فإن الأمن لم يعد مجرد حماية الحدود؛ بل بناء القدرات، وصياغة التحالفات، وتكريس نموذج مغربي يربط القوة بالاستقرار، والابتكار بالمسؤولية، والسيادة بالتعاون”.

المصدر: هسبريس

شاركها.