تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أنّ أكثر من 70 بالمائة من الفلسطينيين يريدون استقالة محمود عبّاس، وأنّ الثقة بمؤسسات السلطة الفلسطينية، الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي، في أدنى مستوياتها على الإطلاق. وماذا عن حسين الشيخ؟ في استطلاعات الرأي العام، لم يُطرح حتى كمرشح محتمل لمنصب الرئيس، يقول الدكتور خليل الشقاقي، رئيس المركز الفلسطيني للسياسات والمسوحات: “في ذلك الوقت، حصل الشيخ على تأييد 2 بالمائة، واليوم لا يملك حتى هذه النسبة”، ويضيف: “نحن لا نقرر ما نسأله – الجمهور هو من يقرر. إذا لم يظهر اسم معين في السؤال المفتوح، فهذا يعني أنّه غير موجود في الوعي العام”.
يدرك الشيخ أنّه لا يحظى بدعمٍ شعبيٍّ واسعٍ، ولذلك يُؤكِّد في نقاشاتٍ مغلقةٍ أنّه لا يستطيع فرض نفسه، بل يستطيع إدارة دفة الأمور خلال الفترة الانتقالية، وفق ما قاله مصدرٌ رفيعٌ في حركة (فتح) لصحيفة (هآرتس) الصهيونيّة.
وتابع المصدر: “في هذا الفترة، أصبح الشيخ الوجه البراغماتيّ للسلطة الفلسطينية: فقد حافظ على علاقاتٍ وثيقةٍ مع المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة ومع مسؤولين في الولايات المتحدة وأوروبا، ولسنواتٍ، اعتُبر شخصية يمكن التحاور معها”.
واستعرضت الصحيفة سيناريوهات ما بعد عباس: أولاً، استمرارية مُحكمة: يُعيَّن الشيخ رئيسًا مؤقتًا، ويدير السلطة الفلسطينية حتى تتاح “فرصة سياسية” لإجراء انتخابات. ثانيًا، توافق وطني: تشكيل حكومة انتقالية تضم ممثلين عن حماس والجهاد وفتح، في محاولة لمنع المزيد من الانقسام، وثالثًا، مواجهة: حكم الشيخ غير مُشرَّع شعبيًا، والنظام يدخل في حالة من الفوضى، مما قد يزيد من سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، وفي نظر الكثيرين، قوة الشيخ هي في الواقع نقطة ضعفه.
ومضت الصحيفة: “أزمة ثقة لكلّ هذا سياق أوسع؛ فحركة فتح، العمود الفقري للنظام الفلسطيني منذ عهد ياسر عرفات، تمر حاليًا بأزمة ثقةٍ وقيادةٍ. ويتجلى مدى خطورة هذه الأزمة في أحدث استطلاع للرأي أجراه الشقاقي الشهر الماضي، حيث وجد أنّ 13 بالمائة فقط من الفلسطينيين يعتبرون عباس المرشح المفضل لمنصب رئيس السلطة”.
من يكتسب شعبية؟
حصل خالد مشعل، القيادي البارز في حماس والرئيس السابق للمكتب السياسي للحركة، على 36 بالمائة؛ ويتصدّر مروان البرغوثي القائمة بنسبة 49 بالمائة، على الرغم من أنّه مسجون في إسرائيل منذ أكثر من 20 عامًا، وربما لهذا السبب أيضًا، ولا يزال البرغوثي يُعتبر الزعيم الوطني الأكثر شرعيّةً.
هكذا يُفكِّر الصهاينة
إلى ذلك، يعتقد الدكتور ميخائيل ميلشتاين، الباحث البارز في مركز ديان بجامعة تل أبيب، أنّ ” إسرائيل والولايات المتحدة تعتبران الشيخ مرشحهما المفضل: من وجهة نظرهما، هو الأنسب، فهو يتحدث بنفس الموجة، وتربطهما علاقة وثيقة”. ويضيف: “كما أنّه أقل سوءًا من البدائل، وليس متطرفًا، ويمكن التنبؤ بتصرفاته ومستقر. من وجهة نظر مسؤولي الأمن في إسرائيل وواشنطن، سيمكن تعيينه من منع الفوضى وضمان استمرار التنسيق الأمنيّ”، كما قال للصحيفة الصهيونيّة.
ويضيف أنّ “تحديه سينبع من مصدر آخر، من الجيل الشاب، الذين لا يُعجبون به، والذين ليسوا شركاء في عملية غير ديمقراطية. قد ترغب غالبية الجمهور في الاستمرارية والاستقرار، لكن هذا استمرار للفساد والتنسيق مع إسرائيل”.
ويتفق الدكتور عمر تزناني، رئيس وحدة الأمن السياسي في معهد (ميتفيم)، مع الرأي القائل إنّ إسرائيل ليست مشكلة الشيخ، على الأقل في المدى القريب. مشكلته تكمن في الشرعية الشعبية. من وجهة نظر اليمين الإسرائيلي، سيُعرّف أيضًا بأنه “إرهابي مُتنكر”، ومن وجهة نظر الفلسطينيين، مسؤول آخر في محيط عباس.
ويضيف تزناني أنّ “إسرائيل تعتبره خبيرًا في إدارة النزاعات، يسهل التعامل معه. وقبل دراسة علاقة الشيخ بالعالم، من الضروري معرفة ما سيحدث داخل السلطة. في رام الله، تُناقش حاليًا ثلاثة سيناريوهات رئيسية لليوم التالي لعباس، تتراوح بين الهدوء والفوضى. السيناريو الأول، وهو السيناريو الذي يفضله أتباع عباس، هو أنْ يتولى الشيخ منصب الرئيس المؤقت، ويحصل على دعمٍ دوليٍّ، ويدير السلطة حتى تتاح “فرصة سياسية” للانتخابات. الخيار الثاني، الأقل ترجيحًا، ولكنه لا يفتح أبواب الجحيم على رام الله، هو التوافق الوطني: تشكيل حكومة انتقالية تضم أيضًا ممثلين عن حماس والجهاد الإسلامي وفتح.
وتابع: “المشكلة الرئيسية، فتح ليس لديها أيّ اتفاق مع الحركتين الأخريين، ولا حتى بدايات اتفاق، وهناك طريق ثالث، لا يبدو أنّ أحدًا في رام الله يرغب في سلوكه: المواجهة. يرفض الجمهور وشخصيات فتح شرعية حكم الشيخ، مما قد يؤدي إلى إضفاء طابعٍ فوضويٍّ على الضفة الغربية، تُوفِّر هذه الخطوة لإسرائيل ذريعة أخرى للسيطرة على الضفة الغربية وتعميق الاحتلال. وهناك قضية أخرى بعيدة كل البعد عن الهامش: قطاع غزة، ودمجه في السلطة الفلسطينية بقيادة الشيخ. اليوم، وبسبب خطة نقل غزة إلى قوة دولية، أصبحت رام الله خارج اللعبة، لكن المستقبل قد يكون مختلفًا”.
وفي الختام يؤكِّد المُستشرق الصهيونيّ ميلشتاين إنّه إذا استمر الشيخ في السلطة، “فقد تكون هناك إمكانية لدفع العملية السياسية”، ومع ذلك، ثمة خطر هنا أيضًا: “لن يحدث هذا إلّا بتشكيل حكومةٍ أخرى في إسرائيل”، طبقًا لأقواله.
