كشف رئيس حكومة جزر الكناري، فرناندو كلافيخو، أنه بصدد عقد لقاء مع وزير الخارجية الإسباني خوسي مانويل ألباريس، خلال الأيام المقبلة، من أجل الإحاطة بموقف الحكومة المركزية من القرار الأخير الصادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن قضية الصحراء، موضحا أن الهدف من هذا اللقاء هو تفادي أي “مفاجأة” قد تمس بمصالح الأرخبيل المرتبطة بشكل وثيق بالمغرب والمنطقة.

وخلال جلسة برلمانية محلية، شدد المسؤول الكناري على أن “أجندة جزر الكناري تقتضي أن تكون حكومته على علم بكل التطورات المرتبطة بالمغرب والصحراء الغربية”، مبرزا أن “العلاقات الثنائية مع الرباط تمثل بعدا استراتيجيا في السياسة الخارجية الإسبانية”، قبل أن يضيف: “إن جزر الكناري ترغب في فهم توجهات مدريد بشكل أوضح، لاسيما في ظل ما وصفه بـ“التفسيرات الأنانية” المحيطة بمسألة تقرير المصير في الصحراء، والتي تستدعي التوضيح والتوازن في الطرح.

وأشار رئيس الحكومة الجهوية إلى أن سلطات الأرخبيل تتابع باهتمام كبير تطورات الملف على الصعيد الدولي، مع الحفاظ على مبدأ الحياد الإيجابي الذي يضمن استقرار المنطقة. كما لفت إلى أن حكومته ستظل يقظة بشأن عمل بعثة الأمم المتحدة “المينورسو” ومسار المفاوضات، بما ينسجم مع القرارات الأممية ومع المواقف التي سبق أن أقرها البرلمان الكناري.

ويأتي هذا الموقف في وقت لم تُدلِ فيه الحكومة الإسبانية حتى الآن بأي تعليق رسمي حول قرار مجلس الأمن رقم 2797 المتعلق بالصحراء المغربية، في حين تواصل مدريد التأكيد على دعمها لمبادرة الحكم الذاتي التي تقترحها المملكة، باعتبارها الأساس الأكثر جدية وواقعية لإنهاء النزاع المفتعل بشكل نهائي ومستدام.

في هذا الصدد، قال رمضان مسعود العربي، رئيس الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان بمدريد، إن قراءة خطوة رئيس حكومة جزر الكناري بخصوص طلب لقاء مع وزير الخارجية الإسباني يجب ألا تخرج عن سياق التوازنات السياسية الداخلية، موضحا أن “الحكومة الكنارية توجد في تحالف مع الحزب الشعبي، الذي يعيش مرحلة صعود على المستوى الوطني، ويستغل قضية الصحراء ضمن حملته السياسية استعدادا للانتخابات المبكرة المرتقبة”.

وأضاف مسعود، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن رئيس حكومة جزر الكناري وجد نفسه أمام ضغوط هذا التحالف، مما دفعه إلى تبنّي مواقف أقرب إلى الخطاب الذي يتبناه الحزب الشعبي فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، لافتا إلى أن “هذه الخطوة لا تتجاوز بعدها السياسي الظرفي ولا تملك أي تأثير فعلي على مواقف الحكومة المركزية في مدريد تجاه القضية”.

وأكد عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، أن مواقف بعض التيارات السياسية في إسبانيا، مثل حزب “بوديموس”، تكشف تناقضا واضحا في الخطاب، مشيرا إلى أن “مؤسس الحزب ونائب رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق حرّض في تصريح له الأسبوع الماضي على العنف، في وقت تشير فيه تقارير دولية إلى احتمال ارتباط بعض التنظيمات بجبهة “البوليساريو” التي تندرج ضمن تصنيفات المنظمات ذات الطابع الإرهابي وفق منطق الأمم المتحدة”.

وشدد رئيس الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان على أن هذا النوع من التصريحات يعكس توظيفا سياسيا مكشوفا لملف الصحراء بغرض استقطاب أصوات متعاطفة مع الطرح الانفصالي خلال الاستحقاقات الانتخابية، مؤكدا أن “هذه المناورات لم تحقق أي حضور أو تأثير فعلي داخل المجتمع الإسباني، الذي تجاوز هذا النوع من الخطابات الإيديولوجية الضيقة، وانخرط في دعم الحكم الذاتي الذي ترعاه الأمم المتحدة كحل واقعي ونهائي للنزاع”.

من جانبه، سجل محمد فاضل بقادة، رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية لحركة “صحراويون من أجل السلام”، أن لجزر الكاناري روابط جغرافية وتاريخيّة وسياسية بالصحراء المغربية، فهي امتداد استراتيجي بفعل التقارب الجغرافي، فالمتغير والثابت في الصحراء له أثره على محيطه الأطلسي، والأقرب للتأثر هي جزر الكناري، لذلك يهم الحكومة المحلية لتلك الجزر مستقبل الوضع السياسي في منطقة سيعرف وضعها القانوني وفق قرار مجلس الأمن الأخير 2797 تغيرا جذريا تحت حكم ذاتي في إطار السيادة المغربية.

وأكد بقادة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن حكومة الجزر الإسبانية تريد تكييف هذا المعطى الجديد في إطار عام يعكس عمق الروابط المغربية الإسبانية، والتي سترمي بظلالها على خصوصية الربط السياسي والاقتصادي والإداري والقانوني بين الصحراء في إطار حكم ذاتي تحت السيادة المغربية، مع جزر الكاناري ذات السيادة المحلية المشابهة للوضع في الصحراء لربما، بعد إفصاح المغرب عن تفاصيل الحكم الذاتي ذو الخصوصية المغربية مستقبلا وتنزيله، وهو ما يتطلع من خلاله رئيس الحكومة لتوضيح موقف مدريد من قرار مجلس الأمن الأخير حول الصحراء.

وأوضح رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية لحركة “صحراويون من أجل السلام” إلى أن العلاقات المغربية الإسبانية على مستوى سدة الحكم في الرباط ومركزية القرار في مدريد، حيث عبرت الحكومة الإسبانية عبر رئيسها عن دعم مقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، الحكم الذاتي الحقيقي الذي لم يعد مشروعا ومقترحا سياسيا فقط، بل أضحى مرجعية مقننة في إطار مجلس الأمن، وذلك لإنهاء قضية الصحراء، فالمناخ العام للقضية أصبح مرجعية للعلاقات التي تربط المغرب بجيرانه والعالم، ولم يعد يقتصر على قرارات دولة بناء على استحقاقات حزبية أو مصالح جيوسياسية آنية.

ولفت بقادة الانتباه إلى أن هذا القرار الأممي حسم جزءا هاما من المسار السياسي لقضية الصحراء على صعيد مجلس الأمن، وحاز حجية الإلزام والالتزام، ولأن للمملكة الإسبانية روابط تاريخية مع المغرب وملفات جيوسياسية لم يتم حسمها، بالإضافة إلى خضوع القرار السيادي في إسبانيا لصناديق الاقتراع مركزيا ومحليا، فإن الموقف الرسمي لحكومة سانشيز من قرار مجلس الأمن الأخير لم يرَ النور بعد، وهو ما تتطلع حكومة جزر الكناري لمعرفته لتتضح صورة العلاقة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية بين الجزر وطبيعة الحكم المزمع تنزيله في إطار قرار مجلس الأمن 2797.

وشدد المتحدث ذاته على أن لإسبانيا مسؤولية تاريخية تجاه الصحراء، إذ لعقود طويلة كانت تُعتبر هذه المنطقة مقاطعة إسبانية، غير أن هذا المشروع الاستعماري انتهى بمسيرة السلم، المسيرة الخضراء التي رسمت معالم مغرب جديد بخطى متأنية وحكيمة، أفرزت بعد نصف قرن انطلاقة سياسية جديدة تجلت في انتصار دبلوماسي، ترسخ في جزء منه من خلال دسترة الحدود التاريخية سنة 2011، وهو خيار سياسي واستراتيجي اتخذه المغرب بوضوح وثبات ضمن علاقاته الإقليمية والدولية.

وخلص محمد فاضل بقادة إلى أن رغبة رئيس حكومة الكناري في التعرف على الموقف الرسمي من قرار مجلس الأمن حول الصحراء لا يمكن وضعها في سياق محدود يتعلق بمستقبل مصالح الجزر بالمغرب فقط، بل هناك أبعاد استراتيجية أعمق بكثير تتجاوز التصور السياسي العابر، فمكانة المغرب الإقليمية والدولية أصبحت حقيقة راسخة، خاصة بعد المبادرة الملكية الأطلسية لدول الساحل، والمشاريع المينائية والحدودية الكبرى، وترشح المغرب القوي لحيازة مقعد دائم في مجلس الأمن عن إفريقيا، فضلاً عن التقارب المغربي الروسي، وتنامي الدور الأمني والعسكري للمغرب كشريك موثوق للغرب في غرب إفريقيا، ما يجعل تنزيل مشروع الحكم الذاتي خطوة لترسيخ السيادة الاقتصادية وتعزيز المكانة الجيوسياسية للمملكة على الصعيدين الإقليمي والدولي.

المصدر: هسبريس

شاركها.