كتب : أسماء البتاكوشي
04:00 م
13/11/2025
أثارت تحركات مصر في جيبوتي وإريتريا قلق إثيوبيا، خاصة بعدما بدأت القاهرة تحركاتها مع أسمرة وجيبوتي، لمنع أي تسلل إثيوبي إلى البحر الأحمر. وزادت تصريحات وزير الخارجية والهجرة وشؤون المصريين بالخارج الدكتور بدر عبد العاطي القلق الإثيوبي، عندما أكد أن البحر الأحمر للدول المشاطئة فقط، وأن حوكمته شأنًا أصيلًا وحصريا لتلك الدول، وذلك باعتبارها المعنية بالحفاظ على أمنه واستقراره واستدامة موارده.
وخلال الأيام الماضية كشف سياسيون وبرلمانيون إثيوبيون، وجود قلق في بلادهم من تحركات مصرية في جيبوتي وإريتريا، وصفها البعض منهم بأنها تستهدف أي تواجد إثيوبي على ساحل البحر الأحمر، وتزامنت تلك المخاوف مع تحركات مصرية لتأمين وإدارة موانئ في إريتريا وجيبوتي.
وفي أكتوبر الماضي استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، نظيره الإريتري أسياس أفورقي، حيث أكد السيسي أهمية تعزيز التعاون لضمان أمن البحر الأحمر، وعدم التأثير على الملاحة في هذا المجرى الملاحي الحيوي، مشددًا على ضرورة تكثيف التنسيق بين القاهرة وأسمرة، وكذلك مع الدول العربية والأفريقية المشاطئة، بما يسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المهمة.
ولم تتوقف مصر عند إريتريا بل سبقتها بتحركات مماثلة في جيبوتي التي كانت منفذًا بحريًا لإثيوبيا من خلال ميناء دوراليه، فبدأت تنفيذ تفاصيل الاتفاق الذي جرى بين الرئيس السيسي ونظيره في جيبوتي، خلال زيارة السيسي لها في أبريل الماضي.
وخلال تلك الزيارة، تم الاتفاق على تنفيذ مشروعات في جيبوتي يقوم بها الجانب المصري، منها مشروع توسعة محطة طاقة الرياح في منطقة جوبيتي، وإنشاء محطة للطاقة الشمسية في ميناء الحاويات بميناء جيبوتي، وتوسعة ميناء الحاويات في ميناء دوراليه، والأخير هو ميناء حيوي جداً كان يعتبر منفذاً بحرياً لإثيوبيا نحو البحر الأحمر.
وفي هذا الشأن يرى الدكتور رمضان قرني الخبير في الشؤون الأفريقية، أن أي حديث عن وجود تحركات مصرية للحد من نفوذ إثيوبيا مع هذه الدول هو حديث مغلوط وظالم للتحركات الاستراتيجية المصرية، موضحًا أن مصر تتحرك تجاه هذه الدول وفق رؤية استراتيجية، تعزز مصالحها وتدافع عنها وتحافظ على قواعد السيادة المصرية، وفي الوقت نفسه، ليس عيبًا ولا ينتقص من سيادة أي دولة أن تحركاتها تحمي مصالحها في مواجهة أي سلوكيات أو عدائيات من قبل دول أخرى.

وأضاف قرني خلال حديثه لـ”مصراوي”، أن ما يتم تداوله بِشأن تحركات مصر لحصار إثيوبيا اقتصاديًا غير دقيق، لأنه يتنافى تمامًا مع أدبيات السياسة الخارجية المصرية، والمبادئ السياسية التي تقوم على الاحترام والعلاقات مع دول الجوار الإفريقي، مشيرًا إلى أن القاهرة تنظر بدرجة كبيرة إلى أديس أبابا باعتبارها دولة إفريقية شقيقة.
وشدد خبير الشؤون الأفريقية أنه على الرغم من الخلافات مع إثيوبيا حول قضيتي سد النهضة وسعي إثيوبيا للوصول إلى سواحل على شاطئ البحر الأحمر، فإن القاهرة تتعامل بمنطق احترام قواعد العلاقات الدولية، موضحًا أن الحديث عن أي تحرك لحصار أو الحد من نفوذ إثيوبيا هو حديث مغلوط، خاصة أن التحركات تجاه دول القرن الإفريقي وشرق إفريقيا تهدف بالأساس إلى الحفاظ على فكرة السيادة لدى هذه الدول، والحفاظ على أمن الممرات المائية الكبرى، خاصة البحر الأحمر.
وعن محاولات مصر لحماية مصالحها، لفت الدكتور رمضان قرني خبير الشؤون الأفريقية، إلى أن القاهرة تحاول مواجهة أي تحرك إثيوبي للحصول على سواحل على شاطئ البحر الأحمر، من خلال الحفاظ على القانون الدولي والذي بموجبه لا يحق لأي دولة غير متشاطئة أن يكون لها وجود على سواحل البحر الأحمر، معتبرًا أن هذه قاعدة قانونية واضحة بدرجة كبيرة، ومصر تسعى لاحترام هذه القاعدة.

وقال قرني إن التحرك المصري في هذا الملف على أكثر من جبهة: جانب مع الدول المتشاطئة على ساحل البحر الأحمر، والتي تضم السعودية، المملكة الأردنية، السودان، إريتريا، جيبوتي، واليمن، وجانب آخر يتعلق بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي، خاصة أن الاتحاد الإفريقي لديه مبدأ مهم وقاعدة أساسية وهي احترام وقدسية المعاهدات الموروثة من عند الاستعمار، وبالتالي فإن أي تغيير في هذه التركيبة الجيوستراتيجية لدول الاتحاد الإفريقي هو هدم لقواعد الاتحاد الإفريقي.
وأشار إلى أن الجانب الثالث هو مشاركة مصر في بعثات الاتحاد الإفريقي المعنية بحفظ سيادة دول الاتحاد، موضحًا أن ذلك يشمل بعثة “أوسوم” في السودان وفي الصومال، حيث تشارك القاهرة ضمن هذه البعثة بقوات تسهم في تدريب الشرطة والقوات العسكرية الصومالية، فضلًا عن الحفاظ على وحدة وسلامة الصومال، وبناء الكوادر الوطنية، مؤكدًا أن هذا تحرك ثلاثي مهم والغرض منه الحفاظ على سيادة وأمن الصومال.

وحسب هذه الآليات يأتي التحرك المصري في مواجهة كافة التحركات الإثيوبية، وفق ما أفاد به الدكتور رمضان قرني خبير الشؤون الأفريقية، الذي أوضح أن إثيوبيا تتبنى نهجًا استراتيجيًا يحاول الوصول إلى سواحل على شاطئ البحر الأحمر، وأن هذا كان واضحًا من خلال خطاب رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد في افتتاح الدورة البرلمانية الأخيرة.
ووجه أبي أحمد رسالة إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الشركاء لطلب الوساطة مع إريتريا للحصول على منفذ على البحر الأحمر، موضحًا أن أديس أبابا وقعت اتفاقية مع إقليم أرض الصومال الانفصالي العام الماضي، تشمل قاعدة عسكرية وميناء على ساحل البحر الأحمر.
واختتم خبير الشؤون الأفريقية حديثه قائلًا، إن تحركات إثيوبيا للوصول إلى البحر الأحمر هدف استراتيجي بدرجة كبيرة، ولكن في الوقت نفسه، التحركات المصرية تجابه هذه التحركات بقواعد القانون الدولي.
