ما نراه مؤخراً من قرارات وصور للهدم في مناطق عديدة بجهة الدار البيضاء، بدعوى أنها جاءت من أجل تنقية الفضاءات والانسجام مع مخططات تصميم التهيئة، يثير الكثير من الأسئلة حول فلسفة التدبير المجالي التي يبدو أنها انزلقت من منطق الإصلاح إلى منطق الانتقام من الحجر والبشر على حد سواء.

لكن، وبغض النظر عن الأخطاء المسطرية التي شابت عمليات الهدم، فإنه ينبغي على العمال أن لا ينسوا دورهم الحقيقي الذي عينهم لأجله صاحب الجلالة. فهم دعاة بناء وليسوا أدوات هدم، ومدعوون لإيجاد حلول متوازنة تحفظ المصلحة العامة وتحمي المواطنين، لا لترهيبهم أو مصادرة حقهم في السكن والاستقرار.

ما نعيشه اليوم يقوض الأمن المجالي ويهدم الثقة في سلطان التراخيص، ويدفع الناس إلى فقدان الإيمان بمؤسسات الدولة وقدرتها على التمييز بين من يبني في تحدٍ للقانون ومن يبني في غياب رؤية رسمية واضحة.

لقد تحوّل بعض العمال من مهندسي تنمية إلى منفذي أوامر الهدم بلا تقدير لنتائجها الاجتماعية والإنسانية، وكأن غاية السلطة أصبحت الإزالة لا الإصلاح. إن التدبير المجالي ليس جرافةً تسوّي كل شيء بالأرض، بل رؤية تستشرف المستقبل وتوازن بين القانون والرحمة، بين التنظيم وحق الناس في الحياة.

إننا أمام نموذج جديد في الإدارة الترابية يمكن وصفه بحق بـ”النموذج الهولاكي”، حين يتحول من يفترض فيهم أن يكونوا بناة الغد إلى أدوات للهدم والتخويف. والمطلوب اليوم ليس المزيد من القرارات الصادمة، بل وقفة مراجعة تعيد للعامل هيبته الحقيقية كرمز للبناء، لا كظل للهدم.

* الأستاذ محمد كفيل محام بهيئة البيضاء

المصدر: العمق المغربي

شاركها.