في الوقت الذي يدعو فيه مجلس الأمن والدفاع في السودان إلى استنفار الشعب والانضمام إلى المعسكرات لمقاتلة قوات الدعم السريع واستعادة السيطرة على المناطق الخاضعة لسيطرتها، يأتي قرار والي ولاية نهر النيل مخالفًا لهذا التوجه، حيث أصدر قرارًا بحل لجنة المقاومة الشعبية بالولاية وجميع محلياتها، وإعفاء رؤسائها ومستشاريها من مناصبهم.

بورتسودان: التغيير

بحسب القرار الخطوة تأتي في إطار إعادة تنظيم العمل الإداري والأمني داخل الولاية، وضمان أن تتم ممارسة الأنشطة المجتمعية والسياسية وفقًا للقانون والضوابط الرسمية المعمول بها.

إلا أن الوالي تراجع عن القرار بعد ساعات من إصداره، وتشير مصادر لـ(التغيير) إلى أن الوالي تعرض لضغوط من جهات نافذة في الدولة، مما دفعه للتراجع عن القرار دون الإفصاح عن الأسباب.

وقال مصدر بولاية نهر النيل لـ(التغيير): “إن القرار كان يهدف إلى تغيير مكاتب المقاومة الشعبية بالولاية وإعادة الأصول للمكلفين الجدد، بما في ذلك عربات المحليات”.

وأضاف المصدر أن القرار جاء بهدف تفعيل دور المقاومة الشعبية تماشيًا مع متطلبات المرحلة التي يمر بها السودان، والتي تُعتبر عدوانًا خارجيًا يستخدم قوات الدعم السريع كأداة لتنفيذ أجندة معينة.

وشدد المصدر على أن ولاية نهر النيل فتحت معسكرات في جميع محلياتها استجابةً للاستنفار الذي دعا إليه مجلس الأمن والدفاع.

والي نهر النيل محمد بدوي

تخبط في القرارات

من جهته، أعرب عضو بالمقاومة الشعبية في ولاية نهر النيل عن استغرابه من قرار الوالي، قائلاً إنه يعكس تخبطًا في القرارات. وأشار العضو لـ(التغيير) إلى أن تسليح المقاومة يتم بشكل مباشر من قبل القوات المسلحة في الولايات، وأن دور المقاومة ينحصر في الحشد والدعم والإسناد دون المشاركة في توزيع السلاح. وأكد أن الأسلحة التي يحملها أفراد المقاومة مسجلة بأرقام متسلسلة وستُجمع بعد تحقيق النصر على قوات الدعم السريع أو بعد التوصل إلى اتفاق سلام.

وتجاهلت سلطة بورتسودان النداءات التي طالبت بوقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أشهر لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المتضررين الذين يعانون من نقص حاد في المواد الغذائية.

وأكد تقرير حديث أن 86% من السودانيين يعانون صعوبات كبيرة في توفير احتياجاتهم الأساسية، وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية وانخفاض القوة الشرائية للجنيه السوداني نتيجة آثار النزاع.

وتزيد الإجراءات العسكرية من مخاطر انتشار السلاح، ما قد يؤدي في بعض المناطق إلى نزاعات محلية أو نهب لتأمين المعيشة، خاصة بعد تدمير سبل العيش التقليدية.

التعبئة العامة

ولمزيد من تأجيج النزاع في السودان، أعلن مجلس الأمن والدفاع السوداني، الخميس الماضي، التعبئة العامة للقوات المسلحة، داعيًا الشعب إلى الانخراط في جهود مواجهة تمرد قوات الدعم السريع، وذلك عقب سيطرة الدعم السريع على مدينة الفاشر في شمال دارفور.

وقال المجلس في بيان رسمي إن الاستنفار والتعبئة يهدفان إلى القضاء على ما وصفه بـ”المليشيا المتمردة ومرتزقتها”، فيما شدد وزير الدفاع حسن كبرون على أن الجيش “مستمر في استنهاض الشعب لمساعدته في القضاء على مليشيا الدعم السريع”، مؤكدًا استمرار العمليات القتالية حتى تحقيق الأهداف المرجوة.

وفي الأثناء، أعلن رئيس الوزراء كامل إدريس، حالة الاستنفار الشاملة في كل المؤسسات والبعثات الخارجية، وذلك لمواجهة الجرائم التي ارتُكبت في الفاشر وبارا بشمال كردفان، حيث وصف الهجوم بأنه “عدوان غاشم يستهدف الأمة السودانية بأكملها”.

وشمل القرار الوزارات والوحدات الحكومية والسفارات والبعثات الدبلوماسية، بهدف تجنيد الموارد البشرية واللوجستية لمواجهة التمرد وتثبيت الأمن في المناطق المتضررة.

وفي غضون ذلك، أعلن ولاة ولايات الخرطوم والجزيرة والقضارف والشمالية، وحاكم إقليم دارفور، التعبئة العامة والاستنفار، فيما بدأت بعض المناطق تجهيز معسكرات تدريب تشمل الأسلحة الثقيلة.

مليشيات مسلحة

ولم يقتصر الاستنفار الحالي على مشاركة المدنيين الفردية في القتال إلى جانب الجيش، بل أدى أيضًا إلى ظهور مليشيات مسلحة جديدة تشكلت من خلفيات اجتماعية وقبلية، وتعتمد على التمويل الذاتي وتجنيد عناصرها خارج الإطار الرسمي للجيش.

وتُعتبر قوات درع السودان، التي يقودها أبو عاقلة كيكل، أحد أبرز التشكيلات المسلحة التي ظهرت في السودان مؤخرًا.

وقد واجه كيكل عقوبات من الاتحاد الأوروبي بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها قواته ضد مجتمعات العمال الزراعيين (الكنابي) بعد استعادة الجيش للمناطق من الدعم السريع.

وتعتمد قوات درع السودان على دعم مجموعات وسط السودان وولاية الجزيرة، وتبرز نفسها كقوة دفاع محلية تستهدف قوات الدعم السريع.

إلى جانب لواء البراء بن مالك، والبنيان المرصوص، والفرقان التابعة مباشرة للحركة الإسلامية التي قاتلت سابقًا إلى جانب الجيش في حرب الجنوب الثانية، تحت مظلة قوات الدفاع الشعبي، وغيرها من التشكيلات التي تم تفريخها في الفترة الماضية.

مستقبل السلطة

ويرى مراقبون أن هذه التشكيلات المسلحة لا تمتلك غرضًا دفاعيًا محضًا، بل إنها تتمتع بهيكل تنظيمي وعلاقات مجتمعية قد تتحول إلى قوى سياسية مؤثرة أو ميليشيات إقليمية بعد انتهاء الصراع، مما قد يعيد تشكيل المشهد السياسي ويؤثر على مستقبل السلطة في البلاد.

الخبير العسكري علي الإمام، يعتقد أن الاستنفار “خطوة وطنية تهدف إلى حماية البلاد من التهديدات التي تتعرض لها، وهو نهج متبع في العديد من الدول التي تعرضت للغزو أو التمرد”.

وأضاف الإمام لـ(التغيير) أن “الاستنفار يستند إلى لوائح وقوانين صارمة للسيطرة على المتطوعين، مما يمنع استغلالهم من قبل أي جهة ويضمن أن يكون هدفهم الوحيد الدفاع عن الوطن، وأن يزول بزوال التهديد عن البلاد”.

وأشار إلى أن الانتهاكات التي مارستها قوات الدعم السريع، بما في ذلك تشريد آلاف الأسر من منازلها ومدنها، تجعل من فتح باب الاستنفار واجبًا وطنيًا. وأوضح أن الجيش السوداني يعاني من نقص حاد في قوات المشاة نتيجة للتراكمات السابقة للحروب في البلاد.

حرب أهلية

في المقابل، يؤكد المهتم بالسلام وفض النزاعات الطيب أحمد، أن الاستنفار يفاقم الأزمة، مشيرًا إلى أن هذا الإجراء قد يزيد من حدة الصراع ويوسع نطاقه، مما يؤدي إلى مزيد من الدمار والخسائر البشرية.

وقال الطيب لـ(التغيير) إن الاستنفار قد يفضي إلى حرب أهلية شاملة نتيجة عسكرة المدنيين وتسليحهم، مما يعزز الصراعات القبلية والعرقية.

وتخوّف المهتم بالسلام وفض النزاعات من استغلال بعض القوى السياسية للاستنفار لتحقيق مصالحها الخاصة، على غرار ما يفعله بعض عناصر النظام السابق، الأمر الذي قد يزيد من عدم الاستقرار في البلاد.

وشدد على أن الحل يكمن في وقف الحرب، وليس في المزيد من التحشيد العسكري الذي يؤدي إلى استمرار القتل والتشريد.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.