إبراهيم هباني
“شعار زائف لحماية الامتيازات لا لحماية الوطن”
هم من جعلوا من كلمة ثقيلة درعاً وسلماً؛ من رفعوا شعار “الوجودية” ليبرروا حروباً تأكل الناس وتمنحهم امتيازات بدت كأنها نصيباً مقدساً.
هم الحركة الاسلامية والمستفيدون من الحرب، ومن سهل تغبيش وعيهم بشعار الحرب الوجودية وحرب الكرامة.
هم من اشعلوا شرارتها، وزجوا بالمؤسسة العسكرية في معركة فقدت معناها، بعدما انشغلت القوات المسلحة عن اداء دورها الطبيعي في حماية شعبها، لتتحول الى اداة في حرب صنعت لحماية مصالح فئة لا للوطن باكمله.
لقد وضعت خارطة طريق الاتفاق الاطاري في ديسمبر 2022 كاطار للخروج من مأزق الانقلاب والانتقال الى حكم مدني واصلاحات مؤسسية.
لم تكن وثيقة شعرية، ولا وعداً سياسياً يغري بالشعارات؛ فعهود الاخوان سهلة كالماء، طالما يشربها الشعب وحده، بينما ابناؤهم يرفلون في نعيمه بالخارج.
كانت محاولة جادة لقطع الطريق امام شبكات المصالح التي استباحت الدولة باسم الوطنية.
ما لم يفهمه دعاة الحرب ان حماية الوطن تبدأ بحماية الناس، لا بحماية محطات النفوذ.
وفي وقت يطالب فيه العالم بهدنة انسانية عبر مبادرة الرباعية لتسهيل دخول الاغاثة، ووقف نزيف المدنيين، ينشغل دعاة الحرب بتزيين المشهد ببيانات وشعارات تضمن لهم رزقهم ووجاهتهم السياسية.
اما من يدفع الثمن فهو الشعب العظيم، الذي الهم العالم بسلمية ثوريته ووعيه الحضاري، وكشف زيف دعاة الحرب الذين يتاجرون بالدين والوطن بشعاراتهم.
وفي هذا السياق، لم يكن اجتماع قيادات الحركة الاسلامية السودانية في العاصمة القطرية الدوحة سوى امتداد طبيعي لذهنية “الحرب الوجودية” نفسها.
فقد اجتمع عدد من رموز التنظيم في منزل وزير الخارجية الاسبق مصطفى عثمان اسماعيل، بحضور السفير السوداني وعدد من اعضاء التنظيم المقيمين في قطر، وناقشوا تطورات الحرب، واصدروا بياناً غير معلن رفضوا فيه اي حلول او مبادرات دولية لانهاء الحرب، متمسكين بما وصفوه بـ”الحل السوداني الخالص”.
لقاء كهذا يختصر التناقض كله: يتحدثون عن الوطنية من الخارج، فيما الوطن نفسه يئن تحت الركام.
نحن لسنا في حاجة الى خطب تؤجج العواطف، بل الى اجابات عملية: من يملك خطة لحماية النازحين؟ من سيضمن وصول الادوية؟ كيف تفتح المدارس والمستشفيات؟
هذه اسئلة لا تجيب عليها الشعارات، ولا الاجتماعات الخارجية، بل تنفذها سياسات واضحة ومساءلة حقيقية.
وليس خافياً ان المشهد الاقليمي والدولي يراقب بعين حذرة، وان التحالفات تعقد اكثر مما تصلح، وان بعض من يرفعون راية الحرب لا يمانعون الجلوس مع خصومهم متى اقتضت مصلحتهم، كما قالت القيادية الاخوانية سناء حمد نفسها، حين تحدثت عن استعدادهم للحوار مع قوات الدعم السريع، ناسية انها كانت من اوائل من حققوا مع جنرالات الجيش بعد سقوط نظامهم في ابريل 2019.
النتيجة واحدة: حرب بلا معنى ووجود بلا دولة .
فالوطنية لا تقاس بما تسجله دفاتر المنتفعين، بل بما تبقيه من كرامة للناس.
وان اردنا وطناً خير، فعلينا ان نسكت طبول “الوجودية” الزائفة، وان نقرأ بنود الاتفاق الاطاري بعقل عملي، ونفرض شروطاً صارمة لاي حوار، او مصالحة تبنى على حساب دماء الابرياء.
اما اولئك الذين اشعلوا النار ليحموا امتيازاتهم، فسيجدون انفسهم يوماً على هامش التاريخ، يتنازعون رماد وطن لم يعد لهم فيه مكان.
اما الشعب السودانيالعزيز المحترم ، هذا الشعب الذي اضاء العالم بسلميته ووعيه، فلن يكون وقوداً بعد اليوم.
الوطن باق، وهم الى زوال.
وكما لو ان شيخنا الطيب صالح بيننا لقالها على طريقته:
“هؤلاء الذين يتحدثون عن الوجود لا يعرفون معنى البقاء، فالوطن ليس خطاباً في منفى، بل نبضة في صدر من بقي.”
المصدر: صحيفة التغيير