كشف المحجوب السالك، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو، عن تفاصيل صادمة عن فترة اختطافه وتعذيبه داخل مخيمات البوليساريو، مستعرضًا تجربة شديدة القسوة دامت ست سنوات، وتضمنت أشكالاً وحشية من التعذيب الجسدي والنفسي، معتبرا أن سجن تازمامارت على شدته وقسوته أرحم من سجن الرشيد بتندوف.

وأكد المحجوب السالك، أحد مؤسسي جبهة البوليساريو والمنسق العام لتيار “خط الشهيد” المعارض، أن ما عاشه في معتقلات الجبهة طيلة ست سنوات كان تجربةً تتجاوز الوصف الإنساني، لشدتها وقسوتها، ولأنها تجسّد في نظره الوجه المظلم للثورة التي انقلبت على مبادئها الأولى. وقال السالك، خلال استضافته في برنامج “نبض العمق”، إن تلك السنوات المظلمة كانت فصلاً من العذاب الجسدي والنفسي الذي لا يمكن للعقل البشري تصوّره، مضيفاً بصوت يغلب عليه التأثر: “في الحقيقة لا أستطيع وصفها لك، لأن العالم لو عرف تفاصيلها سيصاب بالكراهية الأبدية للثورات”.

وأوضح أن مجرد الحياة في منطقة الحمادة، بكل قسوتها، يمكن أن تُعتبر سجناً، فكيف حين يكون الإنسان داخل معتقل في عمق الأرض؟ وأضاف: “الحمادة وحدها سجن لا يُطاق، فكيف إذا كنت معتقلاً فيها؟ كنتُ في قبر تحت الأرض، لا أستطيع الوقوف إلا من جهة واحدة، رأسي يلامس السقف، ومساحتي لا تتجاوز خطوة صغيرة. ومع ذلك، صار ذلك القبر بالنسبة لي راحةً مقارنة بما كان ينتظرني خارجه من تعذيب”.

وروى السالك أن الجلادين كانوا يخرجونه من القبر ليخضعوه للتعذيب حتى يفقد وعيه أو تقترب منه لحظة الموت، ثم يعيدونه إلى القبر في حالة احتضار، ويتركونه هناك حتى تعود إليه الحياة، ليُعاد التعذيب من جديد. واستمرت هذه الدورة القاسية لست سنوات متواصلة. وأوضح أنه لم يكن وحيداً، بل كان معه أكثر من مئتين وخمسين معتقلاً من مختلف الخلفيات، من صحراويين ومغاربة وغيرهم، لكن لم يكن أحد يعرف مصير الآخر بسبب العزل التام والرقابة المشددة.

وحول أسباب اعتقاله، قال السالك إن الأمر لم يكن بسبب رفضه لمشروع الانفصال فحسب، بل لأن الثورة، كما قال، “تحولت إلى أداة بيد المخابرات الجزائرية تخدم مصالحها لا مصالح الصحراويين”. وأضاف: “كنت من أوائل من أدخلوا بعض الشباب إلى الحركة، ولما احتججت على الانحرافات، اختفيتُ بدوري تحت الأرض”.

وعن أساليب التعذيب التي تعرض لها، قدّم السالك وصفاً تفصيلياً لما رآه وعاشه قائلاً: “خرجت من السجن بعد أربعين سنة وما زالت آثار التعذيب على جسدي، العظم كان ظاهراً من ظهري. يظن البعض أنني أبالغ، لكنها الحقيقة، فالعذاب كان فوق الخيال”. وأضاف: “كان أبسط أشكال التعذيب أن يُعلقونا من الخلف ونحن عراة كما ولدتنا أمهاتنا، وأربعة جلادين يتناوبون علينا: اثنان عند الباب يجددان الماء المالح القادم من البئر ليصبوه على أجسادنا، واثنان بجانبنا يجلدوننا بأسلاك الكهرباء على الوجه والأعضاء الحساسة. أقول لك بصدق: إن بقائي حياً حتى اليوم هو رحمة من الله لا أكثر”.

واسترسل السالك في رواية تفاصيل أخرى عن ظروف الاحتجاز التي وصفها بـ”الوحشية”، قائلاً: “كانوا يتركوننا واقفين في عز الشتاء، ودرجة الحرارة تحت الصفر في الحمادة، مكبّلين الأيدي، معصوبي الأعين، لا نتحرك ولا نأكل، لمدة تجاوزت خمساً وسبعين ساعة. سقطت مغشياً عليّ، ولما أفقتُ وجدت ساقي قد خُلعت من مفصلها، لأنني بقيت واقفاً كل ذلك الوقت بلا حركة”. وأضاف أن الجلادين كانوا يستخدمون أساليب خنق غريبة بوضع الأغطية والحجارة على رؤوس المعتقلين حتى يختنقوا دون أن يتركوا أثراً ظاهراً. وقال: “كانوا يخنقونك حتى تكاد تموت، ثم يتركونك تتنفس قليلاً ليعيدوا الكرّة من جديد، كثيرون فقدوا حياتهم بهذه الطريقة”.

وقال السالك إن أقصى درجات الألم كانت حين يتمنى السجين الموت ولا يجده، مضيفاً: “البحث عن الموت هو قمة القنوط، أن تتمنى الموت فلا تجده، أن تتمنى الانتحار فقط لتتخلص من العذاب، لكنك لا تستطيع لأنك مؤمن وتخاف الله، لا من الموت بل من أن تموت منتحراً”، مشيرا إلى أن بعض السجناء لم يحتملوا الألم فانتحروا، حيث رمى اثنان من رفاقه نفسيهما في بئر تُلقى فيه الفضلات، فتم بعد ذلك إغلاقها بالإسمنت حتى لا يتكرر الأمر.

وتابع السالك قائلاً إن بعض السجناء اضطروا لشرب الفضلات من شدة العطش والجوع، وإن درجات التعذيب تجاوزت كل ما قرأه أو سمع به عن السجون والمعتقلات في أنحاء العالم. وقال: “قرأت عن التعذيب في الشرق الأوسط، وعن الموساد، وعن نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وحتى عن معتقلاتكم في المغرب خلال السبعينيات، لكنها بالمقارنة مع سجن الرشيد لا شيء. تازمامارت كانت فندقاً من خمس نجوم بالمقارنة مع ما عشناه هناك”.

وأكد أن أسوأ ما في تلك التجربة هو أن الجلادين لم يكونوا جميعهم صحراويين، بل كثير منهم جزائريون، وأوضح: “معظم من كان يعذبنا كانوا جزائريين من تندوف، يتقنون أساليب التعذيب، وكأنهم تلقوها من مدارس الاستعمار الفرنسي. قلتها يوماً وأنا ما زلت في المخيم: جزى الله الجزائر عنا خيراً، فقد كانت سخية معنا حتى في أبشع وسائل التعذيب التي ورثتها عن فرنسا”.

وأبرز أن تلك السنوات الست كانت كافية لتكشف له أن ما يجري في المخيمات ليس ثورة، بل نظام من القهر والتسلط يستمد وجوده من دعم خارجي واستغلال داخلي لمعاناة الأبرياء. وأضاف بنبرة حازمة: “تجربتي ليست مجرد قصة شخصية، إنها شهادة على أن الثورة حين تتحول إلى وسيلة في يد أجهزة المخابرات تفقد روحها، وتتحول إلى جحيم لمن يؤمنون بها بصدق”.

وأشار إلى أن القيادة الحالية للبوليساريو أصبحت عاجزة عن مواجهة هذا الواقع، مؤكداً أن مؤتمراتهم الدورية التي تُعقد كل أربع سنوات أصبحت مجرد مسرحيات تصفق فيها القيادة لنفسها، دون أي تغيير على الأرض، وأضاف: “فقط هذا العام، هاجر أكثر من 600 شاب صحراوي عبر البحر، بحثًا عن مستقبل أفضل، نتيجة انعدام الثقة بالحركة وبقيادتها”.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.