تُعدّ التربية على القيم من الركائز الجوهرية في بناء الإنسان والمجتمع، إذ تمثل البعد الأخلاقي والروحي للعملية التعليمية، ومع التحولات التي شهدها الفكر التربوي المعاصر، أصبحت القيم محورًا رئيسًا في مختلف المقاربات التي تهدف إلى تكوين الإنسان المتوازن. غير أن التربية الحديثة، رغم تطورها المفاهيمي والمنهجي، ظلت تعاني من افتقار الرؤية الكلية التي توحّد بين العلم والأخلاق. أما الفكر المقاصدي فقد قدّم نموذجًا متكاملًا يجعل القيم أصلًا وغاية في آن واحد.

• التربية على القيم في ضوء المقاصد القرآنية

تستند التربية على القيم في التصور القرآني إلى رؤية توحيدية تجعل من الإنسان خليفة في الأرض، مؤتمَنًا على عمارتها وفق ميزان الإحسان والعدل، وقد ركز الأصوليون والمقاصديون، مثل الشاطبي وابن عاشور، على أن الغاية من الشريعة هي تحقيق مصالح العباد في الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وأن هذه المقاصد تشكّل أساسًا لتربية الإنسان على المسؤولية والاستخلاف. فالقيم في ضوء المقاصد ليست مجرد سلوكيات فردية، بل هي نسق كوني يعكس غاية الخلق ويحقق التوازن بين المادة والروح.

• الرؤى التربوية المعاصرة وموقع القيم

شهد الفكر التربوي الحديث تطورًا كبيرًا في فهم دور القيم في التعليم، حيث أكد جون ديوي على أن التربية هي عملية اجتماعية تهدف إلى إعداد الإنسان للمشاركة الفاعلة في الحياة العامة، بينما ركّز باولو فريري على البعد التحرري للتربية، داعيًا إلى وعي نقدي يحرر المتعلم من التبعية والاغتراب، كما طرح لورنس كولبرغ نظريته في التطور الأخلاقي، معتبرًا أن النمو المعرفي لا ينفصل عن النمو القيمي. هذه الرؤى، على اختلافها، تلتقي في الإقرار بأهمية القيم في بناء الإنسان الواعي والمسؤول.

• نحو تكامل المقاصد القرآنية والرؤى التربوية المعاصرة

يتيح الجمع بين المقاصد القرآنية والرؤى التربوية المعاصرة تصورًا متوازنًا للتربية القيمية، فالمقاربة المقاصدية تمنح التعليم بعده الغائي والروحي، في حين تقدّم النظريات التربوية الحديثة أدوات منهجية لتفعيل تلك القيم في الواقع التعليمي. ومن ثَمّ، فإن التربية القيمية المعاصرة مدعوة إلى الاستفادة من الأسس القرآنية في تحقيق التزكية والعمران، مع توظيف المناهج الحديثة في تنمية التفكير النقدي والإبداعي، بما يحقق تكامل الإنسان في أبعاده العقلية والوجدانية والسلوكية.

خلاصة:

يتبين من خلال ما سبق أن التربية على القيم تمثل جسرًا بين المقاصد القرآنية والرؤى التربوية الحديثة، حيث يلتقي البعد الروحي الإسلامي بالبعد الإنساني الكوني، وإذا كانت التربية الحديثة قد ركزت على تنمية الكفايات والمهارات، فإن التربية المقاصدية تضيف إلى ذلك بُعدًا غائيًا يجعل الإنسان فاعلًا أخلاقيًا في الكون. ومن ثم فإن التكامل بين هذين البعدين يُعدّ شرطًا ضروريًا لبناء نموذج تربوي قيمي شمولي يواكب تحديات العصر ويحافظ على الأصالة الروحية للأمة، وسأعود في مقالات قادمة بحول الله لإعطاء مجموعة من الأمثلة التطبيقية والنماذج العملية في إدماج القيم وفق الرؤية المقاصدية الإسلامية ضمن المنظومة البيداغوجية المبنية على النظريات الحديثة.

قائمة المراجع:

ابن عاشور، محمد الطاهر. (1984). مقاصد الشريعة الإسلامية. تونس: الدار التونسية للنشر.

الشاطبي، أبو إسحاق. (1997). الموافقات في أصول الشريعة (تحقيق: عبد الله دراز). القاهرة: دار الحديث.

طه عبد الرحمن. (2006). تجديد المنهج في تقويم التراث. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.

مالك بن نبي. (1986). مشكلة الثقافة. بيروت: دار الفكر.

John Dewey. (1938). Experience and Education. New York: Macmillan.

Paulo Freire. (1970). Pedagogy of the Oppressed. New York: Continuum.

Lawrence Kohlberg. (1981). Essays on Moral Development, Vol. 1: The Philosophy of Moral Development. San Francisco: Harper & Row.

 

* باحث في علوم التربية المغرب

المصدر: العمق المغربي

شاركها.