يقام السوق الأسبوعي بمدينة عين توجطات، الواقعة ضمن النفوذ الترابي لعمالة الحاجب، كل يوم خميس، ويُعد شريانا اقتصاديا حيويا يستقطب رواجه التجاري فئات واسعة من الساكنة المحلية والوافدين من القرى المجاورة. غير أن خلف هذا النشاط المتجدد، تخفي الأرض التي تحتضن السوق فصلا غامضا من الذاكرة الجماعية؛ إذ تفيد شهادات محلية بأن العقار كان موقوفا في الأصل لبناء مقبرة، بعد أن حبّسته سيدة من المنطقة لفائدة الصالح العام. هذا التحوّل في وظيفة الأرض يثير أسئلة مشروعة حول مدى التزام السلطات بروح الوقف ومقاصده، وحدود تصرّفها في ملك حبسي ذي طبيعة دينية واجتماعية.
عاد هذا النقاش إلى الواجهة بعدما ظهرت مجددا صاحبة الأرض أو من ينوب عنها، مطالبة باسترجاع العقار الذي يحتضن السوق الأسبوعي، بعد أن أكدت أن عملية التحبيس لم تُوثّق رسميا أو تمّت خارج الشروط الشرعية المطلوبة. ووفق معطيات حصلت عليها هسبريس، فإن المعنية بالأمر تقدّمت بدعوى قضائية لدى المحكمة المختصة من أجل استرجاع الأرض، معتبرة أن تخصيصها لسوق تجاري بدلا من مقبرة يُعد إخلالا بالغرض الأصلي. ويكتسي الملف حساسية متزايدة بالنظر إلى الأهمية الاقتصادية للسوق، الذي لا يخدم ساكنة عين توجطات فحسب، بل يُعد فضاء حيويا يؤمه التجار والزوار من مختلف مناطق جهة فاسمكناس.
في هذا السياق، أوضح عبد العالي التواهري، محام بهيئة مكناس، أن من حق أي جهة أو شخص يعتبر نفسه متضررا من تغيير غير مشروع لوظيفة عقار أن يلجأ إلى القضاء، خاصة إذا تعلّق الأمر بعقار موقوف أو متنازع عليه.
وأبرز التواهري، في تصريح لهسبريس، أن القاعدة القانونية تنصّ على ضرورة احترام نية الواقف ومقاصد الوقف، وفقا لما تضمنه ظهير الأحباس، مشيرا إلى أن استعمال عقار مخصص لمقبرة وتحويله إلى سوق أسبوعي دون سند موثق أو قرار إداري واضح، يفتح الباب لتقاضٍ مشروع.
وأضاف أن المحكمة في مثل هذه الحالات تنظر في طبيعة الوثائق المتوفرة، وسند التصرف، وزمن وضع العقار رهن إشارة الجماعة أو الدولة، مشددا على أن احترام المقاصد الأصلية للعقار، خصوصا حين يتعلق الأمر بوقف، يندرج ضمن المبادئ التي تؤطر الأمن العقاري والعدالة المجالية.
وتابع بأن حيازة الدولة أو الجماعة لعقار معين لا تعني بالضرورة سقوط حق المالك الأصلي، ما لم تكن هناك مسطرة نزع للملكية تمّت وفقا للضوابط القانونية الجاري بها العمل، أو وثيقة تفيد بتحويل الغرض الأصلي للعقار بموافقة صريحة من الجهة الواقفِة أو ورثتها.
وشدّد المحامي ذاته على أن الأصل في العقارات الموقوفة أن تظل مخصصة للغرض الذي وُقِفَت من أجله، ولا يجوز تغيير وظيفتها إلا بإذن شرعي أو قضائي، خاصة إذا كانت محبَّسة في إطار وقف خاص. وفي حالة عدم إثبات وجود أي تفويت رسمي أو تغيير موثَّق للغرض الوقفي، فإن الدعوى القضائية لاسترجاع العقار تبقى قائمة من الناحية القانونية، ويُحتمل أن تؤول لصالح الجهة المدعية، إذا أثبتت أن الاستغلال الحالي يخالف نية الواقف ويمسّ بحقوقه المادية والمعنوية.
وأكد الخبير القانوني أن الدولة أو الجماعة الترابية قد تستند في موقفها القانوني إلى مبدأ “الحيازة طويلة الأمد” المقرّ قانونا، خاصة إذا ما تبيّن أن استغلال العقار في شكل سوق أسبوعي يعود إلى عقود عدة من دون اعتراض فعلي أو مطالبات متتالية من صاحبة الأرض أو ورثتها.
كما قد تعتمد الدولة على الطابع “المصلحي العام” للنشاط المقام فوق العقار، باعتباره يخدم شريحة واسعة من المواطنين ويُدرُّ مداخيل على ميزانية الجماعة، ما قد يُعتبر بمثابة تحويل مبرَّر للغرض الأصلي وفقا للاجتهاد القضائي في حالات مماثلة، شريطة إثبات وجود منفعة عامة قائمة وثابتة.
وقال مصدر مقرّب من الملف، من داخل عمالة الحاجب، في تصريح لهسبريس، إن المعطيات المتوفرة تؤكد أن الغرض الأصلي من حيازة العقار كان يتمثل فعلا في إنشاء مقبرة لفائدة الساكنة، وهو ما تم الشروع فيه بالفعل، حيث أُنجز جزء من المقبرة على المساحة التي تبرعت بها السيدة المعنية.
غير أن المصدر ذاته أوضح أن السوق الأسبوعي لا يُقام بأكمله على الأرض التي وهبتها المعنية بالأمر، بل إن جزءا منه شُيّد على عقار مجاور تم اقتناؤه لاحقا من شخص آخر أو تم ضمه بموجب مسطرة إدارية، مما يجعل الوضعية العقارية الحالية أكثر تعقيدا مما يبدو، ويستدعي التحقق الدقيق من حدود الملك الأصلي.
وأضاف أن مقبرة شُيّدت فعلا بجوار السوق، واحتضنت دفن بعض الجثامين في مراحل سابقة، غير أن السلطات ارتأت لاحقا بناء مقبرة أخرى بموقع مختلف، استجابة لمتطلبات التوسع العمراني والتنظيم.
وأشار إلى أن المساحة الحالية للسوق الأسبوعي تُعد من بين الأوسع على صعيد الإقليم، ولا يُعقلمن وجهة نظرهأن تكون كل تلك الرقعة قد وُهبت من طرف شخص واحد حصرا لبناء مقبرة، مرجحا أن تكون هناك إشكالات مرتبطة بترسيم العقار أو غياب تحديد دقيق للحدود بين البقعة الموقوفة والأراضي المجاورة، وهو ما يستدعي الرجوع إلى الوثائق الأصلية ورسم الحدود بشكل واضح تفاديا لأي لبس.
وأكد المصدر ذاته أن الوضع الحالي يتطلب تدقيقا قانونيا وإداريا دقيقا، بالنظر إلى تشابك المعطيات المرتبطة بملكية الأرض ومآل استعمالها الأصلي. وأضاف أن الوثائق المتوفرة لدى السلطات المحلية تشير إلى أن جزءا من الأرض المستغلة اليوم في السوق الأسبوعي لم يكن مشمولا بعقد الهبة، بل تم اقتناؤه لاحقا من طرف الجماعة لأغراض التوسعة، مشيرا إلى أن الخلط بين ما هو موقوف وما هو مملوك بموجب عقود لاحقة هو ما يغذّي الجدل القائم حول أحقية المطالبة باسترجاع العقار بالكامل.
المصدر: هسبريس
