نعم نشعر بسعادة لفوز زهران ممداني الديمقراطي اليساري على منافسه الجمهوري في مدينة نيويورك، ليس لأنه من أصول هندية إسلامية فقط بل لمواقفه التقدمية المعارضة للرئيس ترامب ولأنه مؤيد للقضية الفلسطينية ولأن فوزه قد يحسن من وضع الأقليات في التركيبة السياسية الأمريكية الداخلية، وأستغرب من الذين هللوا لفوز زهران ممداني لمجرد أنه مسلم! وفي هذا السياق يجب عدم المبالغة في المراهنة على هذا الفوز لأن أي رئيس أو حاكم ولاية يصبح جزءاً من الإدارة الأمريكية ويلتزم بسياستها بغض النظر عن أصله الاجتماعي ودينه، كما أنه في نفس الوقت قد يرسل رسالة تعزز صورة أمريكا كدولة ديمقراطية، والخلاف بينه وبين الرئيس ترامب لا علاقة له بالموقف من القضية الفلسطينية بل خلافات سياسية تقليدية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي حول قضايا أمريكية داخلية، ويجب ألا ننسى أن الرئيس الأمريكي الأسبق أوباما (ابو حسين) كان من أصول إسلامية وفي عهده حدث كل الخراب والدمار في العالم العربي ولم ينفع لا العرب ولا المسلمين ولا القضية الفلسطينية في شيء.
العقل السياسي العربي الشعبي الذي تتحكم به ثقافة عربية إسلامية ماضوية بات حاله كالغريق الذي يتشبث بقشة حتى يخرج من أزمته الحضارية، فيستحضر دائماً (الماضي المجيد) للحضارة العربية الإسلامية كتعويض نفسي عن تخلفه وحالة العجز عن مواكبة ركب الحضارة، أو يفتخر بأي انجاز لمسلم أو عربي يتفوق في عالم الغرب وبفضل علوم الغرب ليفسرو بأنه انتصار للإسلام والمسلمين.
مجرد أن يكون الشخص (مسلماً) بالوراثة أو تكون أصوله إسلامية أو يمارس الإسلام الشكلاني لا يمنحه الأفضلية بالضرورة على غيره من غير المسلمين. فدور الدعارة والملاهي الليلية والسجون في البلدان العربية والاسلامية تعج بمسلمين ومسلمات، وكثير منهم لا ينقطعون عن الصلاة والصوم ويحجون لبيت الله إن استطاعوا لذلك سبيلاً، كما أن كثيراً من قادة ونخب الأمتين العربية والإسلامية السابقين والحاليين فاسدون ومستبدون ومجرمون بحق شعوبهم الخ ومع ذلك لم يتركوا مناسبة دينية أو صلاة جمعة إلا وكانوا في المقدمة!
أن تكون مسلماً أو تكون الدولة إسلامية لا يمنحه أو يمنحها الأفضلية والتميز عن غيره/غيرها وخصوصاً في الشأن السياسي والحضاري، ولا ننسى القول المأثور عن الشيخ محمد عبده عندما ذهب الى مؤتمر باريس عام 1881 ثم عاد الى مصر، أنه قال مقولته الشهيرة: «ذهبت الى الغرب فوجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين، ولما عُدت إلى الشرق، وجدت مسلمين ولكنني لم أجد إسلاماً».
مثلاً: ماذا نفعنا ونفع الإسلام والمسلمين ونفع حتى البشرية الجماعات الإسلاموية من الإخوان المسلمين الى القاعدة وداعش والنصرة وأنصار بيت المقدس وبوكو حرام الخ؟ إسلام الدول الإسلامية مثل نيجيريا والصومال وبنغلادش وألبانيا وحتى غالبية الدول ال ٥٧ المنتمية لمنظمة المؤتمر الإسلامي منحهم الأفضلية على الدول والشعوب غير المسلمة؟ أليست مواقف بعض الدول والزعماء من غير المسلمين مثل كولومبيا وفنزويلا تجاه القضية الفلسطينية أكثر شرفاً وانصافاً لعدالة القضية الفلسطينية وأكثر إنسانية من مواقف دول وزعماء عرب ومسلمين؟
ونكرر ما سبق وأن كتبنا عنه مطولاً منذ أكثر من ٣٠ عاماً وخصوصاً دراستنا المعنونة: (حدود استحضار المقدس في الأمور الدنيوية ملاحظات منهاجية) والمنشورة في مجلة المستقبل العربي عدد ١٨٠ عام ١٩٩٤ الصادرة في بيروت وملخصها أن الرب محايد في الأمور السياسية وأن كثرة استحضار الرب لا يعني أننا المفضلون عنده والأكثر قُرباً منه.
