أمد/ تل أبيب: كشف تقرير جديد صدر عن مراقب الدولة في إسرائيل أنّ حكومة بنيامين نتنياهو عاجزة إلى حدّ كبير عن إدارة الاقتصاد الإسرائيلي، خصوصًا منذ اندلاع الحرب على غزة في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وسط تراجع مكانة وزارة المالية تحت قيادة بتسلئيل سموتريتش.

وأظهر التقرير الذي صدر يوم، الثلاثاء، أنّ ما يُعرف بـ”الكابينيت الاجتماعيالاقتصادي”، وهو الهيئة الوزارية المفترض أن تتولّى إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية، لم يجتمع منذ أكثر من عام، ولم يتخذ قرارات حيوية حتى في ظلّ تراجع التصنيف الائتماني لإسرائيل.

ووجه مراقب الدولة انتقادات مباشرة للحكومة ورئيسها نتنياهو ووزير المالية سموتريتش، مشيرًا إلى أن الحكومة لم تُجرِ أي نقاشات مهنية بشأن التداعيات الاقتصادية لتخفيض التصنيف الائتماني، رغم التحذيرات المتكرّرة من تبعات ذلك على تكلفة الاقتراض والعجز العام.

وأوضح التقرير أن الكابينيت الاجتماعيالاقتصادي، الذي يُفترض أن يرأسه رئيس الحكومة ويديره فعليًا وزير المالية، فقد فاعليته على مدى سنوات، حتى وصلت الأمور إلى مستوى غير مسبوق من الجمود خلال الحكومة الحالية، إذ لم تُتخذ سوى أربع قرارات حتى اندلاع الحرب، ولم تتعلق أيّ منها بمعالجة غلاء المعيشة أو الإصلاحات الاقتصادية.

وأشار مراقب الدولة إلى أنّه بعد اندلاع الحرب، تقرّر توسيع صلاحيات الكابينيت ليتولّى الإشراف على الجوانب المدنية للحرب، وإنشاء مركز قيادة مدني برئاسة منسّق خاص، لكنّ هذه القرارات لم تُنفّذ فعليًا، إذ استقال رئيس المركز بعد أسابيع قليلة من تعيينه، وأُغلق المركز دون إيجاد بديل له.

وقال المراقب في تقريره إنّ “غياب عمل الكابينيت الاجتماعيالاقتصادي خلال الحرب ترك قضايا واسعة معنية فيها عدة وزارات من دون معالجة”، وخصوصًا ما يتعلق بإدارة شؤون المستوطنات الحدودية مع لبنان والبلدات الشمالية المتأثرين بالمواجهات مع حزب الله.

كما لفت تقرير المراقب إلى أنّ الحكومة لم تعقد أيّ اجتماع رسمي لمناقشة خفض التصنيف الائتماني رغم تكرار الخطوات التي اتخذتها مؤسسات التصنيف الدولية، معتبرًا أنّ لذلك أثرًا مباشرًا على “ارتفاع مدفوعات الفائدة في موازنة الدولة”.

ووجّه مراقب الدولة ملاحظات شخصية لنتنياهو ولسابقيه نفتالي بينيت ويائير لبيد، إلى جانب وزيري المالية السابقين أفيغدور ليبرمان والحالي سموتريتش، مؤكدًا أنّه “كان من الواجب على حكومات إسرائيل أن تُجري نقاشات لاستخلاص العِبر في القضايا الاقتصادية الطارئة”، سواء في إطار الكابينيت أو غيره من المنتديات الحكومية.

تراجع مهني داخل وزارة المالية

وأفادت صحيفة “ذا ماركر” أنّ تقرير المراقب يُظهر بوضوح انهيار المكانة المهنية لوزارة المالية خلال العامين الأخيرين، ولا سيّما منذ تولّي سموتريتش المنصب. وأشارت الصحيفة إلى أنّ دخوله إلى الوزارة ترافق مع “جهود منهجية لتهميش الكوادر المهنية”.

فبدل التعاون بين المستويات المختلفة خلال حالة الطوارئ، شهدت الوزارة صراعات داخلية واتهامات متبادلة بإخفاء المعلومات وتجاوز الصلاحيات. وقال مراقب الدولة إنّ هذه الخلافات “أضرّت بقدرة الوزارة على الاستجابة السريعة لاحتياجات الجمهور”.

ووفق التقرير، استغلّ سموتريتش حالة الفوضى الإدارية ليوسّع من نفوذ دائرته المقرّبة داخل الوزارة، إذ فوّض صلاحيات مهنية حسّاسة إلى مقربين منه لا ينتمون إلى السلك المهني الرسمي، وتجنّب في الوقت نفسه خطوات تقشف قد تُحدث صدامًا سياسيًا مع حلفائه في الائتلاف.

خطوات سموتريتش التي أضعفت عمل وزارة المالية:

  • لم يُدِر الخلافات الداخلية في الوزارة، حتى في حالات الطوارئ.
  • أنشأ “فريق مهام” خاصًّا قيد صلاحيات قسم الموازنات وقيّد عمله.
  • رفض توصيات القسم بخصوص خفض النفقات غير الضرورية والتمويلات الائتلافية.
  • تجاوز الأجهزة المهنية واعتمد خطة بديلة أعدّها مقربوه.
  • شمل مشروع الموازنة بنودًا تتعلق بتمويلات لم تُنفّذ بعد أو خُفّضت جزئيًا فقط.

في الأسابيع الأولى للحرب، كان على وزارة المالية إجراء تعديل عاجل على موازنة الدولة لتغطية الإنفاق العسكري والمدني الطارئ. وقد قدّم قسم الموازنات في الوزارة خطة مفصّلة لمصادر التمويل وآليات التخصيص، لكن سموتريتش رفض الخطة الرسمية، مفضّلًا بديلًا قدّمه نائبه والمدير العام المساعد للوزارة، يسرائيل ملآخي، أحد أقرب معاونيه السياسيين.

وقال مراقب الدولة إنّ إعداد خطة موازنتين متوازيتين داخل الوزارة يعكس “علاقات عمل متدهورة بين الأقسام المختلفة في المالية”، ولا سيّما بين إدارة الموازنات ومكتب الوزير. كما لاحظ أنّ ملآخي أصدر تعليمات لموظفي قسم الموازنات خلافًا لرأي المستشار القانوني للوزارة، ما عدّه تجاوزًا للأنظمة المهنية.

“أموال ائتلافية” لم تُمسّ… ومبالغ مجهولة المصير

وتبيّن من تقرير المراقب أنّ الخلافات بين قسم الموازنات ووزير المالية بدأت منذ الأيام الأولى للحرب، عندما اقترح القسم إعادة ترتيب أولويات الإنفاق لتمويل المجهود الحربي، بما في ذلك تقليص المصروفات واستخدام أموال غير مصروفة من العام 2023.

غير أنّ سموتريتش رفض تلك المقترحات لتجنّب المساس بالميزانيات الائتلافية والمصالح السياسية لشركائه في الحكومة. وبحسب الأرقام التي أوردها المراقب، خصصت الخطة الرسمية 6.6 مليارات شيكل من ميزانية 2023، منها 2.5 مليار من الأموال الائتلافية غير المنفّذة، لكنّ الخطة البديلة التي اعتمدها الوزير حوّلت فعليًا فقط 860 مليون شيكل لأغراض الحرب، أي أقل من نصف المبلغ المعلن.

وفي موازنة 2024، وافق الوزير على تقليص محدود للأموال الائتلافية لا يتجاوز نصف ما أوصى به الطاقم المهني. وقال تقرير المراقب إنّ “أموالًا ائتلافية عديدة لم تُقلَّص أو قُلِّصت بشكل جزئي، وبعضها حتى ازداد بعد اندلاع الحرب”.

كما أظهر التقرير أنّ بعض النفقات التي وُصفت بأنها “مخصّصة للحرب” بلغت 1.2 مليار شيكل، لكنها لم تكن مرتبطة بها فعليًا، بل وُجّهت لمشاريع استيطانية وبنود دعم للمستوطنات، فيما برّر سموتريتش ذلك بالحاجة إلى “تعزيز قدرات الصمود في المناطق الحدودية”.

ولفت مراقب الدولة إلى أنّ بعض مصادر التمويل التي استندت إليها خطة الوزير كانت غير موجودة أصلًا، مثل نصف مليار شيكل قيل إنها ستُحوّل من “كيرن كييمت ليسرائيل” (الصندوق القومي الإسرائيلي “كاكال”) ولم تُقدَّم مطلقًا.

إدارة مالية غامضة في زمن الحرب

وأشار التقرير كذلك إلى صعوبة تتبّع الإنفاق المرتبط بالمجهود المدني للحرب، الذي قُدّر عام 2023 بنحو 11.8 مليار شيكل، موضحًا أنّ نحو 3.6 مليارات شيكل أُدرجت ضمن بنود موازنة قائمة، ما جعل من المستحيل التأكد إن كانت هذه الأموال استُخدمت فعلًا لأغراض الحرب أم لتمويل التزامات سابقة للوزارات.

وقال المراقب إنّ نظام المراقبة في وزارة المالية “اعتمد على ملفات إكسل يدوية بدل نظام معلومات موحّد”، ما أفقده الدقة والرقابة المتقاطعة. ودعا إلى إدارة الموازنات الخاصة بالطوارئ عبر أنظمة رقمية مؤسسية تتيح الشفافية والمساءلة.

وفي الوقت نفسه، تبادلت أقسام الوزارة الاتهامات بالمسؤولية عن هذا الغموض. إذ رأى قسم الموازنات أنّ قسم المحاسب العام تجاوز صلاحياته ووفّر معلومات مضلّلة للوزير، بينما اعتبر الأخير أنّ المعضلة ناجمة عن “غياب الشفافية داخل قسم الموازنات”. وأشار مراقب الدولة إلى أنّ هذه الخلافات أضعفت قدرة متخذي القرار على مراقبة نفقات الحرب.

غياب الكوابح المالية والمساءلة السياسية

وكشف التقرير أنّ الحكومة لم تُقدِم على أيّ خطوات جديّة لخفض الإنفاق العام رغم الزيادة الهائلة في المصروفات العسكرية والمدنية خلال الحرب. ففي آذار/ مارس 2024، أقرّت موازنة إضافية حوّلت 17 مليار شيكل فقط إلى نفقات الحرب، رغم أنّ الهدف المعلن كان 25 مليارًا.

وحذّر مراقب الدولة من أنّ استمرار هذا النهج، مع الارتفاع الكبير في الدين العام والفوائد، يهدّد متانة الاقتصاد الإسرائيلي على المدى القريب، مشددًا على ضرورة أن يتّخذ وزير المالية وطاقمه “خطوات تقشّفية ذات أثر دائم”.

كما نبّه التقرير إلى أنّ محافظ بنك إسرائيل لم يُدعَ للمشاركة في مداولات الموازنة رغم أنه المستشار الاقتصادي للحكومة، واعتبر ذلك “خللًا مؤسساتيًا فادحًا”.

وختم مراقب الدولة بالتأكيد على “ضرورة أن تعيّن الحكومة جهة مركزية تتولّى التنسيق ووضع إستراتيجية قومية شاملة للاستعداد الاقتصادي للطوارئ، بما يشمل الحروب والأوبئة والكوارث الطبيعية”، مشيرًا إلى أنّ غياب هذه الجهة حتى اليوم “يعكس قصورًا في منظومة صنع القرار الاقتصادي في إسرائيل”.

شاركها.