في مصر اليوم، تنقسم البلاد إلى صورتين متناقضتين تمامًا، مصر الجائعة المرهقة التي تنهكها الأسعار والفواتير، ومصر الفرعونية التي تلمع بالأضواء وتُشعل السماء بالألعاب النارية. في القاهرة يئن الناس من الغلاء، بينما في الجيزة يفتتح الفرعون الجديد متحفه العظيم بتكلفة مليارات الدولارات، وكأنه يعلن: “نكتب فصلاً جديدًا من التاريخ.”
لكن أيّ تاريخ هذا؟ تاريخ من يدفن تحت رخام الفقر بينما تُرصّع جدران المتاحف بالذهب؟ من ينام في العشوائيات بينما تتلألأ المسلات في سماء الجيزة؟ ها هو الفرعون المعاصر، ببدلته الرسمية وابتسامته للكاميرات، يعيد المشهد القديم: “أنا الدولة… وأنا التاريخ.”
في الخارج تصفق الجماهير للألعاب النارية، أما في الأزقة فهناك من يصفّق بيدٍ واحدة لأن الأخرى تعمل. هناك من لم يرَ الأضواء إلا على شاشةٍ مكسورة في مقهى شعبي، ومن يتابع الاحتفالات وهو يغالب الجوع والإنهاك. بين الموكب الذهبي في الجيزة والصفوف الطويلة أمام المخابز، تتجلى المفارقة الموجعة.
إنها مصر اليوم… بين متحفٍ للملوك ووطنٍ بلا ملوك، بين حضارةٍ تُعرض في القاعات وحياةٍ تُدفن في الصمت. افتح متحفك أيها الفرعون كما تشاء، لكن تذكّر: تحت كل حجرٍ من رخامك صرخةُ جائع، ودمعةُ أمّ، ووطنٌ يبحث عن العدالة.
