فرحة عارمة شهدتها شوارع المملكة بمختلف الأنحاء والأقاليم، ابتهاجا بقرار مجلس الأمن الدولي الداعم لخطة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، وأكدت مرة أخرى تميز الشعب المغربي وإجماعه الكبير على مكانة القضية الوطنية الأولى في قلوب مختلف فئاته.
مشاهد الفرح والبهجة التي عمت البلاد رأى فيها الكثير من المتابعين أكثر من مجرد لحظة نشوة عابرة؛ بل ثقافة أصيلة متجذرة في المجتمع، ساهم الحدث الاستثنائي في إخراج آلاف المغاربة للتعبير عنها مباشرة بعد صدور القرار والخطاب الملكي الذي جاء مباشرة بعده مساء الجمعة.
في قراءته للحدث والاحتفالات التي رافقته، ذهب أحمد شراك، السوسيولوجي والأستاذ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، إلى أن الشعب المغربي عبّر عن فرحته الكبرى بهذا الانتصار “المثبت لحقنا الترابي في الصحراء المغربية، استكمالا لانتصارنا الجغرافي والترابي؛ لأننا كنا في الصحراء، وسنبقى فيها إلى الأبد”.
وأضاف شراك، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الشعب عبّر عن فرحته والسرور بالإنجاز المحقق “تماما كما كان الحال في إنجاز المسيرة الخضراء المظفرة”، معتبرا أن هذا الأمر يدل على روح المواطنة والوطنية العالية لدى الشعب المغربي.
وأوضح المتخصص في السوسيولوجيا أن الشعب المغربي يفرح “كثيرا عندما يتعلق الأمر بالإنجازات الكبرى، وفي الوقت ذاته قد يحتج كثيرا إذا تعلق الأمر بمطالبته بتحقيق إنجازات على صعيد واقعه المعيش”.
وتابع المتحدث عينه: “إنها جدلية يمكن التأكيد عليها عبر تاريخ المغرب منذ استقلاله الوطني، عبر طرد المستعمر إلى استرجاع كثير من الثغور الوطنية، إلى استرجاع الصحراء المغربية التي كان يطلق عليها الصحراء الغربية”، لافتا إلى أن الطموح المغربي قد “لا يقف عند تحقيق هكذا إنجاز”.
كما اعتبر شراك أن الشعب المغربي يتميز بما سماها “خصلة الفرح الجماعي، خاصة فيما يخص وحدته الوطنية والجغرافية”، مبرزا أن هذه الخصلة تعكس “سوسيولوجيا خاصة بالجماعة والمجتمع المغربي باعتباره قادرا على أن يمارس فرحه، كما هو قادر على ممارسة احتجاجاته الجماعية”.
وأشار إلى أن “الجماهير المغربية تتفرد بهذا النوع من الخصال، حيث لاحظنا كيف أنه قبل شهر أو أقل خرج الشباب للاحتجاج بكثرة، واليوم يخرج المواطنون المغاربة من طنجة إلى الكويرة ليعبروا عن هذا الفرح والانتصار العارم”، مؤكدا أن هذه الروح لعبت في صقلها مجموعة من الشروط التاريخية والسياسية والاجتماعية”، معبرا في الآن ذاته عن شكره الدبلوماسية المغربية الرائدة التي حققت هذا الإنجاز “بعيدا عن الهرولة والضجيج بدون طحين”، وفق تعبيره.
من جهته، اعتبر المؤرخ والكاتب امحمد جبرون أن ما حصل “تحول نوعي وثوري في مسار القضية يستحق أن نفرح به، ويستحق أن نهنئ به كل من ساهم في الوصول إلى هذه اللحظة التاريخية”.
وقال جبرون، في تصريح لهسبريس، إن “أجيال اليوم لا يدركون ولم يعيشوا الأزمات والنكبات التي عاشها مغاربة السبعينيات والثمانينيات؛ ولكن مع ذلك ما لاحظناه في الشارع من ابتهاج وفرح لأجيال مختلفة، بما في ذلك الذين لم يعايشوا حرب العشرين سنة التي عاشها المغرب والجنود المغاربة والقوات المسلحة الملكية في الصحراء”، مؤكدا أنه فرح مستحق ويعكس قيمة هذا الحدث والتحول.
وأضاف المتخصص في تاريخ المغرب منبها “لا تفرحوا بما أتاكم فرحا كبيرا، ولا تحزنوا على ما فاتكم حزنا عظيما. وشخصيا، أعتقد أنه لا بد أن يكون هناك نوع من الحذر”، معتبرا أن المغرب ما زالت تنتظره “معارك كبرى في ما يتعلق بإقرار نموذج الحكم الذاتي”.
كما أشار جبرون إلى أن العقبة الصعبة في هذا الملف تتمثل في “جر الجزائر إلى طاولة الحوار وإقناعها بالعدول عن المسار السابق، وأن الأمر لا يتعلق بهزيمة بقدر ما أن هناك تحولات دولية ومحلية اقتضت هذا التحول؛ وأن المغرب ليس همه هو أن يحسس الجزائر بالهزيمة”، معربا عن أمله في أن ينجح المغرب في تخطي هذه العقبة كما نجح في غيرها.
وتابع المتحدث عينه بنبرة يشوبها الحذر: “أكيد هذا الإحساس الجميل وروح التفاؤل والوطنية التي سادت وتسود بهذه المناسبة تجعل البعض يستقيم سلوكه، ويرتفع مستوى قيم الانتماء إلى الوطن والدفاع عن مصلح البلد؛ لكن يجب ألا نبالغ في الأمر في نهاية المطاف”.
وشدد المتخصص في التاريخ على أنه مع السياقات الداخلية والصراعات التي تطبعها ولوبيات المصالح والمنافسات الجارية بينها، “لا أظن سيكون لذلك تأثير كبير على هذا الجانب الذي ينبغي أن يتحلى به المغاربة بجميع فئاتهم”.
وأشار جبرون إلى أن الظروف التي تعيشها البلاد يمكن أن تساعد نسبيا لـ”فسح المجال أمام الدولة المغربية لتكون أكثر لياقة وقوة في مواجهة التحديات اللاحقة؛ وبالتالي نحتاج إلى السلم الداخلي والاستقرار الذي يجعل تركيز الدولة واهتمامها موجهين إلى إنجاح الاستحقاقات المقبلة”.
المصدر: هسبريس
