في أمر الهدنة: دعوة لاصطفاف جديد

فيصل محمد صالح

إذا صحت الأنباء التي تفيد بموافقة الجيش وقوات الدعم السريع على هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، تعقبها مباحثات للتوصل لوقف إطلاق النار، فإن هذه خطوة تستحق الدعم والتأييد.

هذه الهدنة ستعني الكثير لضحايا الحرب في دارفور وكردفان بشكل مباشر، ثم كل السودانيين الذين تأثروا بالحرب بدرجات مختلفة. وستفتح الباب لوصول المساعدات الإنسانية لأهالي الفاشر ودارفور أولا، ثم ستعني أن الأبيض والأماكن المحيطة بها لن تتكرر فيها المأساة الإنسانية ولن تعيش تجربة الفاشر المريرة.

الوضع الإنساني هو المعيار الذي يجب أن تتحدّد بناء عليه المواقف، وليس الانتصارات السياسية المتوهمة، وهي متوهمة حقيقة لأن لا أحد يحقق انتصاراً هذه الأيام، فالتقدم والنجاح العسكري الذي حققته قوات الدعم السريع في الفاشر عاد عليها بهزيمة سياسية ووصمة عار لا يمحوها الانتصار العسكري، فقد وجدت إدانات واسعة من مختلف دول العالم وحالة من الغضب الشديد في الداخل بسبب الجرائم والانتهاكات التي وقعت في حق المدنيين.

ما هي السيناريوهات المتوقعة وردود الفعل المتوقعة…؟

المؤكد أن عامة المواطنين سيكونون هم الطرف الأكثر دعماً وتأييداً للهدنة وما يعقبها من وقف لإطلاق النار، فهم سيحسبون موقفهم بناءً على حالة الأمن والطمأنينة التي ستعود عليهم إذا تم الالتزام بالهدنة، وسيتوقعون تحسن الأوضاع والخدمات واقتراب عودة الحياة لطبيعتها، ولن تكون لديهم أي حسابات أو أجندة سياسية. كذلك ستؤيد كثير من القوى السياسية والمدنية هذه الخطوة باعتبار موقفها المعلن ضد الحرب. وهناك مجموعات متحالفة مع الجيش وقريبة من البرهان ستؤيد أيضاً هذه الخطوة.

من سيعارض الهدنة إذن…؟

هناك مجموعات عديدة ستعارض الهدنة، بعضها مدفوع بأجندة المصالح السياسية والاقتصادية، وبعض آخر ليست لديه مصالح من هذا النوع، لكن لديه رؤية بأن البلد لن تستقر دون القضاء على الدعم السريع، لهذا يؤيدون استمرار الحرب.

تقف على رأس المجموعة الأولى الحركة الإسلامية التي تعلم أن أي تسوية ستتم على حساب نفوذها السياسي ووجودها في مركز القرار السياسي والتنفيذي والذي اكتسبته بالتحالف مع المجموعة العسكرية للانقلاب على المرحلة الانتقالية في اكتوبر 2021. ثم دفعت بها لاتخاذ قرار الحرب. ومعارضة هذه المجموعة لن تقف عند حدود الحديث في وسائل الإعلام أو وسائط التواصل الاجتماعي، إنما ستصل لمرحلة التمرد ومحاولة الانقلاب على سلطة البرهان.

وهناك مجموعة استفادت سياسياً واقتصادياً من ظروف الحرب وحققت ثروات طائلة أو اكتسبت نفوذاً سياسياً لن تجده في الظروف العادية. ومن ضمنهم أيضاً بعض الحركات والميليشيات التي ظهرت أثناء الحرب وجيوش من السياسيين والإعلاميين لهذا سيكون موقفهم معارضاً للهدنة ولوقف إطلاق النار.

هناك مجموعات رافضة للهدنة وترى ضرورة استمرار الحرب حتى سحق الدعم السريع. ويرون ذلك شرطاً لاستدامة السلام واستقرار البلد ويعارضون أي دور سياسي للدعم السريع في المستقبل. ولا ينطلق هؤلاء من مصالح شخصية أو ذاتية ولكن من رؤية وطنية خالصة يعتقدون في صحتها. هذه المجموعة يجب الحوار معها بجدية لإقناعها بأن البلاد مهددة إذا استمرت الحرب، ولن ينتصر أي طرف فيها والشواهد كثيرة على ذلك. كما أن كثير من المؤيدين لخطة الرباعية ومشروع الهدنة قد يشاركوهم الرأي في معارضة أي دور سياسي للدعم السريع.

ملخص الكلام أن غالبية السودانيين سيكونون في موقف التأييد للهدنة، وهناك حاجة حقيقية لتوسيع دوائر الحوار بين المجموعات المختلفة وتكوين اصطفافات جديدة تقدم أمر الهدنة على أي خلاف سياسي، وتصل لتصورات مشتركة حول بقية القضايا المعلقة.

نحن أمام فرصة ذهبية قد لا تتكرر مرة أخرى لهذا يجدُر اغتنامها والعمل على دعمها لتصبح واقعاً.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.