أمد/ واشنطن: طرحت مجلة فورين أفيرز Foreign Affairs الأميركية في عددها الأخير تصورًا مفصلًا لمستقبل الأمن في غزة، مستندة إلى خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ذات النقاط العشرين، التي تنص على نزع سلاح حركة حماس ونشر قوة دولية لتحقيق الاستقرار تضم قوات عربية وإسلامية بقيادة أميركية.
التقرير يؤكد أن الأسابيع التي تلت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس في 8 أكتوبر شهدت تجددًا للعنف الداخلي في غزة، مع تنفيذ حماس حملات انتقام ضد خصومها ومحاولات لإعادة السيطرة على المناطق التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية، ما يهدد بانهيار الهدنة الهشة.
مركز أميركي جديد لإدارة الأمن في غزة
في خطوة اعتبرتها المجلة “واعدة”، أنشأت الولايات المتحدة في 17 أكتوبر مركز التنسيق المدنيالعسكري (CMCC) بقيادة القيادة المركزية الأميركية (CENTCOM)، ويقع شرق مدينة عسقلان.
ويضم المركز نحو 200 جندي أميركي مكلفين بمتابعة تنفيذ وقف إطلاق النار وتنسيق جهود الأمن في القطاع، في إطار تحضيرات لتشكيل القوة الدولية المنتظرة.
ووفقًا للمجلة، فإن هذه القوة يجب أن تضم جنودًا من دول عربية وإسلامية مثل مصر والإمارات وأذربيجان وإندونيسيا، على أن تكون القيادة العسكرية والسياسية في يد الولايات المتحدة لضمان فعالية التنفيذ وطمأنة إسرائيل.
الخيار الدولي هو “البديل الواقعي”
ترى Foreign Affairs أن الخيارات المتاحة أمام الأطراف محدودة:
إما أن تعيد إسرائيل احتلال غزة في مواجهة مفتوحة مع حماس، وهو سيناريو “مدمر وغير مضمون”،
أو أن تتدخل قوة دولية بقيادة أميركية لتولي مهمة نزع السلاح تدريجيًا عبر العمل العسكري والضغوط السياسية والاقتصادية.
وتشير المجلة إلى أن النماذج السابقة في الشرق الأوسط مثل قوة الأمم المتحدة في لبنان (اليونيفيل) فشلت في ردع الميليشيات المسلحة، بينما حققت تجارب أخرى مثل قوات كوسوفو (KFOR) وبعثة البوسنة بعد اتفاق دايتون نجاحًا نسبيًا في تثبيت الأمن وإعادة بناء المؤسسات.
السيناريو اللبناني… وتحذير من “نموذج حزب الله”
تحذر المجلة من تكرار تجربة لبنان في غزة، موضحة أن منع حماس من المشاركة في الحكم دون نزع سلاحها سيؤدي إلى نموذج شبيه بحزب الله، حيث تواصل الحركة ممارسة نفوذها السياسي والاجتماعي دون تحمل مسؤولية الحكم، بما يهدد بإفشال جهود إعادة الإعمار واستقرار القطاع.
وتضيف أن بقاء حماس خارج السلطة الرسمية قد يجعلها أكثر قدرة على التخريب السياسي والاقتصادي، وإعادة بناء ترسانتها العسكرية على المدى الطويل.
نزع السلاح بالترغيب والردع
يطرح المقال تصورًا مزدوجًا لعملية نزع سلاح حماس:
• ترغيب المقاتلين الشباب الأقل تشددًا عبر ضمانات أمنية واقتصادية لعائلاتهم.
• ردع المجموعات المتشددة بالقوة العسكرية في حال رفضت الانخراط في العملية السياسية.
ويشبه التقرير هذا النموذج بتجربة “الصحوة السنية” في العراق عام 2007، حين تمكّنت واشنطن من تفكيك نفوذ القاعدة في الأنبار عبر دمج القوى المحلية في منظومة أمنية جديدة.
الولايات المتحدة: قيادة من الخلف دون قوات ميدانية
يؤكد التقرير أن إدارة ترامب لا تنوي إرسال قواتها إلى غزة، لكنها تسعى إلى التحكم الكامل في العمليات من خلال القيادة والتنسيق.
ويقترح دمج مركز CMCC مع مكتب المنسق الأمني الأميركي في القدس (OSC) لتشكيل منظومة موحدة تشرف على الأمن في غزة والضفة الغربية.
كما يدعو إلى تعيين ضابط أميركي رفيع أو من حلفاء واشنطن كقائد للقوة الدولية في غزة، على أن تكون القوات الميدانية عربية وإسلامية بالكامل.
مراحل التنفيذ المتوقعة
1. تفويض أممي يمنح الشرعية للقوة الدولية.
2. نشر القوة العربيةالإسلامية بإشراف أميركي مباشر.
3. نزع السلاح التدريجي عبر المراقبة والمصادرة والدمج الطوعي.
4. إعادة بناء الأجهزة الفلسطينية لتتسلم الأمن مستقبلاً.
5. تمويل خليجيدولي لعمليات الإعمار وربطها بمسار نزع السلاح.
مخاطر وتحديات
يحذر التقرير من جملة تحديات، أبرزها:
• رفض شعبي فلسطيني لفكرة وجود قوات أجنبية.
• إمكانية عودة حماس إلى العمل السري وإعادة التموضع.
• خشية بعض الدول العربية من ردود فعل داخلية معارضة للمشاركة.
• احتمال تراجع الدعم الأميركي في حال تغير الإدارة السياسية في واشنطن.
وتخلص فورين أفيرز Foreign Affairs إلى أن الفرصة الحالية قد تكون الأخيرة لإعادة صياغة الواقع الأمني والسياسي في غزة، مؤكدة أن قيادة أميركية قوية ومشاركة عربية فاعلة هما الشرطان الأساسيان لإنجاح أي تسوية طويلة المدى.
وترى المجلة أن تشكيل قوة الاستقرار الدولية ونزع سلاح حماس سيمهدان الطريق لإعادة الإعمار وبناء سلطة فلسطينية جديدة قادرة على الحكم، مشيرة إلى أن التأخير في التنفيذ يعني العودة إلى مربع الصراع مجددًا.
