ثلاثة فصول في استعادة السيادة
تُعد قضية الصحراء المغربية، أو ما يطلق عند عموم المغاربة “الأقاليم الجنوبية”،القضية المحورية في السياسة الخارجية والداخلية للمملكة. إن مسيرة استعادة السيادةعلى هذه الإقليم هي قصة متكاملة تُروى عبر ثلاثة فصول رئيسية: اولاً
، العمل الشعبي السلمي الذي قاده الملك الراحل الحسن الثاني، ثانيا، الدبلوماسيةالهادئة والفعالة التي يديرها الملك محمد السادس، واخيرا، التطورات الأخيرة في أروقةالأمم المتحدة التي تُرجح كفة المقترح المغربي للحكم الذاتي. هذا التحليل الموضوعييسلط الضوء على هذه المراحل، مركّزاً على التحول النوعي في الموقف الدولي.
1. المسيرة الخضراء (1975): الشرعية الشعبية في مواجهة الاستعمار
مثلت المسيرة الخضراء، التي انطلقت في 6 نوفمبر 1975 بقيادة الملك الراحل الحسنالثاني، نقطة تحول تاريخية. لم تكن هذه المسيرة، التي شارك فيها 350 ألف مواطنمغربي، مجرد حشد شعبي، بل كانت عملية سلمية ذات أبعاد قانونية ورمزية عميقة،أكدت على الإرادة الشعبية للبلاد في استعادة أراضيها من الاستعمار الإسباني.
لقد استندت هذه الخطوة إلى أساس قانوني دولي تمثل في فتوى محكمة العدل الدوليةالصادرة في أكتوبر 1975، والتي أقرت بوجود روابط ولاء تاريخية بين سلاطين المغربوالقبائل الصحراوية. وبدلاً من اللجوء إلى الخيار العسكري، اختار المغرب التعبئةالوطنية الشاملة، ليتحول الصراع من مواجهة عسكرية محتملة إلى عمل سلمي ضخميرمز إلى الالتفاف الوطني حول العرش والقضية. وقد أفضت هذه المسيرة إلى توقيعاتفاقية مدريد في 14 نوفمبر 1975، التي أنهت الوجود الإسباني ونقلت إدارة الإقليمإلى المغرب وموريتانيا (قبل انسحاب الأخيرة لاحقاً).
2. الدبلوماسية الرزينة (محمد السادس): تثبيت الأمر الواقع والتنمية كرافعة
في عهد الملك محمد السادس، تحولت المقاربة المغربية إلى استراتيجية دبلوماسية هادئةورزينة، تركز على تثبيت الأمر الواقع عبر التنمية الشاملة وكسب الدعم الدولي لمقترححل سياسي واقعي. هذه الاستراتيجية تقوم على محورين متكاملين:
أولاً، التنمية المحلية: حيث أطلق المغرب مشاريع تنموية ضخمة في الأقاليم الجنوبية،بهدف ترسيخ الاندماج الاقتصادي والاجتماعي للمنطقة في النسيج الوطني، وتوفيرنموذج عملي للحكم الذاتي الفعال قبل تطبيقه رسمياً.
ثانياً، المبادرة الدولية (مقترح الحكم الذاتي): في عام 2007، قدم المغرب للأمم المتحدةمبادرة لمنح الصحراء حكماً ذاتياً موسعاً تحت السيادة المغربية، مع احتفاظ الرباطبالصلاحيات السيادية كالدفاع والشؤون الخارجية [4]. وقد اعتبر مجلس الأمن الدولي،في قراراته المتتالية، هذه المبادرة “جدية وذات مصداقية” كأساس وحيد للتفاوض، مماأدى إلى تزايد الاعتراف الدولي بها كحل وحيد ممكن. كما أن تزايد عدد الدول التيتفتح قنصليات في مدينتي العيون والداخلة يعد اعترافاً ضمنياً بالسيادة المغربية علىالأقاليم الجنوبية.
3. قرار الأمم المتحدة: ترجيح كفة الحكم الذاتي و”الإجماع الصامت”
أشار التطور الأخير في مجلس الأمن الدولي إلى تحول نوعي في الموقف الدولي، حيثأفادت تقارير صحفية بأن مشروع قرار أمريكي جديد نص على أن خطة الحكم الذاتيالمغربية “قد تشكل الحل الأكثر جدوى” للنزاع. هذا التعبير يمثل ترجيحاً واضحاً لكفةالحل السياسي الواقعي الذي يقدمه المغرب على خيار الاستفتاء الذي أصبح غيرعملي.
إن مصطلح “إجماع القوى العظمى” في هذا السياق لا يعني بالضرورة تأييداًصريحاً من جميع الدول الخمس دائمة العضوية، بل يشير إلى تزايد الدعم الصريح منثلاث قوى وازنة (الولايات المتحدة، فرنسا، والمملكة المتحدة) للمقترح المغربي، إلى جانبالقبول الضمني من القوتين الأخريين (روسيا والصين).
ففي حين تقدم الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة دعماً صريحاً للمقترح، مما يمثلثقلاً سياسياً ودبلوماسياً يدفع بالملف نحو الحسم ويكسر الجمود، فإن روسيا والصين،رغم عدم تبنيهما الصريح للمقترح، من المتوقع ألا تستخدما حق النقض (الفيتو) ضدقرار يدعم المقترح. هذا “الإجماع الصامت” أو القبول بالتوجه الدولي يرسخ قناعة دوليةبأن الحل الوحيد القابل للتطبيق هو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، ويُبعد خيارالاستفتاء الذي أصبح غير واقعي.
في خلاصة القول فان الامور تتجه في مسار متكامل نحو الحسم
يُظهر التحليل أن مسار استعادة السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية هو مسارمتكامل يرتكز على ثلاث ركائز متضافرة: الشرعية التاريخية والشعبية التي أرستهاالمسيرة الخضراء، والشرعية التنموية والواقعية التي عززتها الدبلوماسية الملكيةوالاستثمارات في المنطقة، والشرعية الدولية والقانونية التي توجت بالاعتراف الدوليالمتزايد بمقترح الحكم الذاتي كحل وحيد وجدي وذي مصداقية.
إن التحول في لغة مجلس الأمن من الدعوة إلى “حل سياسي عادل ودائم” إلىالإشارة إلى الحكم الذاتي كـ “الحل الأكثر جدوى” يمثل اعترافاً ضمنياً بنجاعةالاستراتيجية المغربية ونجاحها في قلب موازين القوة الدبلوماسية، مما يضع القضيةعلى مسار الحسم النهائي تحت السيادة المغربية.
المصدر: العمق المغربي
