
 
التقي البشير الماحي
أثبت الواقع أن عبارة «لا للحرب» لم تكن شعارًا سياسيًا عابرًا، بل كلمة حق أُريد بها الحق، هي صوت الفطرة السليمة التي ترفض الحرب منذ أول رصاصة.
لم ترتبط هذه الكلمة بموقفٍ ميداني أو اصطفافٍ سياسي، بل انبثقت من ضميرٍ جمعيٍّ يدرك أن هذه الحرب لا منتصر فيها، وأن وقودها الأبرياء من أبناء هذا الوطن المنكوب.
مع ذلك واجهت الدعوة إلى السلام حملات تشويهٍ من أبواق الحرب ونافخي كيرها الذين رددوا أن كل من يرفع شعار «لا للحرب» إنما يسعى لإنقاذ المليشيا. كنا نتحدث عن السلام، بينما كانوا يحدثوننا عن بحثٍ دؤوبٍ عن “مصرانٍ آخر قحّاطي” يخنقون به “آخر دعامي”، في مفارقةٍ مؤلمةٍ لواقعٍ يتغذّى على الكراهية.
في تلك الأيام، كانت الجزيرة تشدّ مئزرها لتغيث الملهوف وتؤوي الفارين من جحيم الجنجويد لم يكن كثيرٌ من السودانيين قد سمعوا ببلدةٍ تسمى ود النورة، تلك القرية الوادعة التي لم تعرف صوت الرصاص إلا مقرونًا بالزغاريد إعلانًا لعرسٍ جديد لكنها سقطت فجأةً ضحيةً للاجتياح فاستُبيحت دماؤها وتعالت أبواق التحريض تارةً بالدعوة إلى مواجهةٍ غير متكافئة وتارةً أخرى بدموع التماسيح.
اليوم يتكرر المشهد في الفاشر حيث يُسدل الستار على واحدةٍ من أكبر الجرائم في تاريخ السودان الحديث جريمة ترويعٍ وقتلٍ ببطءٍ ارتُكبت في حق المدنيين بالتغافل والتواطؤ والنسيان وللمفارقة وإمعانًا في قتلها، تم تكوين لجنةٍ لفك حصارها قبل أن يقضي عليها تتار العصر.
ما زلنا نتحدث عن السلام بينما يواصل الآخرون الحديث عن “مصرانٍ آخر قحّاطي”، مبرّرين جرائمهم بذات الخطاب المريض الذي شرعن العنف وأطعم المليشيا من دماء الأبرياء. يحدثون الناس عن الأخلاق وهم من فقدوا كل معنى لها.
لقد كشف الروائي السوداني في رواية «مسيح دارفور» عن أخلاق الجنجويد وبشاعة أفعالهم ومُنعت الرواية من دخول السودان لأنها عرّت حقيقتهم التي حاولوا حجبها.
اليوم، يستشهد بها البعض ليثبت للعالم أن الجنجويد محض شرٍّ خالص، في عالمٍ حرٍّ طالب بمثول صانعيهم أمام العدالة ذلك العالم الذي يحاكم اليوم شبيهَ سفاح اليوم المدعو ابو لولو، علي كوشيب الذي وقف يوما مفاخرا بجرائمه التي ارتكبها وصفق له البعض
لم يعملوا على تسليمه حتى سلّم نفسه طوعًا.
الجميع يدرك أن الجنجويد لا أخلاق لهم حقيقةٌ يعلمها القاصي والداني. يقاتلون بحثًا عن غنائم المعارك ويحاربهم الإسلاميون بحثًا عن غنائم ما بعد المعارك
فـ بِئس الطالب والمطلوب.
المصدر: صحيفة التغيير
 
									 
					