في سياق التطورات المتسارعة داخل مجلس الأمن، يبرز عنوان “تقرير مصير سكان الصحراء الغربية على ضوء مشروع الحكم الذاتي” كإطار سياسي وقانوني أصبح يفرض نفسه على المجتمع الدولي. فالمؤشرات الدبلوماسية تُجمع على أن القرار الأممي المتوقع صدوره غدًا الجمعة سيكون أكثر وضوحًا وتقدمًا من سابقاته، لأنه لن يكتفي بتجديد الولاية التقنية للمينورسو، بل سيميل إلى توسيع مناطق الوضوح السياسي في النص، من خلال دعم صريح للحل الواقعي القائم على المبادرة المغربية. ولهذا، فإن الموقف الدولي يتجه نحو الإغلاق التدريجي لباب الالتباس، عبر ربط مفهوم “تقرير المصير” بمشروع الحكم الذاتي، لا بالاستفتاء الذي أُسقط عمليًا بسبب استحالته السياسية والديموغرافية.
هذا التوسع المنتظر في مضمون القرار ليس أمرًا تقنيًا أو لغويًا، بل تحول مفصلي في مسار النزاع. فالمنتظم الدولي أدرك، بعد عقود من الجمود، أن المقاربة المبنية على الغموض تفتح الباب أمام التأويلات المتضاربة، بينما المقاربة الحديثة يجب أن تقدم تعريفًا واضحًا: تقرير مصير سكان الصحراء الغربية يعني تمكينهم من إدارة شؤونهم عبر حكم ذاتي متقدم داخل السيادة المغربية. بذلك، توضع نقطة نهاية لمرحلة المناورات السياسية، وتُسحب من الأطراف المعطِّلة كل الذرائع التي كانت تُستعمل لعرقلة الحل. وهنا يبرز أن الأمم المتحدة لم تعد تنظر إلى المبادرة باعتبارها “مشروعًا مغربيًا” فقط، بل كمرجع أممي معتمد، وقاعدة للحل النهائي.
في هذا السياق، يصبح من الضروري شرح معنى “الصحراء الغربية” في الخطاب الأممي الحديث. فالمقصود هنا هو الصحراء الأطلسية، أي الامتداد الجنوبي المطل على المحيط الأطلسي، الذي كان تحت الإدارة الإسبانية سابقًا، لا الصحراء الشرقية التي ضُمّت إلى التراب الجزائري خلال الحقبة الفرنسية. هذا التفريق الجغرافي يكشف حقيقة مهمة: المنطقة التي يدور حولها النقاش الأممي هي جزء من الامتداد التاريخي المغربي، وأن مصطلح “الغربية” لم يكن يومًا مؤسسًا لكيان منفصل، بل مجرد توصيف جغرافي لتحديد الجهة الواقعة غرب المملكة.
وبمجرد أن يصبح القرار الأممي أكثر صراحة في ربط تقرير المصير بالحكم الذاتي، سيُعاد تشكيل الخطاب القانوني والسياسي حول الملف. فالتوصيف الجديد سيفرض على المنصات الإعلامية والسياسية والدبلوماسية أن تتحدث عن “المبادرة المغربية الأممية”، لا عن “المقترح المغربي”. والفرق هنا جوهري: الأولى تحوّله من خيار مطروح على الطاولة إلى مرجعية دولية ملزمة. وهذا التحول ستكون له آثار كبيرة في المرافعات القانونية، وفي تقارير المنظمات الحقوقية، وفي مواقف الدول التي ظلت تستعمل لغة رمادية عن قصد أو تردد.
إلى جانب هذا المسار الأممي، يبرز الدور المركزي للصحراويين الوحدويين داخل الأقاليم الجنوبية، الذين يعيشون في سلام واستقرار وانخراط كامل في التنمية الوطنية. هؤلاء هم التجسيد الحقيقي لتقرير المصير، لأنهم يمارسون حقهم في العمل والدراسة والمشاركة السياسية والاندماج الاقتصادي، بعيدًا عن شعارات الحرب والدعاية. وجودهم داخل وطنهم الأم، وتمسكهم بخيار الوحدة، ينسف الادعاءات التي تسوّقها الجزائر والبوليساريو حول “القمع” أو “الاحتلال”، لأن الواقع الميداني أثبت العكس تمامًا.
ويتقدم في الواجهة اليوم فصيل جديد له وزن اجتماعي وسياسي متزايد، يتمثل في حركة “صحراويون من أجل السلام”، التي تضم آلاف الصحراويين، أغلبهم من المخيمات ومن فئات ظلت صامتة لسنوات. هذه الحركة قدّمت ما سمّته “الحل الثالث”، القائم على التسوية في إطار لا غالب ولا مغلوب، في انسجام مع التوجه الأممي الذي يرفض التقسيم ويرفض استمرار المعاناة. هذا الفصيل وحده دليل قاطع على أن البوليساريو لم تعد الناطق الرسمي باسم الصحراويين، وأن هناك أصواتًا جديدة تشق طريقها للدفاع عن مستقبل المنطقة بعيدًا عن احتكار السلاح والإيديولوجيا.
في المقابل، تتشبث الجزائر بمنطق متجاوز، رافضة أي حل لا يخدم حساباتها الجيوسياسية. فلو كان هدفها “تقرير المصير” كما تزعم، لدعمت مشروعًا يضمن عودة المحتجزين إلى وطنهم، وفتح مسارًا سياسيًا يضع حدًا لمعاناة الأطفال والنساء داخل المخيمات. لكن الواقع يؤكد أن الجزائر توظف الملف كورقة صراع إقليمي، بينما تتحول المساعدات الإنسانية إلى مورد اقتصادي وسياسي تستفيد منه قيادة البوليساريو بدل الساكنة.
كل المؤشرات تؤكد أن القرار الأممي القادم لن يكون مجرد نسخة مكررة، بل خطوة نحو الإغلاق النهائي للملف. ومع هذا التوجه، سيصبح من الضروري فتح نقاش جديد بعد تمرير القرار، يتعلق بمستقبل المنطقة في ظل ما يلي: عودة الصحراويين الحقيقيين إلى بلدهم الأم وترحيل الصحراويين من الجنسيات الاخرى(ماليالنيجر موريتانيا جنوب الجزائر)، دمج الصحراويين داخل المؤسسات المنتخبة، استكمال المشاريع الكبرى، زيادة انخراط القوى المحلية الجديدة في المسار السياسي، وتوسيع تمثيلية الصحراويين داخل الهياكل الجهوية.
وهكذا، يتبين أن مشروع الحكم الذاتي هو الإطار الوحيد القادر على الجمع بين القانون الدولي، والسيادة الوطنية، واستقرار الساكنة. ومع ربط تقرير المصير بالمبادرة المغربيةالأممية، يصبح الطريق نحو الحل النهائي أقصر من أي وقت مضى، وتصبح كل محاولات العرقلة مجرد ضجيج خارج مسار التاريخ.
المصدر: العمق المغربي
 
									 
					