 
ينبغي لـمجلس الأمن أن يجتمع فورا مع السودانيين المتضررين بشكل مباشر من أحداث الفاشر، وأن يستمع إلى آرائهم، وأن يفرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (المعروف بـ”حميدتي”)، وشقيقه، عبد الرحيم حمدان دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع، لارتكابهما انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي.
التغيير: نيروبي: هيومن رايتس ووتش
قالت “هيومن رايتس ووتش” الخميس إن عشرات الفيديوهات المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة تُظهر “قوات الدعم السريع” وهي تنفذ القتل غير القانوني وانتهاكات جسيمة أخرى بحق الفارين من الفاشر، عاصمة شمال دارفور.
يغادر آلاف الأشخاص المدينة بعد استيلاء قوات الدعم السريع عليها في 26 أكتوبر 2025. يُمثل هذا الاستيلاء ذروة حصار دام 18 شهرا وهجمات متواصلة من قبل الجماعة المسلحة على المدينة، ما تسبب في مجاعة في مخيمات النازحين داخل المدينة وحولها.
وتُثير هذه الهجمات غير القانونية على الفارين قلقا بشأن مصير عشرات آلاف المدنيين الذين بقوا في المدينة حتى الأسبوع الماضي.
على الإمارات ردع الدعم السريع
قال المدير التنفيذي الانتقالي لـ هيومن رايتس ووتش، فيديريكو بوريلّو، “الصور المروعة من الفاشر تحمل بصمات سجل قوات الدعم السريع الحافل بالفظائع الجماعية. ما لم يتحرك العالم بشكل عاجل، سيتحمل المدنيون وطأة جرائم أكثر فظاعة. ينبغي لداعمي قوات الدعم السريع، لا سيما الإمارات، الضغط على قادة الدعم السريع لردع قواتهم، بينما ينبغي لقادة العالم اتخاذ إجراءات صارمة ضد قيادة الدعم السريع”.
قالت هيومن رايتس ووتش إنه ينبغي لـ “مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة” التحرك بشكل عاجل لمنع المزيد من الفظائع. ينبغي للمسؤولين من الولايات المتحدة والسعودية ومصر والإمارات، الدول التي تشكل ما يعرف بـ”المجموعة الرباعية”، الذين اجتمعوا مؤخرا في واشنطن، الإعلان بوضوح أن قيادة قوات الدعم السريع ستُحاسَب بإجراءات تشمل تجميد الأصول وحظر السفر فورا.
في 26 أكتوبر ، بدأت التقارير تنتشر بأن قوات الدعم السريع سيطرت على الحامية العسكرية التي تستضيف الفرقة السادسة مشاة التابعة لـ”القوات المسلحة السودانية” في الفاشر ومطار المدينة. سبق أن سيطرت قوات الدعم السريع على جميع المدن الرئيسية الأخرى في إقليم دارفور.
وفي الأشهر الأخيرة، حفرت قوات الدعم السريع خندقا وبنت ساترا رمليا يحيط بالمدينة، ومنع مقاتلوها التجار ومنظمات الإغاثة من الوصول إليها إلى حد كبير، ما اضطر المدنيين إلى تناول علف الحيوانات. أفادت “أطباء بلا حدود” الخيرية الطبية أن 75% من أصل 165 طفلا دون سن الخامسة من الفاشر فحصتهم يومَي 18 و19 أكتوبر/تشرين الأول كان لديهم سوء تغذية حاد.
وأفاد المستجيبون المحليون ووسائل الإعلام بارتفاع حاد في القصف من المسيّرات منذ سبتمبر، ما أسفر عن مقتل وإصابة مدنيين.
في 15 أكتوبر، أخبر ناشط هيومن رايتس ووتش أنه نجا من هجوم مسيّرة في ذلك اليوم أسفر عن مقتل مدنيَّيْن وإصابة اثنَيْن آخرَيْن.
وواجه المدنيون الفارون من الفاشر انتهاكات خطيرة على طول الطريق، بما يشمل الاغتصاب والنهب والقتل.
وتصاعدت هذه الانتهاكات مع انتصار قوات الدعم السريع. تُظهر فيديوهات مُتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي منذ 26 أكتوبر، حللتها وتحققت منها هيومن رايتس ووتش، مقاتلي قوات الدعم السريع يحتفلون فوق أعداد كبيرة من الرجال والنساء القتلى، سواء بالبزات العسكرية أو بالملابس المدنية، ويُعدِمون مدنيين مفترضين، ويسخرون من أشخاص مصابين بجروح بالغة ويُسيئون معاملتهم ويقتلونهم.
وحددت هيومن رايتس ووتش الموقع الجغرافي لثمانية فيديوهات صُوّرت بجوار الساتر الترابي المُحيط بالمدينة، على بُعد حوالي 8 كيلومترات شمال غرب الفاشر. يُظهر أحد هذه المقاطع، المُصوّر من أعلى الساتر الترابي، عشرات الجثث، بعضها بملابس عسكرية، في الخندق أسفله. في فيديو آخر، يظهر مقاتل من قوات الدعم السريع يرتدي وشاحا أبيض يجلس القرفصاء بجانب رجل يرتدي ملابس مدنية ولديه ضمادة على أعلى ساقه اليمنى وهو ممدّد على الأرض. وبينما يتوسل الرجل طالبا الرحمة، يقول المقاتل: “لن أرحمك.. نحن هنا لنقتل”. ثم يقف المقاتل ويُطلق النار على الرجل خمس مرات ببندقية “كلاشنيكوف”. في فيديو آخر صُوّر بجوار الساتر الترابي، يُسمع صوت مقاتل من قوات الدعم السريع وهو يصرخ: “لن نمنح الأسرى ضمانات”.
وحذّر المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك في 27 أكتوبر من أن “خطر ارتكاب مزيد من الانتهاكات والفظائع واسعة النطاق ذات الدوافع العرقية في الفاشر يتزايد يوما بعد يوم”. أفاد مكتبه باعتقال مئات الفارين. اعتقلت قوات الدعم السريع الصحفي معمّر إبراهيم في 26 أكتوبر.
الدعم السريع: سجل حافل بالفظائع
ولقوات الدعم السريع سجل حافل بارتكاب فظائع جماعية ضد المدنيين في أعقاب الانتصارات العسكرية. كانت هيومن رايتس ووتش قد وثّقت في يونيو 2023 أن قوات الدعم السريع وحلفاءها أطلقوا النار على قافلة تمتد كيلومترات من المدنيين ومقاتلي القوات المسلحة السودانية والجماعات المسلحة المتحالفة معها أثناء فرارهم من الجنينة، عاصمة غرب دارفور، ما أسفر عن مقتل أعداد كبيرة.
ففي نوفمبر 2023، قتلت قوات الدعم السريع مئات المدنيين في أرداماتا، إحدى ضواحي الجنينة، الملاذ الأخير للمساليت، عقب سيطرتها على حامية الجيش هناك.
خلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب واسعة في إطار حملة تطهير عرقي استهدفت المساليت وغيرهم من السكان غير العرب في الجنينة. سياق عمليات القتل وطبيعتها الواسعة النطاق والموجهة نحو إثنيات معينة يثيران أيضا احتمال أن تُشكل عمليات القتل هذه أفعال إبادة جماعية.
في أبريل 2025، وبينما كانت الأطراف الدولية تستعد لعقد مؤتمر حول السودان في لندن، نفذت قوات الدعم السريع هجوما واسعا على مخيم زمزم للنازحين، على بُعد 15 كيلومتر جنوب الفاشر.
وتجاهلت قوات الدعم السريع دعوات مجلس الأمن المتكررة لإنهاء حصارها للفاشر.
وجاء استيلاء قوات الدعم السريع على الفاشر في الوقت الذي كانت تجري فيه، وفقا للتقارير، محادثات غير رسمية بين الأطراف المتحاربة في واشنطن، برعاية الرباعية. في سبتمبر، دعت الرباعية الأطراف المتحاربة إلى تطبيق “هدنة إنسانية” لمدة ثلاثة أشهر أولية، للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى جميع أنحاء البلاد.
دعم عسكري من الإمارات
ومنذ بداية النزاع، أفاد خبراء الأمم المتحدة، وكذلك وسائل الإعلام والمنظمات الدولية، أن قوات الدعم السريع، على الرغم من سجلها الحقوقي المروع، تتلقى دعما عسكريا من الإمارات.
ووثّقت هيومن رايتس ووتش و”فرانس 24″ استخدام قوات الدعم السريع أسلحة كانت بحوزة الجيش الإماراتي سابقا.
وأفادت وسائل إعلام دولية وكولومبية بأن شركة مقرها الإمارات جنّدت ونشرت عسكريين كولومبيين سابقين في دارفور لتدريب مقاتلي قوات الدعم السريع والقتال في صفهم.
وتُظهر فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعي، تحقّقت منها هيومن رايتس ووتش وحدّدت مواقعها الجغرافية، مقاتلين أجانب يتحدثون بالإسبانية يشاركون في اشتباكات عنيفة بالأسلحة النارية في الفاشر.
عقوبات على قيادة الدعم السريع
ينبغي لـ مجلس الأمن أن يجتمع فورا مع السودانيين المتضررين بشكل مباشر من أحداث الفاشر، وأن يستمع إلى آرائهم، وأن يفرض عقوبات على قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو (المعروف بـ”حميدتي”)، وشقيقه، عبد الرحيم حمدان دقلو، نائب قائد قوات الدعم السريع، لارتكابهما انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي. كان عبد الرحيم في أرداماتا خلال الانتهاكات واسعة ضد المدنيين وفي محيط الفاشر، حيث كان يحشد القوات، قبل الهجوم الحاسم على مخيم زمزم.
ينبغي لـ “الاتحاد الأوروبي” والمملكة المتحدة ودول أخرى فرض عقوبات محددة الهدف على الرجلَيْن بشكل عاجل. ينبغي للإمارات استخدام نفوذها فورا لمطالبة قوات الدعم السريع بوقف هجماتها على المدنيين.
وقال بوريلّو: “على المجتمع الدولي أن يقول بوضوح لقيادة قوات الدعم السريع إن هجماتها على المدنيين ستكون لها عواقب وخيمة.
وعلى مجلس الأمن والدول الرئيسية التحرك فورا ضد هذا السلوك الإجرامي، بسبل تشمل فرض عقوبات على قيادة قوات الدعم السريع”.
نقلا عن هيومن رايتس ووتش
المصدر: صحيفة التغيير
 
									 
					