كتب : محمد أبو بكر



01:30 م


30/10/2025


تقع أطلال مدينة منف القديمة بقرية ميت رهينة التابعة لمركز البدرشين، والتي على بُعد نحو 25 كيلومترًا من مدينة الجيزة، وكانت من أبرز العواصم في التاريخ المصري القديم، حيث عُرفت المدينة قديمًا باسم “أنب حدج”، ثم أُطلق عليها “من نفر” في اللغة المصرية القديمة، وهو الاسم الذي اشتُق منه اسم “منف” الذي اشتهرت به، وتحول لاحقًا في اليونانية إلى “ممفيس”.

اكتشاف تماثيل رمسيس الثاني في ميت رهينة

اكتشف عالم الآثار الإيطالي جيوفاني باتيستا كافليليا، في عام 1820، تمثال الملك رمسيس الثاني المصنوع من الجرانيت الوردي، والذي يزن نحو 60 طنًا، حيث كان التمثال وقت العثور عليه مكسورًا إلى ستة أجزاء، وفاقدًا لقمته وأسفل التاج والقدمين، مع وجود كسر في الساق اليمنى.

وعثر كافليليا، في الموقع نفسه، على تمثال آخر لرمسيس الثاني راقدًا على ظهره، منحوت من الحجر الجيري، وكان مصابًا بكسر في القدم، ما جعله غير قابل للوقوف، وحاول محمد علي باشا حينها إهداء التمثال إلى بريطانيا، إلا أن المملكة رفضت بسبب صعوبة نقله لضخامته، فتم إنشاء مبنى خاص لحمايته.

من ميت رهينة إلى ميدان رمسيس

ظل التمثال، يرقد في أطلال منف لأكثر من 130 عامًا، إلى أن أمر الرئيس جمال عبدالناصر عام 1954 بنقله إلى القاهرة احتفالًا بالذكرى الثانية لثورة يوليو.

نقل تمثال الملك رمسيس الثاني (8)

وشهد عام 1955 تنفيذ قرار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بنقل تمثال رمسيس الثاني إلى ميدان باب الحديد في القاهرة، الذي تم تغيير اسمه إلى “ميدان رمسيس”.

وبدأ التفكير في نقل التمثال من ميدان رمسيس عام 1994 بعد تعرضه المستمر للتلوث البيئي والاهتزازات الناتجة عن حركة السيارات والمترو، حيث طُرحت عدة مقترحات لنقله إلى أماكن أخرى مثل ميدان الرماية أو أمام دار الأوبرا، إلا أن تلك المواقع لم تكن توفر الحماية الكافية من العوادم والتكدس، ليقع في النهاية الاختيار على موقع المتحف المصري الكبير بهضبة الأهرام.

نقل تمثال الملك رمسيس الثاني (5)

مشروع النقل الكبير عام 2004 إلى موقعه المؤقت بجوار المتحف الكبير

في عام 2004، أعلنت هيئة الآثار مناقصة مشروع فك ونقل تمثال رمسيس الثاني من ميدان رمسيس إلى موقعه المؤقت بجوار المتحف المصري الكبير، وفازت شركة المقاولون العرب بتنفيذ العملية، وجاء القرار لحماية التمثال من التلوث والاهتزازات التي كانت تهدد سلامته الإنشائية.

نقل تمثال الملك رمسيس الثاني (2)

وفي صباح 25 أغسطس عام 2006، بدأت عملية النقل التاريخية باستخدام أحدث الوسائل الهندسية، حيث تم تجهيز التمثال بغطاء حديدي قوي ورغوة مطاطية لحمايته، ثم ثُبت على جسر معلق يسمح له بالحركة بحرية أثناء الصعود والنزول عبر كوبري المنيب والطرق المنحدرة.

نقل تمثال الملك رمسيس الثاني (3)

واستخدمت القافلة قاطرتين احتياطيتين وعدة أوناش خاصة للطوارئ، واستغرقت الرحلة 11 ساعة كاملة، قُطع خلالها مسافة 30 كيلومترًا بسرعة متوسطة بلغت 5 كيلومترات في الساعة.

أضخم عملية نقل أثر في العصر الحديث

شهدت مصر في مشهد تاريخي استثنائي واحدة من أهم عمليات النقل الأثري في العالم، حيث استقر تمثال الملك رمسيس الثاني على عرشه في البهو العظيم بالمتحف المصري الكبير، بعد رحلة دقيقة ومليئة بالتحديات نفذتها شركة المقاولون العرب باستخدام أحدث التقنيات لضمان سلامة هذا الأثر الفريد الذي يجسد عبقرية الحضارة المصرية القديمة.

نقل تمثال الملك رمسيس الثاني (8)

نظام هندسي فريد لنقل التمثال إلى البهو العظيم

في عام 2018، أُسندت إلى شركة المقاولون العرب مهمة نقل التمثال من موقعه المؤقت إلى داخل البهو الرئيسي بالمتحف المصري الكبير، وهو ما تطلب إعداد فريق عمل متكامل من مختلف التخصصات الهندسية والفنية.

صورة أرشيفية للنقل الأول للمتحف الكبير

قام الفريق بدراسة الحالة الراهنة للتمثال بدقة، وجرى تغليفه لحمايته أثناء النقل، إلى جانب مراجعة وصيانة النظام الحامل له وإجراء اختبارات فنية متقدمة قبل بدء عملية الرفع والتحريك.

روافع هيدروليكية متزامنة بقدرة 600 طن

وتمت عملية نقل التمثال العملاق الذي يبلغ ارتفاعه أكثر من 9 أمتار ويزن نحو 83 طنًا، باستخدام نظامًا هندسيًا متطورًا يعتمد على أربع روافع هيدروليكية تعمل في اتجاهين وبشكل متزامن، تبلغ حمولة الواحدة منها 160 طنًا بإجمالي قدرة تفوق 600 طن، في حين يبلغ وزن التمثال ونظامه الحامل نحو 150 طنًا، ما وفر نسبة أمان وصلت إلى 300%.

نقل تمثال الملك رمسيس الثاني (7)

وتُعد هذه التقنية أول نظام من نوعه يُستخدم في مصر، إذ يتيح رفع التمثال باتزان كامل عبر نظام تحكم إلكتروني دقيق يمنع أي انحراف أو اهتزاز أثناء التحريك.

تجهيز المسار بعناية فائقة لنقل التمثال لمسافة 400 متر

امتد المسار المخصص لنقل التمثال لمسافة تقارب 400 متر داخل المتحف، حيث أجرت شركة المقاولون العرب أعمال رفع مساحي دقيقة، وحفريات بعمق 6 أمتار على طول المسار لضمان ثبات الأرض.

نقل تمثال الملك رمسيس الثاني (6)

وصُمم الطريق ليتحمل الوزن الكبير للتمثال ونظام النقل الذي يضم 128 عجلة موزعة على 16 محورًا لتوزيع الحمل بشكل آمن، كما أجريت اختبارات تحميل شاملة قبل بدء عملية التحريك الفعلية.

نقل تمثال الملك رمسيس الثاني (9)

بلغ وزن التمثال وحده المصنوع من الجرانيت الوردي نحو 83 طنًا، بارتفاع يزيد عن 11 مترًا، بينما وصل الوزن الكلي مع القاعدة إلى 123 طنًا.

وقامت المقاولون العرب بإجراء جسات عميقة بعمق 25 مترًا لتصميم القاعدة النهائية، ثم صب القواعد الخرسانية وتثبيت الركائز بدقة لضمان ثبات التمثال في وضعه النهائي داخل البهو العظيم.

رمسيس العظيم.. الملك الذي لا يُنسى

يُعد رمسيس الثاني، أو رمسيس العظيم، من أبرز ملوك مصر القديمة وأكثرهم تأثيرًا في التاريخ الفرعوني، إذ حكم البلاد بين عامي 1279 و1213 قبل الميلاد.

نقل تمثال الملك رمسيس الثاني (12)

وقاد رمسيس حملات عسكرية كبرى في النوبة وسوريا وكنعان، وانتصر في معركة قادش ضد الحيثيين، التي أسفرت عن توقيع أول معاهدة سلام في التاريخ.

كما ترك وراءه إرثًا معماريًا ضخمًا، أبرز معالمه معبد رمسيس في الأقصر ومعبد أبو سمبل الذي يضم تماثيل شاهقة يصل ارتفاعها إلى نحو 20 مترًا.

وتستعد مصر لحفل افتتاح المتحف المصري الكبير السبت المقبل، الموافق الأول من نوفمبر المقبل.

اقرأ أيضًا:

استعدادًا للافتتاح.. قناع توت عنخ آمون يُضئ سماء الأهرامات صور

صورة.. نص الدعوة الرسمية للرؤساء والملوك لحضور افتتاح المتحف المصري الكبير

أسعار ومقر بيع العملات التذكارية احتفالًا بافتتاح المتحف المصري الكبير

شاركها.