
صباح محمد الحسن
طيف أول:
للمعاني التي تلاشت في غسق الظلم، ولغيرها تلك المتعثرة فوق أشلاء الانتظار، تترقب أمنية يسيرة!!
وتضع الحربُ أطرافَ النزاع أمام مسؤولية إنسانية جسيمة، طالما أنها تجبر المواطن السوداني على الوقوف على حافة الموت في كل ساعة. مدن أنهكتها المعارك وشرّدت أهلها، وواقع مأساوي أليم، ولكن لا بد من نظرة وسط هذا الدمار والخسائر، بالوقوف أيضًا على رماد هذه المأساة.
فمنذ دخول قوات الدعم السريع إلى العاصمة الخرطوم، توالت الإدانات الرسمية والشعبية ضدها، وازدادت حدتها مع تمدد هذه القوات إلى ولاية الجزيرة، حيث تعالت المطالبات بتصنيفها جماعة إرهابية، بعد أن ارتكبت انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، وتكررت جرائمها لاحقًا في مدينة الفاشر، التي شهدت فظائع غير مسبوقة.
وفي ظل هذا التصاعد الدموي، يبرز سؤال جوهري: من يوقف هذا الخطر الداهم الذي بات يهدد المواطنين في مدن الحرب، وكذلك في المدن الآمنة، والتي قد تكون ضمن مخطط التوسع القادم الذي حملته خطابات قادة الدعم السريع بأن القادم أسوأ؟ فمتى تتجاوز السلطة الحاكمة دائرة الشجب والإدانة، لتنتقل إلى الفعل السياسي المسؤول؟ وهل سنظل نكرر بيانات الاستنكار مع كل ولاية تُستباح، أم أن الوقت قد حان لاختيار مسار آخر يضع حياة المواطنين في مقدمة الأولويات؟!
لقد تحولت ساحات القتال إلى مسارح عبثية، تُزهق فيها الأرواح على يد “المهرجين المجرمين”، الذين يمارسون القتل ببراعة وفن، وينتظرون التصفيق من جماهيرهم، في مشهد مأساوي يفتقر إلى أدنى درجات الإنسانية.
ويبقى السؤال الأكثر إلحاحًا: إلى متى سيظل الفريق أول عبد الفتاح البرهان متمسكًا برفضه للحل السياسي؟!
ولو تم تصنيف قوات الدعم السريع رسميًا كميليشيا إرهابية، هل سيوقف ذلك تمددها إلى ولايات جديدة؟ أم أننا سنعيد إنتاج ذات الشجب والإدانة، ونضيف أسماء جديدة إلى قائمة الضحايا؟!
إن وقف هذا النزيف لا يتحقق إلا بإعلان واضح وصريح من قائد الجيش عن استعداده الحقيقي للتفاوض، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والارتباطات التنظيمية. فالقائد الذي يبرر انسحابه من المعركة بحجة حماية المدنيين، عليه أن ينسحب أيضًا من تحالفاته التي تعيق الوصول إلى طاولة الحوار. فالانسحاب الأول عرّض آلاف الأرواح للخطر، أما الثاني فقد ينقذ آلافًا من الأبرياء في الولايات التي لم تصلها بعد نيران الحرب.
نحن أمام مسرح دموي مفتوح على كل الاحتمالات: ساحة فوضوية، خلافات بين القوات العسكرية، تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية، وانعدام الثقة بين القوى الميدانية، ما يجعل صوت التخوين أعلى من صوت الوحدة الوطنية. هذا الوضع الضبابي قد يفضي إلى واقع كارثي جديد، ربما يشهد مزيدًا من الفوضى التي قد تؤجج ضغائن التصفيات العشوائية أو الاغتيالات المنظمة، ما لم يُرجّح خيار السلام على ما سواه.
لكن هذا الخيار يواجه صراع عقلية قيادات تنظيم الإخوان، حتى لا يصبح أمرًا ممكنًا، لأنها تدرك أنها تقف الآن على نهاية الطريق، ولهذا لا تريد أن تُحرق وحدها، وتسعى إلى استغلال هذا الوضع لممارسة مزيد من العنف، خاصة وأنها عندما أشعلت فتيل الحرب، ما أشعلته إلا من أجل البقاء. وبعد أن أحرقت البلاد، لم يتبقَّ لها سوى أن… غير أن الحقد والغبن يدفعان الأبرياء من المواطنين إلى دفع أثمان باهظة، نظير فشلهم وزوالهم.
طيف أخير:
واشنطن بوست: مسؤولون من الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بحثوا في واشنطن، يومي الخميس والجمعة الماضيين، مع دبلوماسيين أمريكيين وقفَ نارٍ لثلاثة أشهر، وفقًا لمسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، أكد أن الطرفين “ما زالا يشعران بأن بإمكانهما تحقيق النصر”.
وهذا هو الاعتقاد الذي قتل آلاف الأبرياء.
نقلاً عن صحيفة الجريدة السودانية
المصدر: صحيفة التغيير