أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار مذكرة وزارية حديثة، موجّهة إلى رؤساء الجامعات والمؤسسات الجامعية، تدعوهم فيها إلى تقديم طلبات اعتماد وتجديد اعتماد مسالك التكوين برسم دورة 2025. وتندرج هذه الخطوة ضمن الدينامية الإصلاحية التي تنخرط فيها الوزارة لإعادة هيكلة العرض التكويني الجامعي، بما يستجيب للتحولات المجتمعية والمجالية وسوق الشغل، ويُعزّز مبادئ الجودة والنجاعة والتكامل داخل المنظومة.

وتنص المذكرة على ضرورة الالتزام بمجموعة من الضوابط البيداغوجية والإجرائية، من أبرزها الملاءمة بين أهداف المسالك المقترحة وحاجيات المحيط الاقتصادي والاجتماعي، وكذا مراعاة التوازن المجالي والنوعي في توزيع التكوينات، وتفعيل الطابع التشاركي مع الفاعلين المحليين والمؤسساتيين لضمان فعالية وجدوى المشاريع المقترحة.

وفقا للمذكرة التي توصلت جريدة هسبريس الإلكترونية بنسخة منها دعت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار إلى تفعيل دينامية تقييم عروض التكوين المعتمدة بالجامعات المغربية، في إطار دورة اعتماد وتجديد اعتماد مسالك التكوين برسم سنة 2025. وشددت المذكرة على ضرورة إيداع طلبات الاعتماد حصريا عبر المنصة الرقمية المخصصة لهذا الغرض، مع احترام معايير الجودة والملاءمة مع متطلبات سوق الشغل، وتوفير الوثائق البيداغوجية والتقنية المطلوبة داخل الآجال المحددة.

وفي هذا السياق حثّت وزارة التعليم العالي مؤسسات التعليم العالي على إعطاء أهمية خاصة للمسالك التي تعتمد مقاربات متعددة التخصصات، وتشجع التكوينات التي تواكب التحولات المتسارعة في سوق الشغل وطنياً ودولياً؛ كما أكدت على ضرورة تقديم ملفات دقيقة ومعلّلة تُبرز القيمة المضافة للمسالك الجديدة أو المجددة، ومدى انسجامها مع التوجهات الكبرى للسياسات العمومية في مجالات الرقمنة، والانتقال الطاقي، والتنمية المستدامة.

وتوصي المذكرة بإرفاق الطلبات بوثائق تبيّن آفاق إدماج الخريجين، والطاقات التكوينية المتوفرة، ومدى ربط التكوين بالبحث العلمي، مع التأكيد على تقوية آليات التتبع والتقويم المستمر، وتؤكّد بشكل كبير على ضرورة التزام مشاريع مسالك التكوين الجديدة بالضوابط البيداغوجية الوطنية، مع الحرص على انسجامها مع الأولويات الجهوية ومتطلبات سوق الشغل، بما يضمن لتلك المسالك طابعاً إستراتيجياً ووقعاً ملموساً على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.

كما تشترط الوثيقة إرفاق كل طلب اعتماد بوثيقة تصوّرية شاملة توضّح رؤية المؤسسة لعرض التكوين، ومدى ترابطه الداخلي وتكامله البيداغوجي، في خطوة تروم تعزيز جودة التكوين والرفع من فعالية الحوكمة الجامعية؛ مع ضرورة إرفاقه بجملة من الوثائق الأساسية، من بينها عقود العمل، الشهادات الجامعية، والسير الذاتية الخاصة بالمنسق البيداغوجي للمسلك وأعضاء الهيئة التربوية، فضلاً عن مستندات تُثبت التزام المؤسسة المعنية بضمان إدماج مهني فعّال لخريجيها، في ما يُعدّ شرطاً محورياً لتقييم جدية العرض التكويني ومردوديته على المستوى الوظيفي.

وينبغي، وفقًا لما تنص عليه الوثائق المرفقة بالمذكرة الوزارية الخاصة بدورة تقييم 2025، أن يخضع أي مشروع لمسلك تكويني جديد لتقييم داخلي أولي، يُجرى على مستوى المؤسسة الجامعية المعنية ثم الجامعة التابعة لها، قبل أن يُرفع الملف إلى وزارة التعليم العالي. وتُعد هذه الخطوة ضرورية لضمان توافق المشروع مع المعايير الأكاديمية والجودة البيداغوجية المطلوبة، وكذا لتفادي تقديم ملفات غير مكتملة أو غير منسجمة مع والفعلية للتكوين وسوق الشغل.

ويفرض توصيف المسلك المعتمد أن يُدرج ضمن تصور متكامل لتحسين الجودة بشكل مستمر، لا يكتفي بالامتثال للمعايير الوطنية المعتمدة، بل يتطلّب كذلك وضع آليات دقيقة لمتابعة مدى نجاعة التكوين وتقييمه في كل مرحلة. وتشمل هذه الآليات مؤشرات أداء محدّدة تُرصد على المدى القريب والمتوسط، بما يسمح بتتبع تطور المسلك وقياس مدى تحقيقه الأهداف البيداغوجية والمهنية المنشودة، في انسجام مع التحولات التي تعرفها بيئة التكوين العالي ومتطلبات مواكبتها.

وتُلزم المذكرة الوزارية كل مؤسسة جامعية بإعداد تقرير تقييم ذاتي خاص بمسلك التكوين المقترح، يُبرز بشكل دقيق عناصر القوة والضعف الداخلية، ويرافقه مخطط عمل تصحيحي يُفَعَّل عند الاقتضاء. وتُعتبر هذه الآلية جزءًا من مقاربة الجودة والتطوير المستمر، التي تهدف إلى ترسيخ ثقافة التقييم الذاتي والتحسين المؤسساتي داخل منظومة التعليم العالي، بما يضمن ملاءمة التكوينات لطموحات الإصلاح الجامعي ومتطلبات المرحلة.

كما تُلزم الوثيقة المؤسسات الجامعية بإعداد خطة متكاملة لضمان الجودة، تتضمّن آليات لتقييم المضامين البيداغوجية والدروس النظرية، وتنظيم أنشطة المختبرات، وتأطير تنقلات الطلبة، فضلاً عن تتبّع مشاريع نهاية التكوين. ويأتي هذا التوجيه في إطار ترسيخ منهج التحسين المستمر لجودة العرض التكويني الموجّه للطلبة.

وفي تعليقه على الموضوع أوضح مصدر مسؤول بوزارة التعليم العالي لجريدة هسبريس الإلكترونية أن المذكرة الوزارية الأخيرة تركّز بشكل خاص على إصلاح وتأهيل مسالك سلك الماستر، باعتبارها تشكّل الحلقة المفصلية بين التكوين الأساسي والبحث العلمي من جهة، وبين التأهيل المهني والتفاعل مع متطلبات سوق الشغل من جهة أخرى.

وشدّد المصدر ذاته على أن المادة الثالثة من الوثائق المرافقة للمذكرة تُبرز هذا التوجّه بوضوح، حيث تم التأكيد على ضرورة ملاءمة التكوين في الماستر مع التغيرات التي يعرفها المحيط السوسيواقتصادي، من خلال تعزيز المقاربات البيداغوجية، وضمان فعالية الإشراف العلمي، وتقوية الصلات بين الجامعة ومحيطها المؤسساتي والمهني.

وأشار المتحدث إلى أن الوزارة تراهن على هذا الورش كخطوة أولى نحو إعادة هيكلة عميقة لمنظومة التعليم العالي، بشكل يجعل سلك الماستر فضاءً حقيقياً للتفوق الأكاديمي، والبحث المبتكر، والتكوين المندمج القادر على إنتاج كفاءات عالية التأهيل، قادرة على الاندماج والمساهمة في تنمية البلاد.

المصدر: هسبريس

شاركها.