منتدى الإعلام السوداني
أمل محمد الحسن
نيروبي، 29 أكتوبر 2025 (التغيير) ينتظر علي عبد الرحمن الشهير بـ “كوشيب” العقوبة المقرر صدورها في 17 نوفمبر المقبل بعد أن تمت إدانته من قبل المحكمة الجنائية الدولية في 6 أكتوبر الجاري ب 27 تهمة، تشمل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية تتضمن القتل والاغتصاب واضطهاد المدنيين في إقليم دارفور.
وأعرب مكتب المدعي العام عن توقعه بأن تصل العقوبة للسجن مدى الحياة، مشيرا في مؤتمر صحفي عقد عبر الوسائط في 8 أكتوبر إلى أنه سيتم نقله لدولة أخرى ليقضي بها عقوبة السجن.
وبدأت محاكمة كوشيب بعد أن سلم نفسه في أفريقيا الوسطى في يونيو من العام 2020 استنادا إلى مذكرة التوقيف الصادرة في حقه من الدائرة التمهيدية الأولى في المحكمة الجنائية الدولية في 27 أبريل 2007، والتي ارتبطت بالقيادي في حكومة البشير؛ أحمد هارون.
فظائع كوشيب
ما زال ظهر وأقدام “آدم”، اسم مستعار، أحد سكان محلية مكجر تحمل علامات المكواة التي حرق بها في العام 2004. وكانت قوات علي كوشيب، ألقت عليه القبض بتهمة تبعيته لقوات (عبد الواحد محمد النور) وقامت بتعذيبه عبر حرقه بالمكواة الساخنة “المكواة التقليدية التي يتم تسخينها بالفحم” والقفز على بطنه حتى خرجت أمعائه منها.
بعد مضي أكثر من عشرين عاما على تلك الحادثة، ما زال “آدم” الذي وصل عقده السادس يعاني من آثار التعذيب ولا تغادره آلام البطن.
هذا ما ذكرته المدافعة عن حقوق الإنسان والموثقة لانتهاكات مكجر، بدور زكريا لـ “التغيير”. مؤكدة أن قصص الضحايا وأسرهم لا عد لها ولا حصر، وأن القضية في المحكمة تناولت انتهاكات كوشيب في أزمان وأماكن محددة، فيما هناك الكثير من الأحداث التي لم تسرد بعد.
وقالت زكريا لـ “التغيير” إن قصة “آمنة” زوجة أحد العمد لن تخرج من ذاكرتها، ففيما علمت المنطقة وفاة زوجها من ساعته “السيكو” المشهورة ملقية على (خور كوشيب)، تعرضت قواته لها بعد أن عرفوها زوجة العمدة وهي تحاول الهرب من (مكجر) واضعة أطفالها على ظهر حمار، وضربوها بالدبشك “مؤخرة البندقية” على رأسها حتى غابت عن الوعي.
“عندما نزعت الثوب عن رأسها وجدت دائرة من الصلع في منتصفه، منطقة الضرب لم يقم فيها الشعر مجددا” وواصلت بدور زكريا تقول: يبدو أن مقتل زوجها والضرب الذي تعرضت له في الرأس أثر على ذاكرتها، لم تعد الأحداث السابقة واضحة في ذهنها.
معالم شاهدة على الوحشية
خور كوشيب الذي يقع في الاتجاه الجنوبي الشرقي لمحلية مكجر، بالقرب من مقر اليوناميد سابقا، يعتبر أحد المعالم الشاهدة على الوحشية التي تعامل بها قائد الجنجويد ضد المواطنين المحليين حيث كان يقود الرجال هناك ليقوم بتصفيتهم ودفنهم.
بالقرب من الخور الشهير؛ تقع مقابر إبادة جماعية أخرى تشاهدها أثناء خروجك من مكجر في الاتجاه نحو (قارسيلا). كانت هناك جهود محلية لعمل سور حوله تخليدا لذكرى الضحايا قطعها انفجار حرب أبريل 2023.
قالت بدور زكريا إن الهجمات التي قام بها كوشيب في منطقة مكجر والمناطق الأخرى تمت بتعليمات مباشرة من القيادي في المؤتمر الوطني المحلول أحمد هارون، ودعم من حكومة البشير.
ووفق المعلومات التي حصلت عليها من الناجين فإن المنطقة شهدت عددا من الهجمات الشهيرة بدأت في أغسطس من العام 2003 ثم هجوم آخر في فبراير من العام 2004 وهجوم آخر في مارس من ذات العام، مشيرة إلى أن الاستهداف كان يقصد مناطق سيطرة رئيس جيش حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور.
مجرم يحمل فأسا
وقالت زكريا إن أغلب الهجمات كانت تتم عبر الجمال والحصين والمواتر مع وجود عدد قليل من السيارات فيما كان يستخدم الكلاشات والدوشكا والاربجيهات.
“الفور ومالهم ملك لكم” كانت هذه عبارة شهيرة لدى كوشيب، يمنح بها الإذن لقوات الجنجويد لنهب جميع الممتلكات وممارسة الاضطهاد والاغتصابات الجماعية والقتل والتعذيب وفق شهود العيانالذين قالوا إنه اشتهر كذلك بحمله فأسا يضرب به الناس في أي منطقة في الجسد، ونقلت زكريا عن شهود عيان أنه كان يجبر الرجال الاستلقاء على بطونهم حتى تهبط المروحية التي كان يصل بها أحمد هارون إلى المنطقة ويقومون بذات طابور الاستلقاء لدى الإقلاع في مشاهد لفرض القوة والسيطرة وإذلال القبائل المتهمة بالتمرد على الدولة.
صنوف من التعذيب
من أشهر طرق التعذيب التي كانت تمارسها قوات كوشيب على سكان مكجر وبنديسي ودليج وكدوم “المناطق محل التحقيق والتهم في الجنائية” أنهم يقومون بإشعال النار في قوارير بلاستيكية ثم يقومون بتنقيط السائل المشتعل في أجساد الناس العارية.
كما كان يتم حرق الأجساد بالمكواة الحديدية الساخنة وحلق الرأس بشظايا الزجاج، والبعض كان يموت من اكتظاظ السجون وانعدام الاوكسجين فيها.
“طيارة قام” كانت طريقة تعذيب تقتل المعتقلين الذين لا يتحملون تكرارها 3 مرات، وكانت طريقة التعذيب تتم عبر ربط المعتقل وانزاله مقلوبا رأسه للأسفل واقدامه للأعلى وأرجحته.
ووفق ما ذكرت المدافعة عن حقوق الإنسان أنها التقت “يحيى”، اسم مستعار، من الناجين بأعجوبة من طريقة التعذيب تلك حتى المرة الخامسة التي أدخلته في غيبوبة عندما فاق منها وجد 3 مساجين كانوا يعذبون بذات الطريقة قد فارقوا الحياة.
ذراع السلطة
كوشيب الذي قاد قوات الجنجويد في مناطق (وادي صالح) مثل ذراعا رسميا لحكومة عمر البشير لجهة أنه كان أحد قوات الاحتياط المركزي، وكان يحمل رتبة صول وفق مدير مركز السودان لحقوق الإنسان والمحامي منعم آدم، الذي أكد تحوله لقائد مليشيا قبلية بعد مغادرته للقوات الرسمية استهدف مكونات الفور والزغاوة والمساليت.
وفرت حكومة البشير الحماية لكوشيب على الرغم من توصل تحريات أول مدعي عام للجنائية لويس مورينو أوكامبو إلى وجود جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وأعمال جريمة الإبادة الجماعية التي تمت في إطار ما يعرف بسياسة الأرض المحروقة، وفق رئيس هيئة محامي دارفور صالح محمود.
وقال محمود في حديثه لـ التغيير”إن رفض البشير تسليم كوشيب وأحمد هارون جعل الجنائية توجه له تهم إعاقة العدالة الدولية وتم اعتباره شريكا أساسيا في جميع الجرائم”.
وحمل محمود نظام البشير وحكومة الإئتلاف العسكريةالمدنية بعد الثورة مسؤولية تعطيل العدالة في جرائم دارفور لرفضها تسليم عمر البشير وأحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين وعلي بندة.
وقال محمود إن عدم تسليم المطلوبين يعد نقطة سالبة في سجل المكون المدني برئاسة عبد الله حمدوك الذين تجاهلوا صرخات الضحايا.
وأضاف: مازال المطلوبين طلقاء ويحظون بحماية حكومة بورتسودان ولابد من انتظام القوى المدنية في حملة طويلة وواسعة لاجبار الحكومة على تسليم المطلوبين.
“عند صدور قوائم جديدة ينبغي أن نكون مستعدين لإجبار أي حكومة؛ سواء حكومة الأمر الواقع في بورتسودان أو نيالا على الإسراع بتسليم المطلوبين”.
الجيش يحمى المجرمين
اتفق مدير مركز السودان لحقوق الإنسان مع ما ذهب إليه محمود حول تواطوء القائمين على السلطة الحالية مع المطلوبين لدى الجنائية محملا قيادة الجيش المسؤولية.
وقال آدم لـ التغيير إن سحب ترخيص مراسلة قناة العربية بعد تقريرها الذي كشف في الشهر الماضي موقع البشير هو أحد مؤشرات رفض حكومة بورتسودان التعاون مع الجنائية.
ووصف آدم محاكمة كوشيب بأنها محاكمة للنظام السابق الذي ينتمي له الجيش والذي استخدم الجنجويد كذراع لضرب القبائل ذات الانتماء الافريقي، وأشار إلى الفهم الخاطئ لدى حكومة بورتسودان التي أرسلت وفودا لحضور المحاكمة ظنا منها أنها محاكمة للدعم السريع.
” قاضية المحكمة الرئيسة تحدثت بوضوح عن أن التعليمات كانت تصدر من البشير وهارون لكوشيب”.
من جهة ثانية يؤكد المحامي منعم آدم على أن اسلوب الجرائم التي ارتكبها كوشيب تشبه أسلوب جرائم الدعم السريع خلال الحرب الحالية خاصة في الفاشر ومناطق أخرى مع وجود حملات إعلامية تتحدث عن ذهاب الدعم السريع للشمالية ومروي. “هذا أسلوب خطاب كراهية خطير جدا سيقود مستقبلا الى محاكمات لمنسوبي الدعم السريع”.
صمت مخزي
فور صدور حكم الإدانة في مواجهة كوشيب؛ انهالت بيانات الترحيب فيما خرجت مسيرات في عدد من معسكرات النزوح بدارفور مهللة للقرار ومطالبة بتسليم المطلوبين الآخرين.
إلا أن السلطة في بورتسودان والإسلاميين والحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش آثروا الصمت إلا من منشور كتبه قائد حركة جيش تحرير السوداني مني أركو مناوي في اليوم التالي لصدور القرار لم يشر فيه من قريب ولا بعيد لضرورة تسليم البشير والمطلوبين الآخرين.
وقال المحلل السياسي محمد لطيف إن موقف الحركات المسلحة من القرار كشف حقيقة التناقض الذي تعيشه الحركات ذات المواقف غير المبدئية والتي لا تعبر عن مصالح مواطني دارفور.
واتهم لطيف الحركات بتحقيق مكاسب ضخمة من خلال اتفاق السلام باسم إنسان دارفور شملت حصولهم على مناصب والسيطرة على الاقتصاد السوداني فيما لم يستفد مواطن دارفور أصلا على الرغم من المبالغ الضخمة التي تلقاها قادة الحركات خاصة جبريل ومناوي.
وأعرب لطيف في حديثه مع (التغيير) عن استغرابه من صمت الحركات عن إدانة كوشيب التي هي في الأساس إدانة ضد الانتهاكات التي ارتكبت في دارفور “أبسط شيء أن تصدر هذه الحركات بيانا يؤيد الحكم ويطالب بمزيد من العقوبات”، مشددا على أن الصمت يؤكد أن المواطن لم يكن همهم.
وحول موقف الإسلاميين أكد لطيف أن موقفهم منذ بداية إجراءات المحكمة معلن واعتبروها استهدافا للسودان ولا يمكن أن نتوقع منهم تأييدا لها بأي حال من الأحوال. وقطع لطيف بأنهم تفاجأوا بالحكم لأنهم راهنوا على ان الاتهامات مفبركة من المعارضة.
وقطع لطيف بأن حكم المحكمة الجنائية الدولية يعتبر إدانة لكل النظام السابق لأن محكمة بهذه الشفافية والعدلانية لن تصدر حكما جائرا.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد صحيفة (التغيير) لتوثيق المحاكمة التي جرت للمتهم علي كوشيب على الجرائم التي ارتكبها في دارفور قبل 20 سنة. وتذكرنا المادة بأهمية التوثيق لمحاصرة الجرائم وتؤكد أن الأفعال الجنائية لا تنتهي بالتقادم.
المصدر: صحيفة التغيير