أمد/ منذ سنواتٍ طويلة، وأهل غزة يعيشون بين قراراتٍ تُتخذ باسمهم، دون أن يكون لهم فيها رأيٌ أو خيار.
الخطط تُرسم في العواصم البعيدة، والاتفاقيات تُوقّع على طاولاتٍ لا مقعد لغزّيٍّ واحدٍ حولها.
واليوم، مع بدء تنفيذ الخطة الجديدة ووقف الحرب، يطفو على السطح سؤال أكبر من كل البنود السياسية:
هل يُسمح لأهل غزة أن يقرروا مصيرهم فعلاً؟
الحق في أن يُسألوا
غزة ليست مجرد عنوانٍ للأزمات، ولا رقعةٍ جغرافية تُدار كملفٍ أمني.
إنها بيتٌ لمليوني إنسانٍ من لحمٍ ودم، من حقهم أن يُسألوا عمّن يحكمهم، ومن يدير حياتهم، وكيف يعيشون غدهم.
هل يمكن أن تُقام إدارة انتقالية من دون أن تُستفتى إرادة الناس؟
هل يمكن أن يُنزع سلاح المقاومة، أو يُبقى، من دون أن يُسمع صوت من قدّم أبناءه شهداء تحت القصف؟
أليس من أبسط مبادئ العدالة أن يكون لأهل غزة كلمةٌ في ما يخصهم؟
أن يقرروا بأنفسهم شكل حكمهم، ونمط أمنهم، ومستقبلهم؟
الاستفتاء… الغائب الحاضر
في كل حديثٍ عن “خطة سلام” أو “مرحلة انتقالية”، يُذكر المجتمع الدولي، وتُذكر القوى السياسية، لكن لا يُذكر الناس.
الناس الذين دفعوا الثمن الأكبر، والذين ينتظرون الآن أن يُسمع رأيهم لا أن يُملى عليهم ما يجب أن يكون.
أليس من الممكن أن يُجرى استفتاء حرٌّ ونزيه يُعبّر فيه الغزيون عن موقفهم من الإدارة القادمة، ومن شكل الحكم، ومن قضية نزع السلاح؟
ربما يكون ذلك الطريق الوحيد لتجنّب الانفجار القادم، لأن من يُقصى عن القرار، لا يمكن أن يشعر بالالتزام به.
القرارات التي تُفرض من الخارج تخلق هشاشةً دائمة، أمّا التي تنبع من الناس فتصنع استقرارًا حقيقيًا.
صوتٌ لا يجب أن يُهمَل
إنّ أهل غزة ليسوا أرقامًا في تقارير الإغاثة، ولا موضوعًا في نشرات الأخبار.
إنهم بشرٌ يملكون وعيًا سياسيًا عميقًا، يعرفون تمامًا ماذا يريدون، وما الذي ضحّوا من أجله.
منهم من يرى في نزع السلاح طريقًا للهدوء، ومنهم من يراه خيانةً لدماء الشهداء.
لكن ما يجمعهم جميعًا هو شعورٌ واحد: أنهم يريدون أن يُستشاروا.
أن يكون لهم صوتٌ حقيقيّ، لا أن يُتحدث عنهم بلغة الوصاية، وكأنهم قاصرون عن تقرير مصيرهم.
الخاتمة: من حقهم أن يقرروا
الحديث عن غزة يجب أن يبدأ من داخلها، لا من خارجها.
عن الناس لا عن الفصائل، عن الإرادة لا عن النفوذ، عن المستقبل لا عن الترتيبات المؤقتة.
ومن دون إشراك أهل غزة فعليًا في كل ما يُخطط لهم، ستبقى أي خطةٍ سلامٍ معلقة في الهواء، بلا جذورٍ تمتد في الأرض.
غزة لا تطلب المستحيل؛
كل ما تريده أن يُعترف بها كصاحبة حقٍّ في تقرير مصيرها،
أن يُسمع صوتها في القضايا التي تُحدّد شكل حياتها،
وأن يُقال للعالم أخيرًا:
“هؤلاء الناس ليسوا موضوعًا للنقاش… إنهم أصحاب القضية.”
