
صفاء الزين
الحروب لا تقتل الجسد فحسب، إلا أنها تمتد لتستولي على العقل والوعي وعبر التاريخ استخدم المستفيدون من الحرب أدواتٍ متطورة لتوجيه وعي الشعوب لصالح أهدافهم، فحوّلوا الرأي العام إلى أداة تنفيذية لأجندات لا تخدم الناس، ولكن مصالح من يسيطر على آلة الحرب كما أن الدعاية الحربية ليست مجرد صورٍ وشعارات إنها عملية منهجية لتجيير الوعي الجماعي تجعل المجتمعات تعيد إنتاج العنف، وتبرّره أحيانًا لأجيالٍ قادمة.
يبدأ الأمر بصناعة السرد وتطييف الآخر فتجيير الوعي يبدأ بصياغة سرديات مغرضة تُصور الطرف الآخر كعدو دائم، وتخلق شعورًا بالخطر المستمر وعبر الإعلام الرسمي والمنابر ووسائل التواصل تُزرع صور مبسطة عن الصراع يُستبعد فيها التعقيد الإنساني، ويقلّص فيها دور الحوار والتفاهم والنتيجة أنّ الفرد لا يرى الحقائق كاملةً، وإنما يعيش في فقاعات من الغضب والخوف تتغذى على القوالب النمطية والتحريض، حتى يصبح العنف مشروعًا أخلاقيًا في ذهنه.
المشروع المهيمن هو إعادة تشكيل الهوية الجماعية؛ لأن الدعاية الحربية الناجحة لا تكتفي بتوجيه السلوك الفردي، ولكنها تعيد تشكيل الهوية الجماعية، فتتحول المجتمعات إلى «نحن» و«هم» وتُقنّن الكراهية بوصفها أداة حماية وهنا لا يُستغل الانقسام فقط لتبرير الحرب لأنه يتم تحويل الألم الجماعي إلى مصدر قوةٍ للمستفيدين من النزاع الذين يتحكّمون في أدوات السرد، ويستثمرونها سياسياً واقتصادياً.
غاية هذا المشروع هي الاستحواذ على المشاعر واليوميات؛ لأن توجيه الوعي عندهم لا يتوقف عند الفكر، ولكنه يتجاوز ويمتد إلى الشعور والتجربة اليومية في الرسائل المتكررة والرموز والمراسم الحربية تعيد إنتاج الخوف والغضب، وتجعل التفاعل مع الحرب جزءًا من الحياة اليومية حينئذٍ يصبح الوعي الشعبي موجّهًا لأهداف لم يخترها الناس، ويغدو المجتمع رهينةً لسرديات لا تنبع من تجربته أو مصالحه.
واجب السلعة هو مقاومة الدعاية بأدوات التحرر وفهم هذه الآليات هو الخطوة الأولى لتحرير المجتمع من هيمنة الدعاية. العدالة الإعلام المستقل التعليم النقدي وفتح مساحات للتعبير عن الحقيقة بجميع أوجهها هي أدوات تمكّن الأفراد والجماعات من استعادة وعيهم وحريتهم وتمكين المجتمع من التمييز بين مصالحه الحقيقية والمصالح المزيفة المغلّفة بالعاطفة والحرب هو الطريق لإعادة بناء سردٍ وطني يعزز السلم والعدالة لا الانقسام والعنف.
أخيرا إن تجيير الوعي الجماعي لصالح الحرب هو شكل من أشكال العنف العميق؛ لأنه يزرع بذور الكراهية في العقل قبل أن تطال الجسد وأي مقاومة فعّالة لهذا العنف تبدأ بإدراك آليات السيطرة على الفكر ثم بتعليم الأجيال كيف يفكرون بحرية، وكيف يعيدون صياغة سردياتهم بما يخدم السلام والعدالة لا الحرب والانقسام.
المصدر: صحيفة التغيير