لم يمر اختتام الدورة الخامسة والعشرين من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة بهدوء، بل خلف وراءه موجة من التساؤلات الحادة حول واقع السينما المغربية واتجاه بوصلتها الإبداعية بين أفلام حصدت الجوائز وأثارت الجدل في الوقت نفسه، وواقع فني يراوح مكانه بين الطموح والخيبة.
وأثار فوز فيلمين مغربيين هما “في حب تودا” للمخرج نبيل عيوش، الذي يدور حول عالم الشيخات، و”البحر البعيد” للمخرج سعيد حميش، الذي يتناول موضوع الهجرة والشذوذ الجنسي، بأربع جوائز لكل واحد منهما في ختام المهرجان، وهما إنتاج مشترك مع دول أوروبية، نقاشا واسعا بين النقاد والمهتمين بالفن السابع.
وفتح فوز الفيلمين الحديث حول التفاوت الواضح بين الإنتاجات الوطنية الصرفة “الهشة” وذات الإنتاج المشترك، وكذا أسئلة عميقة تتعلق بالتوجه الذي باتت تسلكه السينما المغربية، ومدى قدرتها على الحفاظ على سيادتها السردية وهويتها الثقافية في مواجهة موجة التمويلات الأجنبية.
ويرأى البعض أن الجوائز لم تُتوج أفلاما فنية بقدر ما كشفت اتجاها جديدا للسينما الوطنية، يثير القلق حول طبيعة الرسائل التي تُنقل باسم المغرب إلى العالم.
ودق عدد من النقاد ناقوس الخطر بشأن ما وصفوه بـ”تآكل السيادة السينمائية” في مقابل “ضعف” الإنتاجات المحلية، مؤكدين أن هذه الأعمال المغربية المشتركة، رغم قيمتها التقنية العالية، بعيدة عن الهوية المغربية، وخاضعة في جوهرها لضغوط الإنتاج المشترك وشروط الممولين الأجانب، مطالبين بضرورة العودة إلى أفلام تعكس الوجدان المغربي وتدافع عن خصوصيته الثقافية، بدل تلك التي تُرضي ذائقة لجان التحكيم في المهرجانات الأوروبية.
وفي هذا السياق، عبر الناقد السينمائي فؤاد زويريق، عن خيبة أمل كبيرة من مخرجات الدورة الحالية للمهرجان الوطني، متسائلا بمرارة:“اختتمت فعاليات الدورة 25 من المهرجان الوطني للفيلم بطنجة، فماذا بعد؟ هل نسعد أم نحزن؟ ربما يسعد ويرقص فرحا أولئك الذين فازوا بالجوائز، فهنيئا لهم سعادتهم ورقصهم، وماذا عنا نحن المتابعون، الغيورون على سينمانا؟”.
واعتبر زويريق، أن السينما المغربية مازالت تبحر ضد التيار “بأشرعة بالية”، على حد وصفه، مشيرا إلى أن هناك قرارات خاطئة جعلتها تفقد بريقها وتتحول إلى مرآة باهتة لماض أكثر إشعاعا.
وعاد الناقد بذاكرته إلى سبعينيات القرن الماضي، حين شهدت الساحة المغربية بدايات احترافية حقيقية، “كانت أكثر تجريبا وجدية مما نشهده الآن”، لكنها، كما يقول، “جوبهت بالقمع والعرقلة من طرف الدولة، التي أجهضت التجربة في مهدها عبر التضييق أو الإغراءات بالدعم المشروط”.
وقال زويريق، إن الدعم السينمائي الذي كان يفترض أن يشكل رافعة للإبداع تحول مع مرور الزمن إلى أداة لترويض المخرجين، وأنتج ما سماه “نقلة سلبية” في مسار السينما المغربية، بحيث “ضاعت التجربة الأصلية وخفت نورها بتدخل الدولة وانحسار اليسار”.
وأضاف: ” السينما آنذاك كانت تحمل مشروعا ثقافيا بديلا، “تغوص في هموم المجتمع وتواجه النظام بشجاعة، سواء بشكل مباشر أو عبر الرمز والإسقاطات”، وكانت الأندية السينمائية تلعب دورا محوريا في ترسيخ الوعي الثقافي لدى الجمهور والمبدعين، فخلقت جيلا من المخرجين والنقاد “كانوا على قدر من الثقافة والوعي السينمائي الحقيقي”. غير أن هذه التجربة انتهت بتدجين السينما وتحويلها إلى “منظومة أليفة لا مشروع لديها ولا طموح”، وفق تعبيره.
وتابع ذات المتحدث: “ما تطور في السينما المغربية هو التقنيات فقط، لكن التقنيات لا تصنع سينما، معظم المخرجين اليوم، إلا من رحم ربي، مجرد سماسرة لا يملكون موقفا أو ثقافة أو موهبة، جل اهتمامهم مراكمة جوائز المهرجانات التافهة والحصول على الريع والدعم”.
ويرى زويريق، أن السينما المغربية تواجه اليوم أزمات عميقة على المستويين الإبداعي والفكري، إلى جانب مشاكل في البنية التحتية والإنتاج، وغياب الرؤية الواضحة والنقد الجاد والتأريخ والمحاسبة، فضلا عن ضعف الحوار بين مختلف الفاعلين.
ويؤكد الناقد السينمائي على أن الكم طغى على الكيف، وأن الدولة مازالت تمسك بخيوط اللعبة عبر مجموعة من “الخطوط الحمراء”، مشيرا إلى أن الإصلاح والتطور أعمق من الأشخاص، لأن الأمر“يتعلق ببنية بيروقراطية كاملة تحتاج إلى الهدم وإعادة البناء من الجذور، كما حدث في كرة القدم”.
المصدر: العمق المغربي
