المشاركة السياسية… أبعد من صندوق الاقتراع
مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية في شتنبر 2026، يتعاظم واجبنا الأخلاقي والسياسي في تجاوز “الوعود الفارغة” و”لغة الخشب” التي اعتادت الأحزاب تقديمها للأشخاص في وضعية إعاقة. إن اختزال المشاركة السياسية لهذه الفئة، التي تُمثل أكثر من 6.8% من السكان، في مجرد الحق في التصويت أو في مبادرات موسمية، يُعد خرقاً صريحاً للحقوق التي يكفلها الدستور المغربي وتؤكد عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
إن المشاركة الحقيقية ليست مَنّاً، بل هي حق أساسي يجب أن يتحول إلى سياسات مُلزمة وقابلة للتنفيذ فوراً، لا أن تُؤجَّل إلى ما بعد انتهاء الحملات. هذه المشاركة يجب أن تكون مُتعددة الأبعاد، تشمل ضمان وصولهم إلى مراكز القرار واستثمار كفاءاتهم في كافة مجالات الحياة العامة، بعيداً عن حصرهم في الدفاع عن “قضيتهم” فقط.
إن اختزال المشاركة السياسية للأشخاص في وضعية إعاقة في مجرد الحق في التصويت يُعد نظرة ضيقة ومحدودة لا تفي بحجم هذه الفئة ولا تستجيب للحقوق التي يكفلها الدستور المغربي وتؤكد عليها الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صادق عليها المغرب. إن هذه المشاركة ليست مسألة ظرفية أو مناسباتية تثار فقط مع قرب المواعيد الانتخابية، بل هي حق أساسي ومُتعدد الأبعاد يمثل أساساً لديمقراطية حقيقية وشاملة.
يُمثل الأشخاص في وضعية إعاقة ما يزيد عن 6.8% من السكان، أي أكثر من 2.2 مليون شخص، وتصل النسبة إلى حوالي 25% عند احتساب أُسرهم. لذا، فإن تهميش هذه الشريحة هو تهميش لربع المجتمع، ويُشكل عائقاً أمام أي عملية تنموية شاملة.
أبعاد المشاركة الشاملة ومتطلباتها
المشاركة الحقيقية تقتضي تجاوز “التصويت” لتشمل الأبعاد التالية:
1. ضمان ظروف مُيسّرة لممارسة الحق في التصويت، بما يشمل إمكانية الوصول إلى المرافق والمواد الانتخابية.
2. فتح الباب واسعاً للمشاركة داخل الهيئات والأجهزة السياسية والنقابية والمجتمع المدني.
3. تعزيز الحق في الترشيح والوصول إلى مناصب القرار والمواقع القيادية.
4. اعتبار قضيتهم أولوية حقيقية ومُستدامة ضمن البرامج السياسية للأحزاب، وليس بنداً ثانوياً.
كسر القيد: الاستفادة من الكفاءات المُتنوعة
لقد آن الأوان للقطع مع حصر مشاركة الأشخاص في وضعية إعاقة فيما يتعلق فقط بقضاياهم الخاصة. يجب النظر إليهم كـكفاءات وطاقات يُمكن الاستفادة من خبراتها المتنوعة في شتى المجالات الحيوية للمجتمع المغربي، كالتعليم، والاقتصاد، والصحة، والبيئة، والمساهمة في صُنع القرار العام بشكل فاعل وكامل.
الإطار القانوني: التزام دستوري ودولي
لقد أولى الدستور المغربي لعام 2011 اهتماماً خاصاً بقضية الإعاقة، حيث نص تصديره على حظر ومكافحة كل أشكال التمييز على أساس الإعاقة. كما ألزم الفصل 34 السلطات العمومية بوضع وتفعيل سياسات موجهة لهذه الفئة.
أما على الصعيد الدولي، فالمغرب مُلزم بتطبيق المادة 29 من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تضمن:
• الحقوق السياسية وفرصة التمتع بها على قدم المساواة مع الآخرين.
• ضمان أن تكون إجراءات التصويت ومواده مُيسرة وسهلة الفهم.
• حماية حق التصويت السري وحق الترشح والتقلد الفعلي للمناصب العامة.
• تسهيل استخدام التكنولوجيا المساعدة لدعم المشاركة.
• تشجيع المشاركة الفعالة والكاملة في إدارة الشؤون العامة وأنشطة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
التحديات العملية والولوجيات المُتعددة
إن الوصول إلى المشاركة الفعالة يتطلب معالجة التحديات العملية التي تتجاوز الإعاقة الحركية (الفيزيائية) لـتشمل
• الإعاقات السمعية: غياب لغة الإشارة في الحملات الانتخابية والمناظرات.
• الإعاقات البصرية: نقص بطاقات الاقتراع بـتقنية برايل أو الوسائل المُيسرة الأخرى.
• الولوجيات المكانية: عدم ملاءمة المعازل وصناديق الاقتراع لمُستخدمي الكراسي المتحركة.
إن أي مشاركة سياسية فاعلة لن تكون ناجحة وذات تأثير على واقع الشخص في وضعية إعاقة إلا إذا اتسمت السياسات العمومية وبرامج الأحزاب بالشمولية، والتركيز على مفاهيم مثل العيش المُستقل والانخراط المجتمعي، وفقاً لما تنص عليه المادة 19 من الاتفاقية الأممية، بتوفير الخدمات المجتمعية والأجهزة المساعدة اللازمة.
توصيات استراتيجية لتعزيز المشاركة السياسية
بناءً على كل ما سبق، يتوجب على الأحزاب السياسية والسلطات العمومية وكافة مكونات المجتمع المدني العمل على ما يلي
1. تهيئة البيئة السياسية والتشريعية
• تعديل القوانين الانتخابية لضمان مُلاءمتها لاحتياجات جميع الأشخاص في وضعية إعاقة، بما في ذلك إدراج وضعيتهم في القوانين.
• دعم الديمقراطية التمثيلية من خلال البحث عن الكفاءات من ذوي الإعاقة داخل الهيئات والأحزاب.
2. الدمج الحزبي والسياسي
• وضع آليات واضحة تضمن تمثيلية الأشخاص ذوي الإعاقة في الهياكل الحزبية واللوائح الانتخابية، وإشراكهم في إعداد البرامج الحزبية.
• منع استغلال الأشخاص ذوي الإعاقة في الحملات والتجمعات الخطابية لأغراض دعائية دون تمكين حقيقي.
• توفير التدريب والدعم للأحزاب لدمج هذه الفئة في برامجها، وتفعيل أدوار من وصل منهم لمواقع المسؤولية.
3. تحسين الولوجيات وتوفير الدعم المُتخصص
• توفير الترجمة بلغة الإشارة في جميع الحملات الانتخابية والمناظرات والبرامج التلفزيونية.
• تصميم بطاقات اقتراع مُيسرة، بما في ذلك تقنية برايل والتصويت الإلكتروني المُيسّر.
• اهتمام الأحزاب بمختلف الإعاقات (السمعية والبصرية والذهنية والحركية) وتوفير وسائل الولوج الشامل داخل منظوماتها.
• بلورة خطة عمل وطنية من أجل إشراك الأشخاص في وضعية إعاقة في الحياة السياسية.
خاتمة: حق لا يُقايض
إن المشاركة السياسية للأشخاص في وضعية إعاقة هي ليست ترفاً أو مِنحة، بل هي حق لا يُقايض، وضرورة قصوى لتكريس مبادئ الديمقراطية الشاملة والعدالة الاجتماعية. يتطلب تحقيق هذا الهدف تحوّلاً في العقلية وفي السياسات والممارسات، لننتقل من الإقصاء إلى الدمج، ومن النظرة الظرفية إلى الرؤية الاستراتيجية المُستدامة. هذا هو مفتاح بناء مغرب يتمتع فيه الجميع، دون تمييز، بالمواطنة الكاملة والفاعلة.
المصدر: العمق المغربي
