أمد/ ظهر مصطلح الحوكمة الانتقالية في قطاع غزة في عدة مناسبات ومؤتمرات وعلى لسان شخصيات دولية واممية متعددة كشكل من اشكال الحكم في المرحلة التي تلت الحرب الكارثية على قطاع غزة.
الحوكمة الانتقالية هي عملية تحول مؤسسية أو نظامية تهدف إلى الانتقال من هيكل حكم قائم إلى هيكل جديد أو مُحدّث، مع التركيز على التغيير في الأطر وصنع القرار.
غالبًا ما تشهد هذه العملية تعديلًا في هياكل السلطة، مثل التحول من مركزية إلى لا مركزية، أو إعادة هيكلة المسؤوليات والآليات.
كما تعرف الحوكمة او الحاكمية بمجموعة القواعد والممارسات والأنظمة التي تُستخدم لإدارة وتوجيه المؤسسات (سواء كانت شركات أو هيئات حكومية) لتحقيق أهدافها بفعالية وكفاءة. ترتكز على مبادئ الشفافية والمساءلة والعدالة والمشاركة وسيادة القانون، وتهدف إلى تنظيم العلاقات، وإدارة المخاطر، واستغلال الموارد بشكل أمثل .
ازدياد المطالبة بتطبيق الحوكمة كمنهج في الحياة العامة هي فرصة جدية للشروع فوراً بجملة من الاصلاحات الشاملة ضمن الارادة الوطنية الفلسطنية التي من شأنها ان تفضي لبناء نظام سياسي جديد قائم على نهج سياسي ووطني محاط بجدار قيمي اخلاقي يؤسس لعملية استنهاض حقيقية وشاملة.
لا يمكن لمبادىء الحوكمة وقواعد الحكم الرشيد ان تسير بطريقها نحو اهدافها الا بمجموعة من العوامل والمتطلبات وفي مقدمتها وجود قيادة اخلاقية قوية تتمتع بالثقة مؤمنة بعملية البناء والاستنهاض الوطني والمؤسساتي لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة.
فالحوكمة تحتاج لقيادة اخلاقية تنموية تشاركية منخرطة بالمجتمع ومكوناته المختلفة لجهة انتاج رؤية استشرافية طويلة للبناء الشاملة والاستنهاض الوطني تأخذ علي عاتقها بناء سياسات تنموية تجابه فيها فيها منظومة الفساد الاداري والمالي والسياسي والعمل على الاعتماد على المخططين والكفاءات وذو ة والعقول المنتجة والمتخصصة في وضع الاستراتيجيات والاهداف التنموية المستجيبة للاهداف التنموية الاممية والدولية .
وعليه لا يمكن نجاح اي عملية بناء وخطط الاستنهاض والتحولات الديمقراطية او تبني منظومة الحوكمة الانتقالية عبر قوى الوصاية الدولية التي لن يكتب لها النجاح الا بإدراجها ضمن إطار جهود ورؤية وطنية في مسار إقامة الدولة الفلسطينية.
ان كل عمليات البناء والاستنهاض الناجحة بدأت من الداخل التي تعبر عن الحاضنة الوطنية يشارك صناعتها ثالوث النظام السياسي الممثل بالقطاع العام والقطاع الخاص وقطاع المجتمع المدني ومن خلال الالتفاف والتشاركية الشعبية لهذا المسار المستدام تشكل فيه القوي المجتمعية الشريك الاساسي وصاحبة الولاية والارادة في عمليات التحول والمشاركة في عمليات البناء وصناعة المستقبل.
حوكمة قطاع غزة يجب ان تسلك طريقها عبر خارطة طريق مسئولة وجادة وناجزة يتم الاتفاق عليها بالحوار الشامل يتمخض عنه اطلاق رؤية جامعة ينطلق الجميع للمشاركة بفعالية لتحقيقها ولتصبح الديمقراطية والرقابة الشعبية و والرقابة الداخلية اساس ومنهج تعيد للمواطن حقوقه ويصبح فاعلاً ومشاركاً في تطويرها وتنفيذها وحمايتها والالتزام بمخرجاتها يكون فيها الاولوية للانسان اولاً .
ان حوكمة قطاع غزة بعد الدمار الهائل والكارثي الذي استمر لعاميين يحتاج لان يعمل الجميع على افساح المجال امام الجهود الدولية والعربية في تحقيق انقاذ قطاع غزة عبر خطط التشافي والافاقة والاستجابة الطارئة ودخول المساعدات وفتح المعابر وتشكيل حكومة متخصصين من المستقلين والعمل بجدية لاستقدام المخططين والمستثمرين الفلسطينين ذات الموثوقية العالية الذين يمتلكون القدرة علي اعادة ادماج قطاع غزة في محيطه العربي والدولي وكسب ثقة المانحين والانخراط في المسار السياسي والتحضير للانتخابات العامة والشاملة والتنسيق والتعاون لتسريع انعقاد مؤتمر اعادة الاعمار وتحشيد الراي العام الدولي لتمويل المشاريع والبرامج والخطط المستجيبة والكفيلة بعودة الحياة لقطاع غزة المنكوب.
خلاصة القول:
هناك الكثير من المبادرات والافكار حول مستقبل الحكم في قطاع غزة بعد الحرب الإسرائيلية التي تخصصت وتفننت في صيغة أطر للحوكمة الانتقالية لغزة، البعض جادة والأخرى باتت عبثية مالم تدخل في إطار أشمل ضمن المساعي لقيام الدولة الفلسطينية”.
يجب تضمين “الحوكمة باعادة دمج القطاع مع باقي محافظات الوطن وتوحيد السلطة الفلسطينية وانهاء الانقسام السياسي والجغرافي واقرار الدستور الفلسطيني وتوحيد القوانين وعقد الانتخابات الرئاسية والمجلس الوطني والبلديات وغيرها من المؤسسات الوطنية وبناء نظام قضائي مهني ومستقل واعادة بناء الاجهزة الشرطية وفق نهج قائم علي المساواة وسيادة القانون واحترام الحقوق جميعها مسارات وجسور تشكل ارتكازات حوكمة النظام السياسي الفلسطيني الشامل.
ان خارطة الطريق التي تشرف عليها الدولة المصرية انطلقت عبر اولى خطواتها بعقد الحوار الوطني الفلسطيني والتي تهدف لانجاز كينونة ورؤية فلسطينية موحدة والتمسك بالشرعية والحقوق الفلسطينية واعادة بناء وهيكلة النظام السياسي الفلسطيني ونوحيد شقي الوطن عبر مسار عربي بعيداً عن الوصاية والهيمنة الدولية والصيغ العبثية الغير ناجزة تستوجب من القوي الفلسطينية الانخراط في هذا المسار الهام باعتباره الفرصة الاخيرة امامنا جميعاً لاعادة مكانة الشعب الفلسطيني وقضيته وانتزاع حقوقه باقامة دولته المستقلة والانسجام مع حالة التضامن العربي والدولي والحراك الاممي في الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
