في خطوة استراتيجية تترقبها الأسواق العالمية والإفريقية، كشفت معطيات حديثة أن شركة “تسلا”، عملاق صناعة السيارات الكهربائية الأمريكي، تستعد لدخول القارة الإفريقية لأول مرة في تاريخها، حيث وقع اختيارها على المغرب، وتحديدا مدينة الدار البيضاء، لتكون نقطة انطلاقها المحتملة في هذه المغامرة الجديدة.

ويمثل هذا التوجه تحولا تاريخيا للشركة التي أسسها إيلون ماسك، والتي نجحت في ترسيخ وجودها في خمس قارات هي أمريكا الشمالية، أوروبا، آسيا، أمريكا الجنوبية، وأستراليا. ومع هذا الإعلان، يبدو أن إفريقيا هي الوجهة التالية على خريطة توسعها العالمي، لتكمل بذلك حضورها في جميع القارات المأهولة.

وجاء الدليل الأبرز على هذه الخطوة من خلال إعلانات وظيفية حديثة نشرتها الشركة، حيث تبحث “تسلا” عن تعيين “مدير للمبيعات والتسليم” (Sales and Delivery Manager) في المغرب، على أن يكون مقره العاصمة الاقتصادية، الدار البيضاء.

ولا يُعتبر هذا المنصب مجرد وظيفة عادية، بل هو دور قيادي استراتيجي يُشير إلى أن الشركة لا تخطط لعملية بيع محدودة، بل لتأسيس بنية تحتية متكاملة.

وتتمثل مهام هذا المنصب، وفقا للإعلان، في “قيادة استراتيجية المبيعات والتسليم وإدارة العمليات اليومية”، بالإضافة إلى “بناء فرق عالية الأداء قادرة على تحقيق أهداف السوق وتعزيز تجربة العملاء عبر كامل سلسلة القيمة، من أول اتصال مع العلامة التجارية وحتى تجربة الملكية المستمرة”.

كما تتطلع “تسلا” إلى مرشح مثالي يتمتع برؤية استراتيجية وقدرة على الابتكار وتحدي الوضع القائم، مع خبرة مثبتة في قيادة الفرق وتطويرها. كما تشمل المسؤوليات أيضا إدارة الأداء التشغيلي، ومراقبة التكاليف، والتنسيق مع الأقسام الداعمة مثل الخدمات المالية والموارد البشرية، مما يؤكد جدية الشركة في بناء كيان مؤسسي متكامل في المغرب.

لماذا المغرب؟

لم يكن قرار شركة “تسلا” بدخول السوق المغربية وليد صدفة، بل جاء نتيجة دراسة معمقة تعكس رؤيتها الاستراتيجية. فالمملكة تُصنّف اليوم كواحدة من أكثر الأسواق الإفريقية جاذبية واستعدادا لتبني ثورة السيارات الكهربائية، مدفوعة بمجموعة من العوامل المتكاملة التي تجعلها بيئة خصبة لهذا التحول.

وتأتي في مقدمة هذه العوامل السياسات الحكومية الداعمة، حيث يقود المغرب جهودا رائدة في مجال الطاقة المتجددة، مع استثمارات ضخمة في مشاريع الطاقة الشمسية والريحية، مما يوفر بنية مثالية لتشغيل السيارات التي تعتمد على الكهرباء النظيفة.

ويُعزز هذا التوجه الاستراتيجي تطور ملحوظ في البنية التحتية للبلاد، والتي تشمل شبكة طرق سريعة حديثة وموانئ استراتيجية، وهو ما يضمن تسهيل عمليات التوزيع والخدمات اللوجستية الضرورية لنجاح علامة تجارية بحجم “تسلا”.

على الصعيد المجتمعي، لا يمكن إغفال الوعي البيئي المتنامي لدى شريحة من المستهلكين المغاربة، حيث يوجد اهتمام متزايد بالاستدامة والتقنيات الحديثة، الأمر الذي يخلق سوقا محتملا واعدا لسيارات “تسلا” التي تجمع بين الفخامة والابتكار.

إلى جانب ذلك، يمنح الموقع الجغرافي للمغرب ميزة استراتيجية فريدة، إذ يُنظر إليه كبوابة طبيعية نحو أسواق غرب وشمال إفريقيا، مما يجعله ليس فقط سوقا مستهدفا بحد ذاته، بل أيضا منصة انطلاق مثالية لتوسع “تسلا” المستقبلي في بقية أنحاء القارة.

من المتوقع أن يُحدث دخول “تسلا” الرسمي للسوق المغربي تأثيرا كبيرا على قطاع السيارات المحلي، حيث سيحفز المنافسة ويدفع الشركات الأخرى لتسريع خططها في مجال السيارات الكهربائية.

كما سيتطلب هذا التوسع إنشاء شبكة من محطات الشحن السريع الخاصة بالشركة “Superchargers” في المدن الكبرى والمحاور الطرقية الرئيسية، وهو ما سيعزز البنية التحتية للتنقل الكهربائي في البلاد بأكملها.

وتمثل هذه المبادرة مؤشرا على نقطة تحول تاريخية لكل من “تسلا” والقارة الإفريقية، إذ بالنسبة للشركة، هي بداية فصل جديد في قصة نجاحها العالمي. وبالنسبة لإفريقيا، والمغرب تحديدا، هي خطوة عملاقة نحو تبني مستقبل النقل المستدام، وتأكيد على أن القارة أصبحت جزءا لا يتجزأ من الثورة التكنولوجية العالمية.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.