أمد/ إن السنة النبوية مليئة بالقصص التي تعكس دروسًا عظيمة في الإرشاد والوعظ، ومن بين هذه القصص، تبرز قصة رجل من بني إسرائيل كان يتعبد في صومعته لمدة سبعين عامًا، كان هذا الرجل نموذجًا للتقوى والإيمان والزهد، حيث لم يكن يغادر صومعته إلا مرة واحدة في الشهر لشراء حاجاته الضرورية، لكن، وكما يعلم الجميع، فإن النفس البشرية تتعرض للفتن والاختبارات.

في ذات مرة رأى الرجل العابد، امرأة في غاية الجمال، وبدلاً من أن تمتلئ نفسه بالصبر والورع، أغواه الشيطان فقاده إلى ارتكاب الفاحشة معها لمدة سبع ليالٍ.

استفاق الرجل من غفلته وشعر بندم شديد فخرج تائبا، فصار يمشي في الصحراء، غير قادر على تصديق ما اقترفه من معصية بعد عبادة دامت لأكثر من سبعة عقود، فكان كلما خطا خطوة صلى وسجد، فظل على ذلك حتى وجد اثنا عشر مسكينًا جالسين في كوخ فجلس بينهم من شدة التعب.

كان هناك راهب يتصدق كل يوم باثنى عشر رغيفًا على هؤلاء المساكين، جاء الراهب كعادته فأعطى كل مسكين رغيفًا ومر على ذلك الرجل الذي خرج تائبا، فظن أنه مسكين فأعطاه رغيفًا، فقال أحد المساكين الذي لم يحصل على رغيفه للراهب: مالك لم تعطني رغيفي، فقال أتراني أمسكته عنك؟ فسأل الراهب المساكين وهو لا يعلم أنهم أصبحوا ثلاثة عشر بعد انضمام الشخص التائب إليهم، هل أعطيت أحدًا منكم رغيفين؟ قالوا لا.

علم التائب، أنه أخذ شيئا ليس من حقه فرد الرغيف إلى المسكين صاحب الحق ومات في نفس الليلة من شدة الجوع، فوزنت الملائكة السبعون سنة من العبادة بالسبع ليالٍ من المعصية فرحجت السبع الليالي، ثم وزنت السبع الليالي بالرغيف فرجح الرغيف ودخل الجنة بسبب الرغيف.

إن المواعظ المستنبطة من هذه القصة متعددة:

أولا، أن من يسعى لدخول الجنة يجب أن يعيد الحقوق لأهلها، فقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدق بغير قسم، أن الحقوق ستؤدى إلى أهلها يوم القيامة، ولن يضيع لأحد حق، حيث إن الحق الذي لك إن لم تستوفه في هذه الدنيا ستستوفيه في الآخرة، حتى إنه يقتص للشاة الجلْحاء من الشاة القرناء.

ثانيًا، تُظهر القصة أن الأعمال ليست محصورة بعددها، بل في قوة الإخلاص فيها، فالصدقات والأعمال الطيبة، مهما كانت بسيطة أو قليلة، قد تحمل في كفّتها ثقلًا أكبر من الأفعال الضخمة، إذا كانت مشفوعة بالإخلاص والنية الصادقة.

ثالثا، تُعلّمنا القصة أيضًا أهمية عدم التهاون في الذنوب، مهما بدت صغيرة، فقد تحمل الذنوب الصغيرة آثارًا عظيمة في الآخرة، وقد يكون أخذ مبلغ زهيد بدون وجه حق أو التقصير في أداء واجب بسيط سببًا في هلاك الإنسان ودخول النار، لذلك، يجب على كل فرد أن يكون واعيًا لعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه، ألا وهي الابتعاد عن الذنوب والسعي جاهداً لتنقية نفسه.

إن هذه القصة هي دعوة للعبرة والتفكر في أفعالنا وإعادة تقييم ممارساتنا اليومية، فليكن كل واحد منا صاحب الرغيف، يُقدّر ما عنده من خيرات، ويسعى دائمًا لإعادة الحقوق إلى أصحابها بلا تردد، فلا تستهين أبدًا بأعمال الخير البسيطة ولا تقلل من شأن أي فعل سيء.

شاركها.