أصدر برنامج غزة للصحة النفسية، اليوم الثلاثاء ، بياناً للرأي العام بشأن الاستيلاء على مقره في مدينة غزة.
وفيما يلي نص البيان :
بيان صحفي إلى الرأي العام
صادر عن برنامج غزة للصحة النفسية
غزة – فلسطين
يعرب برنامج غزة للصحة النفسية عن استنكاره الشديد وإدانته القاطعة لما تعرّض له أحد مقارّه العاملة في مدينة غزة – والذي يضم عدداً من العيادات – من اقتحامٍ مسلّحٍ واستيلاءٍ بالقوة الغاشمة، في اعتداءٍ سافرٍ وجريمةٍ خطيرة تمثّل انتهاكاً فاضحاً لكلّ القوانين والأعراف، وتعدّياً صارخاً على حرمة المؤسسات المدنية والإنسانية التي تعمل لخدمة أبناء شعبنا في هذه الظروف الكارثية.
وفي الوقت الذي يواجه فيه شعبنا في قطاع غزة أبشع حرب إبادةٍ جماعيةٍ عرفها العصر الحديث، فوجئ البرنامج صباح يوم الاثنين الموافق 13 تشرين الأول/أكتوبر 2025، بقيام مجموعةٍ مسلّحة باقتحام مقرّه المستأجر الوحيد في مدينة غزة، وطرد الحراس بالقوة، والاستيلاء على المبنى، وإسكان عائلاتها فيه، ومنع الموظفين والمرضى وأعضاء مجلس الإدارة من الدخول تحت تهديد السلاح، في تصرّفٍ خارجٍ عن كلّ القيم الوطنية والإنسانية.
ورغم أن البرنامج تقدّم فوراً بشكاوى عاجلة ومكتوبة إلى الجهات الرسمية المختصّة كافة، وطالبها بالتدخّل الفوري لإنهاء هذا التعدّي، إلا أنه لم يُتَّخذ حتى اللحظة أي إجراء فعليّ على الأرض يضمن استعادة المقر، رغم الوعود المتكرّرة بالإخلاء، وهو ما يثير قلقاً بالغاً وتساؤلاتٍ خطيرة حول مصير مؤسساتنا المدنية العاملة في الميدان، وحول جدّية حماية القانون والنظام العام في هذه المرحلة الحرجة.
إن استمرار هذا الوضع لا يمسّ فقط بحقّ مؤسسة وطنية إنسانية في العمل، بل يضرب في الصميم حقّ آلاف المرضى والمراجعين في الرعاية النفسية والصحية، ويشكّل تهديداً مباشراً لحياتهم واستقرارهم النفسي في وقتٍ تتضاعف فيه معاناتهم تحت الحصار والدمار والتهجير المستمرّ.
وعليه، فإن برنامج غزة للصحة النفسية، إذ يحمّل المجموعة المعتدية المسؤولية الكاملة عن هذا الانتهاك وما قد يترتّب عليه من أضرار بشرية ومادية ومجتمعية، فإنه يدعو إلى ما يلي:
1. السلطات الفلسطينية المختصّة إلى تحمّل مسؤولياتها القانونية والأخلاقية والوطنية فوراً، والتدخّل العاجل لإخلاء المقر وإعادته للمؤسسة، وضمان سلامة العاملين والمرضى، ومحاسبة المسؤولين عن هذا الاعتداء دون أي تسويف أو تهاون.
2. الجهات الراعية لاتفاق إنهاء الحرب العدوانية على قطاع غزة إلى التدخّل الحازم لمنع أي ممارساتٍ تُقوّض العمل الإنساني أو تُهدّد السلم الأهلي، فاستمرار مثل هذه الانتهاكات يضع مصداقية كلّ الجهود الدولية موضع شكّ خطير.
3. المؤسسات الانسانية والحقوقية، إلى التحرّك الفوري لحماية المرافق المدنية والإنسانية، وضمان استمرار عملها بعيداً عن أي تهديد أو تدخّلٍ من أي جهةٍ كانت.
4. كافة القوى والهيئات الوطنية والمجتمعية إلى الوقوف بحزمٍ أمام مظاهر الفوضى والتعدّي على مؤسسات المجتمع المدني، فالتغاضي عن هذه الأفعال يهدّد السلم الأهلي ويقوّض ما تبقّى من مقوّمات الصمود والكرامة في هذا المجتمع المنكوب.
ويؤكد برنامج غزة للصحة النفسية أنه لن يتنازل عن حقّه في استعادة مقره، ولن يصمت أمام هذا الاعتداء الذي يطاول جوهر رسالته الإنسانية والوطنية.
كما يؤكد تمسّكه الثابت بمسؤوليته تجاه أبناء شعبه، واستمراره في أداء واجبه الإنساني رغم كلّ الظروف، داعياً الجميع إلى التضامن والدعم الفعلي لضمان استمرار عمله في هذه المرحلة المصيرية من تاريخ غزة.
ومن الجدير بالذكر أن برنامج غزة للصحة النفسية هو مؤسسة فلسطينية أهلية مستقلة وغير ربحية، تعمل منذ نحو أربعة عقود في مجال تقديم الدعم والعلاج النفسي لآلاف الأطفال والنساء وكبار السن وضحايا العنف والصدمات النفسية في قطاع غزة.
ينفّذ البرنامج أنشطته بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية (WHO)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وعددٍ من المؤسسات الدولية المتخصّصة، وبالتنسيق الكامل مع وزارة الصحة الفلسطينية.
ويضمّ البرنامج نحو 150 موظفاً من الأطباء والأخصائيين النفسيين والممرضين والعاملين الاجتماعيين، ويُعدّ المؤسسة الرئيسية والرائدة في هذا المجال الحيوي على مستوى قطاع غزة.
ومنذ بداية العدوان الأخير على القطاع، تعرّض البرنامج لخسائر جسيمة شملت تدمير مقره الرئيسي في مدينة غزة – شارع 8 قرب دوّار الدحدوح – المكوّن من سبعة طوابق، إضافةً إلى تدمير مقرّ خانيونس وتضرّر مقرّ دير البلح بشكل كبير.
ورغم هذه الكارثة، لم يتوقّف البرنامج يوماً عن أداء رسالته، فقام بترميم مقرّ دير البلح، وأقام – بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية – عيادات ميدانية في بيوت جاهزة (كرفانات) وخيام في مدينة خانيونس لخدمة آلاف المحتاجين.
وفي مدينة غزة، استأجر البرنامج مقراً بديلاً في عمارة الشوا قرب سينما السامر، إلا أنه دُمّر بالكامل على يد قوات الاحتلال في نهاية شهر سبتمبر الماضي، وبذلك لم يتبقَّ للبرنامج سوى المقرّ الذي تم الاستيلاء عليه بالقوة، وهو المقرّ الوحيد الذي كان يقدّم خدماته العلاجية للمرضى في مدينة غزة.
إننا في برنامج غزة للصحة النفسية نرى في هذا الاعتداء طعنةً مؤلمة في قلب العمل الإنساني، وانتهاكاً فاضحاً لكلّ ما تبقّى من قيمٍ في زمنٍ تهاوت فيه القوانين، ونؤكد أن صوت الحقّ لن يُسكت، وأن إرادة الحياة ستبقى أقوى من كلّ سلاح.
حمى الله شعبنا من كلّ سوء، وردّ عنه كلّ اعتداء.
برنامج غزة للصحة النفسية غزة فلسطين