ترافق جزءا من النقاش العمومي بالمغرب أسطرة لـ”إيكس ليبان” و”بنودها السرية”، علما أنها جلسات استماع جمعت فرنسيين ومغاربة سنة 1955، وارتبط بها بداية الحل السياسي لاستقلال المملكة، وعودة الملك محمد الخامس إلى العرش بعد نفيه، وتزايد المقاومة المسلحة والسياسية وعنف المعمّرين المقيمين آنذاك بالمغرب.

وفي أحدث حلقات “مذاكرات في الفكر والتاريخ” للمؤرخ امحمد جبرون، قال إن “إيكس ليبان موضوع لدى الكثيرين غموض فيه”، مشدّدا على أنه عكس ما يروج في أوساط ونقاشات فإن إيكس ليبان مجرّد “لقاءات” و”ليست معاهدة أو اتفاقية. وهناك ربط مخل بإيكس ليبان مع ما نعيشه، ينم عن جهل فظيع”.

وتابع صاحب ثلاثية تاريخ المغرب منذ عصر ما قبل التاريخ إلى نهاية القرن العشرين: “إيكس ليبان اسم منتجع في فرنسا، استقبل جلسات للفرنسيين جرى فيها الاستماع إلى ممثلي الشعب المغربي، عقب وصول إدغار فور إلى رئاسة الحكومة الفرنسية في 1955، الذي كان معروفا بمعارضته نفي محمد الخامس، الأزمة الكبرى للمغرب وفرنسا التي كانت لها تداعيات أمنية وسياسية وغليان مغربي ونشاط مكثف لحركة المقاومة التي استهدفت المعمرين وإعادة هيكلة جيش التحرير المغربي، ونشاط لإرهاب المعمّرين الذين شكلوا ألوية لاستهداف المغاربة والحركة الوطنية”.

في هذه الجلسات أيضا، حاول رئيس الحكومة الفرنسية “إقناع المغاربة بوجود حل بدون محمد الخامس، وكانت معارضة المغاربة؛ ومن بينهم عبد الرحيم بوعبيد وامحمد بوستة. وكان واضحا للفرنسيين والمغاربة أن تنازل محمد الخامس عن العرش غير ممكن، وأن تنازل الوطنيين عن محمد الخامس غير ممكن، وفي الوقت نفسه كان المقيم العام في المغرب يحاول إقناع الوطنيين في المغرب بقبول بديل عن محمد الخامس وابن عرفة، ورفضوا بديلا عن السلطان الشرعي”؛ وهو ما كان متزامنا مع “وقت زادت فيه المقاومة شراسة”.

في هذا الإطار، أردف جبرون، شكّلت فرنسا لجنة بخلفية “سحب شرعية التمثيل عن الحركة الوطنية التي كانت تقول بتمثيل المغاربة، فوسعوا المستمع إليهم بما فيهم القياد والمعمّرين وممثلي اليهود المغاربة والعلماء… لتحديد خريطة مستقبل المغرب”، وكان المشكل المطروح بالأساس “تسوية مشكلة العرش، بين الملك المرفوض في المغرب الذي تعرض لمحاولة اغتيال (بن عرفة)، والملك الشرعي المنفي محمد الخامس”.

وهنا انقسمت آراء المحاورين بين أربعة مع تفاوت تأثير كل محور؛ فـ”كان رأي مع ابن عرفة، يرى أن شروط الاستقلال لم تنضج بعد، مثله إداريون مثل الحجوي. وكانت فكرة مجلس العرش بموافقة حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال بموافقة محمد الخامس؛ أي نزع ابن عرفة، وتشكيل مجلس عرش يدبر قبل أن يعود الملك. فيما كان رأي آخر يؤيد نزع ابن عرفة، مع وضع شخص ثالث بدل محمد الخامس، وكانت شخصيات من الزوايا مع هذا لا حاجة إلى ذكرها. أما رابع الآراء وهو من العلماء فقدّر أن محمدا الخامس في عنقه البيعة وعليه العودة إلى عرشه مباشرة، دون مجلس عرش”.

هكذا “بعد جلسات الاستماع بإيكس ليبان التي لم تكن حقيقة مفاوضات، اقتنعت فرنسا بخارطة طريق للخروج من مأزق “المسألة المغربية”، وهي: رحيل ابن عرفة، وتشكيل مجلس للعرش، وتشكيل حكومة وطنية تتفاوض على الاستقلال”، علما أن “جلسات الاستماع وخريطة الطريق لم تكن تحظى بموافقة كل أطياف الحركة الوطنية؛ بل إن علال الفاسي قد رفضها (…) وغضب منها ومن ما تمخض منها، لأنه كان يؤمن بوحدة العمل الوطني بين الحركات المغاربية، كما كان يرفضها جيش التحرير الذي اعتبرها تشويشا على العمل العسكري”.

بعد هذه المحطة، عرف “مجلس العرش صعوبة في تشكيله، وخلافات حول العناصر ذات المصداقية، فتأخر بعض الوقت”، ثم أسند “تشكيل الحكومة إلى الحاج الفاطمي بنسليمان لمفاوضة الاستعمار الفرنسي من أجل الاستقلال. وبعد محاولات حثيثة فشل في تشكيلها لمعارضة حزب الاستقلال، ثم حدث الانشقاق في الجبهة التقليدية للفرنسيين وتفتّتت بموقف الباشا الكلاوي الذي رجع عن تأييد فرنسا، وعندما حاوره مجلس العرش فيما يتعلق بالحكومة عبر عن موقف صادم للفرنسيين هو ضرورة عودة الملك الشرعي، وأنهى بالتالي خارطة الطريق الفرنسي، وهو موقف روعي له من طرف محمد الخامس بعد الاستقلال (…) لأنه بعثر أوراق فرنسا”.

وهكذا، بعد جلسات “إيكس ليبان” للاستماع لممثلي الشعب المغربي، وتطورات الشهور التالية؛ نقلت فرنسا محمدا الخامس من مدغشقر إلى باريس ثم عاد إلى المغرب، وبدأت “المفاوضات الجديدة على الاستقلال بعيدا عن خارطة الطريق الفرنسية”، بعد تفتّت أركان ضغطها بعد انقلاب أحد أبرز الجبهة التقليدية المساندة لها بالمغرب، ومساندته مطالب “الحركة الوطنية”.

المصدر: هسبريس

شاركها.