بجرأة معهودة، تضع الممثلة والمخرجة سناء عكرود النقاط على الحروف في علاقتها بالفن والسياسة وقضايا المرأة. فبينما تؤكد أنها تفتقر إلى “المرونة اللازمة لتتلون وفق المصالح السياسية”، تطلق سهام نقدها تجاه معارضي إصلاح مدونة الأسرة، معتبرة أن “من يرفض إنصاف المرأة مستفيد بالضرورة من ظلمها”.
وفي حوار مع جريدة “العمق”، عقب عرض فيلمها الأخير “الوصايا” ضمن فعاليات المسابقة الرسمية للدورة 25 لمهرجان الفيلم الوطني بطنجة، تربط عكرود بين مواقفها الشخصية ورسالة الفيلم، الذي استلهمته من قصص حقيقية لمعاناة النساء في المحاكم، كاشفة عن تحديات إنتاجه والصعوبات التي واجهتها لإخراجه إلى النور.
كما تشرح عكرود في اللقاء دوافعها لاختيار موضوع مدونة الأسرة كثيمة للفيلم، مدافعة عن رؤيتها الفنية التي يصفها البعض بـ”التحريضية”، مؤكدة أن الفن لا يمكن أن يبقى على الهامش في لحظة التحولات القانونية والاجتماعية التي يعيشها المغرب.
فيما يلي نص الحوار كاملا
كيف كانت أجواء عرض فيلم “الوصايا” في مهرجان طنجة؟
كان التفاعل جميلا ومؤثرا، تشرفت باختيار الفيلم في المسابقة الرسمية ضمن فعاليات المهرجان الوطني، وكل عرض بالنسبة لي تجربة فريدة لا تتكرر، لأن تفاعل الجمهور يختلف من مرة إلى أخرى، هناك مشاهد تثير الضحك وأخرى تلامس الوجدان.
ما يميز مهرجان طنجة هو حضور أهل الاختصاص، من مخرجين ومنتجين ونقاد وممارسين للمهنة، وهذا يمنح التجربة بعدا احترافيا وإنسانيا في آن واحد.
ما سبب اختيارك لموضوع مدونة الأسرة كتيمة أساسية للفيلم؟
لأنها مواضيع حقيقية نعيشها كل يوم في مجتمعنا، وليست حكرا على المغرب فقط، بل نجدها مطروحة في العالم العربي أيضا.
رأيت أن الوقت حان لنقدم عملا مغربيا يتناول معاناة المرأة المطلقة وما تواجهه في معارك الحضانة والولاية، واستمعت لنساء كثيرات، وعشت معهن قصصهن داخل قاعات المحاكم، تلك التجارب المؤلمة دفعتني لتسليط الضوء على هذه الفئة من النساء، وإيصال أصواتهن ومعاناتهن، مع إبراز الاختلالات القانونية التي ما تزال قائمة.
نحن نعيش اليوم ثورة قانونية في المغرب، والتعديلات المقبلة على مدونة الأسرة لحظة تاريخية، والفن لا يمكن أن يقف على الهامش، من موقعنا كفنانين نحاول المساهمة في هذا الحراك المجتمعي من خلال أعمالنا.
الفيلم لا يتحدث فقط عن الحضانة والولاية، بل يتناول أيضا تزويج القاصرات باعتباره آفة اجتماعية تم التطبيع معها، كما يسلط الضوء على أهمية التمكين الاقتصادي للنساء، والحرية المالية، والتحصيل الدراسي، وولوجيات ذوي الاحتياجات الخاصة، وإشكالات نظام الكفالة.
كل هذه القضايا تمس الأسرة ككل، نساء ورجالا وأطفالا، والهدف منها التأكيد على ضرورة الأمان القانوني للأسرة حتى ينشأ الطفل في بيئة سوية ويصبح مواطنا جيدا، لأن الأم إذا كانت مضطهدة، فلن تربي أطفالا أسوياء، بل أجيالا مضطربة فاقدة للثقة في ذاتها.
يتهمك البعض بأنك تحرضين النساء على التمرد على المجتمع، ما ردك؟
لست ضد الرجال، ولا أحرض النساء على التمرد، ما أدعو إليه هو الاستقلال المادي للمرأة، وأهمية التعليم، حتى تكون لديها حرية مالية تحمي بها كرامتها وتؤمن بها مستقبلها، عندما تمتلك المرأة قوتها المادية، لن يكون الزواج بالنسبة لها وسيلة للعيش أو للنجاة، بل اختيارا حرا ومسؤولا.
رسالتي للنساء ليست أن يطغين، بل أن يعرفن قيمتهن ويحمين أنفسهن من الاستغلال، كل ما أطرحه هو دعوة للتوازن والعدالة، وليس للمواجهة بين الجنسين.
عادة ما تتهم المدافعات عن حقوق النساء بأنهن “نسويات يسعين لتخريب المجتمع”، كيف ترين هذا الخطاب؟
هذه فئة تعودت على امتيازات منحتها لها القوانين القديمة، التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة كشفت هذا الخوف، لأن كثيرين يعتقدون أن إعطاء المرأة حقوقها سيؤدي إلى خراب الأسرة، وهذا غير صحيح.
الهدف هو تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية داخل الأسرة، أن تكون للمرأة نفس الحقوق والواجبات التي للرجل، وأن يحمى الطرفان من أي ابتزاز، وعلى القانون أن يُنصف وينظم العلاقة بينهما دون تمييز.
المرأة ليست خصما، بل هي الدعامة الأساسية للأسرة، من يربي الأطفال ويغرس فيهم القيم هي المرأة، وهي البوابة الأولى للحياة، ما زال كثيرون يربون أبناءهم على فكرة أن الفتاة جارية أو أقل شأنا، وأن الرجل عندما يتزوجها يقوم بمعروف لها “سترها” هذه المفاهيم المغلوطة هي التي تخلق التفاوت والاضطراب داخل المجتمع.
كم بلغت تكلفة إنتاج فيلم “الوصايا”؟
الفيلم حصل على أقل دعم في تاريخ المركز السينمائي المغربي، 125 مليون سنتيم فقط، وهو مبلغ لا يكفي حتى لفيلم قصير.
اضطررت إلى إنتاجه من مالي الخاص، بمساعدة بعض الممولين الذين آمنوا بمضمون المشروع، ولولا دعم وزارة العدل، في شخص الوزير عبد اللطيف وهبي، الذي وفر لي الاستشارة القانونية عبر فريق من الوزارة، لما خرج الفيلم إلى الوجود، كما سهلت وزارة الشباب والثقافة والتواصل جميع الإجراءات الإدارية المرتبطة بالإنتاج.
اسمك ارتبط في السنوات الأخيرة بالوزير عبد اللطيف وهبي.. هل تفكرين في الانخراط بحزب “الأصالة والمعاصرة”؟
لا أنتمي لأي حزب سياسي، ولا أفكر حاليا في ذلك. أنا أفضل أن أوصل أفكاري ومواقفي من خلال الفن، عبر الكتابة والإخراج والتمثيل.
أحرص على الحفاظ على حريتي، ولا أريد أن أفقدها بالانخراط في أي تنظيم سياسي، رغم احترامي الكبير لكل الأحزاب ومساعيها لخدمة المواطن المغربي.
هل عُرض عليك الترشح أو الانخراط في حزب سياسي؟
لا، لم يعرض علي رسميا، لكن كثيرين طلبوا مني الترشح للانتخابات، أنا من الأشخاص الذين لا يخوضون تجربة إلا إذا شعروا بشغف حقيقي تجاهها، والسياسة بالنسبة لي ليست من أهدافي حاليا.
هل تخافين من فقدان ثقة الجمهور إذا خضت تجربة سياسية؟
لا، لأنني أؤمن أن الصدق هو ما يجعل الجمهور يثق بك، لكن السياسة عالم معقد تحكمه المصالح والقواعد المتغيرة، وأنا لا أملك المرونة الكافية لأتلون أو أساير ما لا أؤمن به.
ما رأيك في الانتقادات الموجهة للفنانين الذين انخرطوا في العمل الحزبي؟
من حق أي فنان أن ينخرط سياسيا، فهذا حق دستوري، لكن الجمهور اعتاد أن يرى الفنان في أدوار ترفيهية، لذلك يصعب عليه تقبله كفاعل سياسي، ويظن أنه يمثل حتى في السياسة.
أنا أؤمن أن لكل فنان طريقته في المساهمة في المجتمع، وتجارب مثل كليلة بونعيلات وفاطمة خير محترمة جدا، وتجربة ياسين أحجام السياسية كانت رائعة وملهمة، تركت أثرا طيبا وجعلتني أنظر إلى المجال السياسي بإيجابية.
متى ستعودين إلى شاشة التلفزيون؟
بصراحة، أصبحت زاهدة في الظهور، وأفضل أن أكتب وأنتج أعمالي بنفسي، هذا لا يعني أنني أرفض عروض زملائي، لكنني أبحث عن أعمال تشعرني بالمتعة والانسجام.
كتبت مسلسلات تراثية عدة، لكن لم تُقبل لأنها لم تمر عبر الشركات التي اعتاد المسؤولون التعامل معها، أريد أن أنتج أعمالي الخاصة، لأنني أتعذب في كتابتها ولا أريد أن تذهب حقوقي الأدبية إلى شركات أخرى، المنتجون عادة يركزون على الربح، وأنا أيضا سأحرص على ذلك، لكن همي الأول سيكون الجودة قبل أي شيء آخر.
المصدر: العمق المغربي