حلت أمس الأحد الذكرى الخامسة لرحيل المناضل والسياسي أحمد الدغرني، مؤسس “الحزب الديمقراطي الأمازيغي” الذي صدر قرار قضائي بحلّه، لتُعيد إلى واجهة النقاش فكرة تأسيس تنظيم سياسي بمرجعية أمازيغية. فبعد سنوات على رحيل “أمغار دْحمّاد الدغرني”، كما يحلو للكثيرين تسميته، انتقلت أطروحته السياسية التي دافع عنها بإصرار، والمتمثلة في نقل النضال الأمازيغي من الإطار الثقافي إلى العمل الحزبي المنظّم، إلى جيل جديد من المناضلين الذين يرون أن السياسة يجب أن تكون مرآة لكل مكوّنات المغرب الثقافية.

في هذا الصدد، تدفع فعاليات أمازيغية، تحدّثت لجريدة هسبريس الإلكترونية بفكرة، أن الحزب ليس مشروعا إقصائيا أو هوياتيا ضيقا، بل وسيلة لإدماج البعد الأمازيغي في صنع القرار العمومي؛ ذلك أن الأمازيغية، في نظرهم، ليست مجرد لغة أو ثقافة، بل منظومة قيم ومواطنة تستحق ترجمتها إلى مشروع سياسي مؤطَّر بالقانون والدستور، داعين في الوقت ذاته إلى مراجعة الإطار القانوني المنظِّم للحياة الحزبية وفتح المجال أمام تنظيمات جديدة تُعيد التوازن إلى المشهد السياسي المغربي.

منع وتيارات

قال علي موريف، فاعل أمازيغي، إن “منع الحزب الديمقراطي الأمازيغي، بموجب القانون المنظم للأحزاب السياسية في حينه، تعتريه مجموعة من الثغرات الشكلية دون حتى الحديث عن الأمور الموضوعية، إذ تم منع الحزب بموجب قانون الأحزاب السياسية الذي جاء بعد حوالي سبعة أشهر من تأسيس الحزب؛ وهو خرق سافر لمبدأ عدم رجعية القوانين الذي ينص على عدم سريان أي قانون جديد على الوقائع التي حدثت قبل دخوله حيّز التنفيذ”.

وأضاف موريف، في تصريح لهسبريس، أن “منع الحزب هو منع سياسي لمجموعة من المناضلين الذين اختاروا الولوج إلى العمل السياسي لتأطير المواطنين، مقابل الانتصار لمجموعة من التيارات السياسية الهرِمة التي لم تعد تستطيع مسايرة تطور الشأن السياسي وتطلعات الشعب المغربي، فاعتمدت قانون الأحزاب كوسيلة سياسية لمنع أي مجموعة سياسية صاعدة داخل المجتمع”.

وشدد الفاعل الأمازيغي على أن “فكرة تأسيس حزب أو تنظيم سياسي بمرجعية أمازيغية تستحضر الإرث الثقافي والهوياتي لمجتمعنا المغربي كانت دائما فكرة مطروحة لدى عدد من المناضلين الأمازيغ. وهناك اليوم مناضلون يحملون على عاتقهم إرث الحزب الديمقراطي الأمازيغي، ويعملون على تطوير الأفكار والخطاب من أجل الانخراط في المشهد السياسي الرسمي بشكل مؤطر بالقانون ويحترم الدستور والتشريعات، بما يساهم في نشر الفكر المواطِناتي والدفاع عن مصالح وحقوق المواطن بناء على مرجعية الأرض والثقافة والإنسان”.

وذكر المتحدث ذاته أن “ترسيم الأمازيغية أو دسترتها أو حتى الاستجابة لبعض المطالب لا يعني بالضرورة منع أي مجموعة سياسية تريد أن تشتغل بشكل قانوني داخل المشهد السياسي، إذ لا يمكن أن نغلق الباب أمام الاشتغال في السياسة بمبرر أن الأمازيغية مُستدْرَجة؛ لأن الحياة السياسية في المغرب بحاجة إلى فاعلين قادرين على الدفاع عن القضايا الحيوية للبلاد وإيجاد حلول للإشكاليات التي يتخبط فيها المجتمع المغربي”.

وتفاعلا مع سؤال بشأن مخاوف من أن يؤدي تأسيس حزب أمازيغي إلى تقسيم المشهد الوطني على أساس هوياتي، خلص موريف إلى أن “هذه الفكرة تروّج لها تيارات سياسية شاخت في المشهد السياسي وتريد أن تحتكر التمثيلية السياسية من خلال غلق الباب أمام التنظيمات المنافسة لها”، داعيا إلى “مراجعة قانون الأحزاب والسماح لأي تنظيم يريد أن يشتغل في إطار مؤسساتي بذلك ما دام لا يدعو إلى العنف، إذ يجب أن يكون رأي المواطنين والانتخابات هما الفيصل الأول والأخير”.

ضرورة سياسية

أوضح حميد بوهدا، محامٍ وعضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي، أن “تأسيس حزب بمرجعية أمازيغية هو فكرة، والأفكار لا تموت ما دامت أسباب وجودها لا تزال قائمة، والفكرة قد تنطلق من فرد يشيعها في المجتمع ثم تصبح بعدها فكرة جماعية. فمثلا، انتقلت أفكار جون جاك روسو وجون لوك من أوروبا إلى أمريكا، وهناك ازدهرت وأنشأت دولة ديمقراطية، لتعود وتزدهر مجددا في أوروبا من خلال الثورات والتحولات التي ساهمت في الانتقال من نظام الإقطاع إلى الدولة الليبرالية في القرن العشرين”.

وأضاف بوهدا، في تصريح لهسبريس، أن “فكرة الحزب ذي المرجعية الأمازيغية تفرض نفسها في ظل التحديات الإقليمية والدولية والداخلية؛ فهو آلية مؤسساتية لإعادة ترتيب أجندة الدولة الثقافية والاجتماعية والسياسية. كما يؤكد الواقع العالمي أن العولمة والانصهار الثقافي يشكلان أهم تهديد للثقافات الوطنية ولنموذج الدولة، كما تمت بلورته خلال القرنين الماضيين”.

وتابع عضو مجموعة الوفاء للبديل الأمازيغي بأن “مواجهة هذه الإكراهات لا يمكن أن تتم إلا من خلال تأسيس أحزاب وطنية بمرجعية أمازيغية ذات جذور عميقة في التاريخ. بمعنى آخر، إن مواجهة تحديات العولمة ودعوات الانصهار في الثقافة العربية الإسلامية لن يكون إلا عبر مؤسسات من المجتمع المدني والأحزاب المغربية التي تنتصر للثقافة الأمازيغية وللشخصية الأمازيغية المغربية”، مشددا على أن “فكرة الحزب تثبت قوتها، يوما بعد يوم، في ظل أوضاع العالم المرتبكة وانهيار الدول واتساع حزام الدول الفاشلة”.

وسجّل الفاعل الأمازيغي ذاته أن “ما حققته الأمازيغية على المستوى المؤسساتي في العقدين الماضيين لا يوازي ما تفقده على المستوى الاجتماعي وفي مجالات أخرى، وهو ما أكدته نتائج الإحصاء السكاني الأخير، على علّاته ومنهجيته غير السليمة. وبالتالي، فإن الدسترة والتدريس لم تستطيعا الارتقاء بالأمازيغية في المنظومة الاجتماعية بالمغرب في ظل وجود سياسات عمومية معادية؛ وهو ما يستدعي تغيير توجهات السياسة العمومية عبر تأسيس أحزاب سياسية مغايرة لما هو قائم وتشكيل أغلبية داخل مؤسسات صنع القرار العمومي، بما في ذلك المؤسسات التشريعية”.

وأبرز أن “الحزب بمرجعية أمازيغية هو ضرورة وليس ترفا في المشهد السياسي المغربي، رغم أن المسألة ليست بالسهلة في ظل وجود أحزاب متحالفة سيّجت، عن طريق قانون الأحزاب، الحقل الحزبي وترفض أن يقتحمه الشباب المغربي. والدليل هو أن حزبا واحدا فقط تأسس بعد صدور قانون الأحزاب السياسية إلى الوجود؛ وهو أمر يدعو إلى الاستغراب”.

ولفت بوهدا إلى أن “هذا الأمر يحتاج إلى تغيير موازين القوى السياسية لتغيير هذا القانون؛ ذلك أن الاحتكار السياسي لا يختلف في مبدئه عن التركيز والاحتكار الاقتصادي، فهو وجه من أوجه السيطرة. وهذا ما يتنافى مع دينامية المجتمع وأيضا مع مبادئ الديمقراطية، إذ كيف يمكن فرض وجبة سياسية واحدة على المغاربة ونطالبهم بأكلها؛ ولو كانت شهيتهم غير ذلك؟”.

المصدر: هسبريس

شاركها.