أمد/ من يتابع خطاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يلحظ نمطًا متكررًا من التقلّب: في لحظة يمدح خصمًا أو شريكًا، وفي لحظة أخرى يعود ليهاجمه أو يلوّح بعقوبات. هذا التذبذب لا يقتصر على اللفظ أو الأسلوب، بل يمتد إلى مضامين استراتيجية تؤثر مباشرة في ديناميكيات التفاوض والميدان.

مثال واضح على ذلك هو تعاطيه مع قادة المقاومة في غزة. فقد صدرت عنه تصريحات متباينة على نحو مفاجئ؛ مرة يصف فيها بعض القادة بأنهم «مفاوضون أقوياء» و«أظهروا استعدادًا للتعاون»، وفي مناسبة أخرى يخاطبهم بلهجة تهديدية، متهمًا إياهم بـ«العنف» و«الإخلال بالاتفاقات» وبأنهم سيواجهون «ردًا قويًا» إن لم يلتزموا. هذا الابتداع المتكرر بين المديح والتهديد يفضي إلى ثلاث نتائج سلبية جوهرية:

1. إضعاف المصداقية كوسيط

الوسيط الفعّال يحتاج إلى ثبات في الموقف. إن التقدير العابر يبعث رسالة مفادها أن الموقف قابل للتبدّل بحسب المزاج أو المصالح الآنية. فما قيمة التطمينات إذا تلاها تهديد بعد ساعات؟ الأطراف المنخرطة في مفاوضات تحتاج ضمانات وأنساقًا سلوكية ثابتة، والتقلب يشكّل عقبة أمام بناء الثقة.

2. إرباك المفاوض المحلي والإقليمي

عندما يمدح ترامب قادة فصيلٍ ما اليوم ثم يهدّدهم غدًا، يتيح ذلك لقوى داخلية وإقليمية استغلال تلك التناقضات للمناورة. فصائل قد تتشدّد بحجة «حماية المصالح»، وتل أبيب أو عواصم إقليمية قد تفسّر التحولات كفرصة للضغط السياسي أو التكتيك العسكري.

3. تضخيم دورة عدم اليقين على الأرض

لا يقتصر تأثير هذه التقلبات على طاولات التفاوض؛ بل تنتقل بسرعة إلى الشارع والساحة السياسية والميدانية: قادة يترددون، ومحاورون يطلبون ضمانات إضافية، والميدان يتهيأ لفراغ أمني قد تستغله عناصر متطرفة أو عوامل فوضى.

من الناحية الاتصالية، يستخدم ترامب هذا الأسلوب أحيانًا كسلاحٍ إعلامي: المديح يكسب انتباه الطرف الآخر ويجعله يشعر بالاستماع، ثم يأتي التهديد للضغط على تحقيق نتائج سريعة — تكتيك ذو أثر إعلامي فوري، لكنه قصير النظر في سياق الاستقرار السياسي. فالمفاوضات الناجحة تحتاج إلى بناء مؤسسي واشتراطات قابلة للقياس، لا إلى موجات مدح واذعان تتبدّل بتبدّل أو المزاج.

التداعيات الإقليمية والدولية واضحة أيضًا: الحلفاء يراقبون تقلبات الخطاب ويعيدون وزن خطواتهم وفقًا لها؛ بعض العواصم قد تتسرّع للانخراط إذا شعرت بثبات أمريكي، وأخرى قد تتريّث أو تبتعد إذا بدا أن السياسة الأمريكية رهينة بالمزاج الإعلامي.

خلاصة تحليلية

الخطاب الذي يجمع بين المديح والتهديد قد يحقق مكاسب آنية في وسائل الإعلام، لكنه يُضعف قدرة القائل على أن يكون وسيطًا ملتزمًا وموثوقًا. حيثما تُبنى المفاوضات على تقلبات مزاجية، تتراجع فرص التوصل إلى اتفاقات مستدامة، ويصبح كل اتفاق عرضة للانهيار عند أول تغيّر في النبرة أو التقييم.

إذا رغب أي طرف — داخليًا أو خارجيًا — في تحويل هذا النمط إلى نقطة قوة، فعليه أن يرافق التصريحات بآليات تنفيذ واضحة ومؤسسية: لجان رقابية مستقلة، جداول زمنية مُلزمة، وآليات ردع معلنة للمنتهكين. وإلا فسيبقى المشهد متقلبًا، وسيستمر الخصوم في تفسير المديح على أنه بديل للالتزام وليس بوابة لبناء الثقة.

شاركها.