مُقدمة

تشهد السياسات التعليمية في المغرب منذ سنوات عدة نقاشا محتدما بين مختلف الفاعلين سياسيين ومدنيين ونقابيين وأسر، حيث يُعبّر العديد من الفاعلين التربويين والحقوقيين عن وجود فجوة بين الخطاب الرسمي والواقع الميداني. وتُعد الاجتماعات والمداولات الأخيرة، خاصة تلك التي جرت خلال لجنة التعليم بالبرلمان، بمثابة فرصة للتوقف عند مدى فعالية البرامج والسياسات المتبعة، من خلال استعراض المعطيات الرسمية والإحصاءات الحديثة لنسجل ما يلي:

أولاً: ضعف الكفاءة الإدارية وغياب تراكم التجربة في التدبير التربوي

تكشف مداخلات البرلمانيين عن وضعية ملتبسة تتعلق بكفاءة الإدارة التربوية، إذ يُلاحظ أن السياسات المعلنة غالبًا ما تظل حبيسة الأوراق دون أن تتحول إلى إجراءات تطبيقية على أرض الواقع. وفقًا لتقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، فإن ارتفاع معدلات الهدر المدرسي وضعف النتائج التعليمية يعكسان خللاً بنيويًا في التدبير، رغم وجود إطارات تنظيمية مثل القانون الإطار 51.17 الذي أُقر سنة 2019، والذي يظل بعيدًا عن التنفيذ الكامل.

ثانيًا: انحراف عن المرجعيات الاستراتيجية للإصلاح

يعتمد الإصلاح التربوي بالمغرب على مرجعيات استراتيجية واضحة، أبرزها الرؤية الاستراتيجية 20222026، وقانون الإطار 51.17، اللذان يُعتمد عليهما كأساس لتطوير المنظومة. ومع ذلك، تشير تقارير رسمية إلى ضعف التنزيل العملي لهذه الوثائق، مع وجود مبادرات غير متوافقة أحيانًا مع المبادئ التوجيهية، الأمر الذي يهدد فعالية الإصلاح ويعزز من حالة الارتباك المؤسساتي.

ثالثًا: غياب آلية متابعة فعالة

رغم أن اللجنة الوطنية لتتبع تطبيق قانون الإطار تُعدّ الهيئة المسؤولة عن مراقبة تنفيذ السياسات (يرأسها رئيس الحكومة شخصيا)، إلا أن أداءها يثير العديد من التساؤلات. خلال الولاية الحكومية الحالية، لم يُعقد أي اجتماع فعلي لهذه اللجنة، مما يعكس ضعف الالتزام السياسي والمؤسسي بالتتبع والمساءلة (شأنها شأن لجان أخرى متخصصىة في تتبع السياسات العمومية ومحاربة الفساد وغيرها).

رابعًا: مشروع “مدارس الريادة” بين الطموحات والواقع

لقد أُعلن عن مشروع مدارس الريادة، بهدف تحديث النموذج التربوي وخلق بيئة محفزة على الابتكار وريادة الأعمال. وفقًا للمعطيات الرسمية، استفاد الموسم الدراسي 20222023، حوالي 320 ألف تلميذ ضمن 626 مؤسسة، بنسبة تزيد على 7% من تلاميذ التعليم الابتدائي، مع طموح للتوسع ليشمل مليون ونصف تلميذ (حوالي 30% من تلاميذ التعليم الابتدائي). غير أن تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين يُحذر من أن هذا النموذج قد يُعزز الفوارق الاجتماعية بدلًا من تقليصها، فيما يظل مصير العديد من المدارس الجماعاتية غير واضح، إذ زاد عددها من 226 مدرسة سنة 2021 إلى 329 في 2024، بزيادة تقدر بحوالي 45%.

خامسًا: الميزانية واستثمارها في القطاع التربوي

وفقًا لقانون المالية لعام 2025، خصصت الحكومة ميزانية قدرها 85.6 مليار درهم لقطاع التربية والتكوين، بزيادة تجاوزت 11 مليار درهم مقارنة بعام 2024، وهو انعكاس على اهتمام متزايد بالقطاع. ومع ذلك، فإن نتائج هذا الاستثمار، من حيث تحسين أداء التمدرس، وتقليص التفاوتات الجهوية، وخدمة البنية التحتية، لا تزال دون الطموحات، حيث يظل مستوى التحصيل الدراسي والتقليل من الهدر موضوع تحديات كبرى، وبذلك تطرح علامات استفهام كبرى حول طرق ونتائج صرف هذه الميزانيات الضخمة.

سادسًا: احتجاجات الشباب “جيل Z” كتعبير عن تنامي فقدان الثقة

لا يمكن اعتبار الحركات الاحتجاجية للشباب المغربي، خاصة جيل Z، مجرد مظاهر عابرة، بل هي تعبير عن تراكمات من الإخفاقات والتراخي في إصلاح منظومة التعليم، والتي تتفاقم بفعل استمرار ضعف الثقة في المؤسسات التعليمية والإدارية. وتؤكد تقارير دولية، منها تقرير اليونسكو، على أن ضعف أداء منظومة التعليم الوطنية يُضعف من تنافسية الشباب المغربي على الصعيدين الوطني والدولي، وقد تتطور هذه الاحتجاجات لتشمل الجامعات ومعاهد التكوين التي تعد قنابل موقوتة تفرخ العاطلين.

ختاما إن الرفع من ميزانية التعليم وصباغة واجهات المؤسسات وطباعة مقررات الريادة بجودة عالية لن يمحو أو يزحزح ترتيب المغرب في التقارير الدولية المتعلقة بالتعليم والتنمية البشرية إذ يظل دائما اسم المغرب في ذيل الترتيب مع دول تعرف حروبا ومجاعات وهو ما لا يشرف أبناء هذا الوطن الذي يعرفه العالم بأقدم جامعة في التاريخ.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.