في كلمة افتتاحية اتسمت بنبرة نقدية عالية و”مكاشفة صريحة”، وضع الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، اليوم الجمعة ببوزنيقة، تشخيصا قاسيا للوضع السياسي والاقتصادي والمؤسساتي في المغرب، وذلك خلال افتتاح المؤتمر الوطني الثاني عشر للحزب.

وهاجم الكاتب الأول بشدة ما أسماه “مأسسة الريع” وتمركز الثروة، محذرا من “تآكل علاقات الثقة” بين المواطنين والحكومة، وموجها انتقادات لاذعة لمسؤولين حكوميين اتهمهم بـ”الاختباء وراء المؤسسة الملكية” لتهميش المعارضة. كما تضمنت الكلمة موقفا ملفتا بخصوص قضية الصحراء المغربية، داعيا إلى سحب الملف نهائيا من اللجنة الرابعة للأمم المتحدة.

وشكل النقد الاقتصادي محورا أساسيا في خطاب الكاتب الأول، الذي اعتبر أن المغرب يعيش “منعطفا تاريخيا دقيقا” يتسم بتراكم الأزمات، مشيرا إلى أن عقودا من الاستراتيجيات القطاعية، رغم بناء “طرق سريعة وموانئ ضخمة”، لم تمنع “تفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية” و”تلاشي الأمل لدى الشباب”. وتساءل: “ما الجدوى من هذا المجهود الضخم إذا كانت الأغلبية لا تجد مدرسة عمومية ذات جودة، ولا مستشفى دون اكتظاظ؟”.

وانتقد الكاتب الأول بشدة النموذج الاقتصادي المعتمد، معتبرا أنه أنتج “نموا هشا” و”مأسسة للريع”، مبرزا أن “أقلية من الفاعلين استطاعت تحويل الدولة إلى آلة لإعادة توزيع الثروة لصالحها”، من خلال آليات “الريع العقاري”، و”الامتيازات القطاعية”، و”الزبونية التعاقدية” التي تضعف المنافسة. وشدد على أن “الإصلاح الجذري” لهذا النهج هو المدخل الحقيقي “لتخليق الحياة العامة” وبناء الدولة الاجتماعية.

وفي واحد من أقوى مقاطع الخطاب، تطرق الكاتب الأول إلى الأداء المؤسساتي، مؤكدا على أن الملكية في المغرب هي “مصدر الاستمرارية والاستقرار” و”السلطة الفصل”، لكنه حذر من أن “بعض المسؤولين الحكوميين أصبحوا يختبئون وراء المؤسسة الملكية بهدف التصدي للأصوات المخالفة أو المنتقدة وتهميش المعارضة المؤسسية”. ووصف هذا السلوك بأنه “عائق خطير للسير الطبيعي والناجع لدواليب الدولة”، مؤكدا أن الملك “لم يعبر يوما عن نية الانفراد بالسلطة أو تهميش المؤسسات”.

كما انتقد الكاتب الأول ما أسماه “محدوديات” تجربة ما بعد دستور 2011، معتبرا أنها لم تُترجم إلى “دينامية ديمقراطية فعلية”. وانتقد بشكل خاص “الاستقلال السلبي” للقضاء، الذي رأى أنه أصبح “مستقلا عن الحكومة لكنه غير خاضع للمساءلة المجتمعية”. كما دعا إلى تقييم أداء “مؤسسات الحكامة” المعينة، محذرا من خطر “اكتساحها لمجالات الحكومة” أو “تهريب القرار إلى دوائر غير خاضعة للمساءلة”.

ملف الصحراء.. مطلب بسحبه من اللجنة الرابعة

بالتزامن مع قرب تخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، جدد الكاتب الأول التأكيد على “الترابط العضوي بين تقدمية الحزب ووطنيته”، مشيدا بصمود المغرب في وجه “مؤامرة متعددة الأشكال”.

وفي موقف لافت، طالب الكاتب الأول الدول الصديقة الدائمة العضوية في مجلس الأمن بالعمل على “اعتبار الحكم الذاتي مقترحا أمميا هو المنطلق والنهاية في تسوية الملف”. والأهم من ذلك، دعا بشكل صريح إلى “سحب هذا الأخير (الملف) من اللجنة الرابعة” للأمم المتحدة، معتبرا أن سبب بقائه في أجندتها قد “انتفى”، وأن الملف “يقع تحت طائلة مسطرة مزدوجة” (اللجنة الرابعة ومجلس الأمن).

وعلى الصعيد الدولي، أدان الكاتب الأول بشدة “الصمت الدولي المريب” تجاه النزاعات، وخص بالذكر “المأساة التي يعيشها أشقاؤنا الفلسطينيون في غزة، ضحايا حرب إبادة وحشية”، مجددا دعم الحزب الثابت لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية.

كما عبر عن تضامن الحزب مع “حزب الشعب الجمهوري التركي” وقائده أوزغور أوزيل في مواجهة “موجة قمع غير مسبوقة من قبل حكومة أردوغان”، منددا بتصاعد تيارات اليمين المتطرف وظاهرة “كراهية الإسلام” في الغرب.

كما استهل الكاتب الأول كلمته بالاحتفاء بـ”الانبعاث التنظيمي غير المسبوق” للحزب، الذي توج بعقد 72 مؤتمرا إقليميا كـ”شرط للوصول للمحطة الوطنية”، مشيدا بصمود الحزب وسط “تراجع خطير للتيارات التقدمية” عالميا.

وفي شق المقترحات المستقبلية، كشف أن الحزب قدم مذكرة إصلاح انتخابي لوزارة الداخلية، من أبرز نقاطها، الرفع من تمثيلية النساء إلى الثلث (132 مقعدا) دون زيادة عدد مقاعد مجلس النواب، وتخفيض سن الترشح إلى 18 سنة والتسجيل التلقائي للشباب.

كما طالب الاتحاد الاشتراكي بإعداد قانون إطار وطني ينظم استعمال الذكاء الاصطناعي في المجال السياسي، وإحداث هيئة وطنية للرقابة الرقمية، مستقلة عن الحكومة، لمراقبة استخدام الذكاء الاصطناعي في الانتخابات.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.